عاشت مدينة سطات، ليلة عاشوراء، السبت الماضي واحدة من أكثر الليالي اضطراباً في تاريخها، بعدما تحولت أحياؤها إلى ساحات مواجهات غير مسبوقة، قادها مراهقون أشعلوا النار في العجلات المطاطية، وخرقوا النظام العام، وسط غياب ملحوظ للتدخل الأمني الحازم في لحظات حاسمة.
الضجة تفجّرت مباشرة بعد انتشار فيديو يُظهر باشا مدينة سطات وهو يتساءل باستغراب: “فين هما لابيجي؟”، في إشارة إلى عناصر الشرطة القضائية، ما أثار سيلاً من ردود الأفعال على مواقع التواصل الاجتماعي، وانتقادات لاذعة وُجّهت إلى ولاية أمن سطات، وعلى رأسها والي الأمن، الذي اعتبره عدد من النشطاء “المسؤول الأول عن هذا التقصير الأمني الواضح”.
وفي خضم الجدل، خرج رئيس جمعية متقاعدي الأمن الوطني، السيد أهيري، بفيديو توضيحي لامس عمق الإشكال، كاشفاً أن الشرطة القضائية لم تتدخل في الوقت المناسب، بسبب تعليمات مبهمة وسوء تنسيق، مُحمّلاً المسؤولية المباشرة لوالي أمن سطات الذي بحسب قوله “اكتفى بمتابعة الوضع من مكتبه وتوجيه أوامر تركّز فقط على تحرير المخالفات، في الوقت الذي كانت فيه المدينة تغرق في الفوضى”.
الفيديو، الذي انتشر كالنار في الهشيم، لم يكن مجرد شهادة من رجل أمن سابق، بل بمثابة صرخة من داخل الجسد الأمني نفسه، حيث سلّط الضوء على حالة التذمر والضغط الذي يعيشه رجال الأمن بالمدينة، جراء الاستفسارات المتكررة والعقوبات الإدارية، التي أضحت، حسب تعبير البعض، سلاحاً لضبط الصفوف بدل تحفيزها على العمل الميداني الجاد.
وعلى إثر هذا الجدل الواسع، علمت مصادر متطابقة أن لجنة تفتيش مركزية تابعة للمديرية العامة للأمن الوطني حلت بشكل استعجالي بولاية أمن سطات، للوقوف على حقيقة ما وقع، واستجلاء ملابسات الغياب الأمني، ورفع تقارير مفصلة إلى السيد عبد اللطيف الحموشي، المدير العام للأمن الوطني.
وتُرجّح ذات المصادر أن تَطال زوبعة من التنقيلات أو الإعفاءات عدداً من رؤساء المصالح الأمنية بسطات، ممن أصبحوا يعيشون حالة من الترقب والقلق، في انتظار ما ستسفر عنه تحقيقات لجنة التفتيش. وضعٌ وصفه البعض بـ”الزلزال الإداري المنتظر”، في حال تأكد وجود تقصير أو سوء تدبير.
فهل تكون هذه الزيارة المركزية مقدمة لمحاسبة مسؤولة، تُعيد الثقة في نجاعة المنظومة الأمنية محلياً، أم أن الأمور ستمرّ كما مرت ليالٍ أخرى من النسيان؟ الجواب تُخفيه الأيام القادمة وما ستحمله تقارير المفتشية.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
