ريجيس دوبري وروني جيرار يتجادلان في ندوة فكرية حول مسألة “عودة الديني” قي وقتنا الراهن 2/2

voltus22 يوليو 2016Last Update :
ريجيس دوبري وروني جيرار يتجادلان في ندوة فكرية حول مسألة “عودة الديني” قي وقتنا الراهن 2/2

تقديم :منذ 11 شتنبر 2011، ظهرت على السطح مسألة تأثير العامل الديني في النزاعات التاريخية. اليوم، بينما ينخرط المجتمع الغربي في الدنيوية (sécularisation) ينكب كبار المثقفين في دراسة ومناقشة العلاقة التي يقيمها الجنس البشري مع التعالي. فبعد مسار سياسي ملتزم ، يعود ريجيس دوبري إلى جو الدراسات (يدرس حاليا الفلسفة بجامعة ليون 3) ليؤسس علما اجتماعيا جديدا: الميديولوجيا (علم الوسائط. نشر مؤخرا بحثا حول فكرة الله عبر مختلف الحضارات تحت عنوان “الله، بيان رحلة” (مطبوعات أوديل جاكوب). اما الباحث الأنثربولوجي روني جرار، الأستاذ منذ مدة طويلة بجامعة ستانفورد الأمريكية، فقد قام بإعادة قراءة المسيحية بواسطة العلوم الاجتماعية. جعلت منه نظريته حول “الرغبة التكيفية” و”كبش الفداء” أحد المفكرين الأكثر أصالة. في كتابه الأخير المعنون “الذي أتت على يده الفضيحة” (مطبوعات ديسلي دوبروار) يعطي خلاصة لأبحاثه. من أجل تسليط بعض الأضواء على مسألة عودة الديني في الوقت الراهن، ارتأت مجلة “لوفيغارو ماغزين” الفرنسية الجمع بين ذينك المفكرين وإثارة الحوار بينهما عن طرح مجموعة من الأسئلة فكان هذا النقاش الذي نعرض فيما يلي لأهم ما جاء فيه. المجلة: في الوحدانية،

ما هو الشيء الذي يميز المسيحية؟

– روني جيرار: هذا هو السؤال الأساسي.كل الديانات مرتبطة ببنية نجدها في الأسطورة. الأنثروبولوجيا المعاصرة هي ضد المسيحية؛ على اعتبار أن علماء السلالات الأوائل اعتقدوا بأن المسيحية أسطورة موت وبعث مثل غيرها. إذن، خشي المسيحيون أن تؤدي دراسة الأساطير إلى الكشف عن هوية المسيحية إلى جانب الديانات الأخرى. أعتقد، بالعكس، أنه يجب تعميق هذا التشابه الحميمي بين مذاهب تعدد الآلهة وبين المسيحية. الأساطير تبدأ كلها بكارثة تحل بجماعة، ثم نكتشف من هذه المصيبة تسبب فيها شخص مفرد. الحل،إذن، يتمثل في المشاركة الجماعية في تنفيذ الإعدام، يتمثل في توحيد ضد هذه التضحية. هذا ما أسميه بآلية “كشف الفداء” أو الضحية الوحيدة. لكن ماذا يقع في المسيحية وفي اليهودية إلى حد ما؟ في اليهودية، النصوص المسماة نبوية هي غالبا تلك التي تعبأ فيها جماعة ضد فرد واحد، لكن الله يكون دائما إلى جانب الضحايا. في اليهودية النبوية وفي المسيحية، عوض أن يتم الاعتراف للضحية بألوهيتها مع كونها آثمة، يعترف لها بالألوهية على اعتبار أنها بريئة. هكذا يكون الرواد الأوائل آثمين. حدث انقلاب جذري بين الديني القديم والتقليد الإنجيلي. الوحيد الذي رد الاعتبار للضحية الأسطورية. وما دمنا لم نلمس هذه العلاقة، الحميمية والمتعارضة في ذات الوقت، بين الدين القديم والتقليد الإنجيلي، فلن نستوعب ما يوجد من عظمة في مجتمعنا، ما يجعلنا نقف إلى جانب الضحايا.

– ريجيس دوبري: ما هو الجديد الذي جاءت به المسيحية؟ جاءت بالعالم، بالجسد وبالصورة. النقطة الأولى، جاءت بالعالم إلى الله لأننا انتقلنا من إله إثني إلى إله اصطفائي، من إله قومي إلى إله كوني. جاءت المسيحية بفكرة الإيمان، بفكرة أن العبادة ليست شيئا يكتسب من لدن الآباء لكن يتم اختبارها ضدا عليهم. كل شخص قابل لأن يصطفى من طرف إله واحد وليس من طرف شعب من الشعوب. بعبارة أخرى، المصطفون موجودون في أي مكان عبر العالم. النقطة الثانية هي أن المسيحية أعطت ابنا لله الأب. واسطة التجسيد، وضعت الله على الأرض دون التعالي في فقدان تعاليه. هذا بالفعل انقلاب بالنسبة للعالم اليوناني: الجسد ليس قبرا للخلاص بل هو الطريق المؤدية إليه. من هنا نتأدى إلى النقطة الثالثة، الأساسية. إنها عودة المؤنث وعودة الصورة لأنه حيثما لا توجد الصورة ل توجد المرأة وحيثما تنعدم المرأة تنعدم الصورة. المسيحية هي الأقل ذكورية واهتماما بالفكر المجرد من ديانات التوجيد الأخرى. من خلال إجازة الصورة، تمكنت من إعطاء الانطلاقة لكل الأشكال الملموسة للمشاركة والعبادة: رسم، نحت، موسيقى أو هندسة معمارية. العالم، الجسد والصورة، تلك ثلاثة تجديدات ندين بها إلى المسيحية.

– المجلة: هل الرؤى حول العالم التي تقترحها المسيحية والديانة الإسلامية مختلفة جذريا؟

ريجيس دوبري: المسلمون أنفسهم لا يتقفون حول من هو المسلم ومن هو ليس بمسلم. بحكم أن الإسلام كان أكثر انقساما من المسيحية، فلم يكن العنف الذي اختزنه أقل من العنف الذي اختزنته المسيحية. إذن، من الصعب الحديث عن الإسلام كمجموعة متكتلة: أنا لا أنصاع لهذه الرؤى اللاتاريخية العزيزة على صمويل هنتينغتن والتي ضمنها كتابه “صراع الحضارات”. في القرآن، توجد سور ناطقة بالعنف وأخرى ناطقة بالسلم..المشكل في الإسلام هو أنه ليست هناك أية سلطة تأويلية: من هب ودب بإمكانه قول أي شيء عن كتاب يقول الكل عن الكل. لنكن حذرين..وفضلا عما قيل، لا يمكن تصور ظهور الإسلام إذا لم نر ان محمدا كان يسبح في مناخ يهودي-مسيحي، وانه برهن على إرادة التعارض مع هذا المناخ. في الإسلام نجد مذهبا وحدانيا خالصا وصلبا: الله الثالوثي فكرة لايقبلها العقل عند المسلمين.

– روني جيرار: كان لابد من مرور عدة قرون للوصول إلى التعريف الثالوثي. هناك الإله الوحداني في العهد القديم، الذي لا ينبغي القطيعة معه، ثم كان هناك المسيح. هذا الأخير إنسان كامل. لكن بخضوعه للموت، كما فعل، قطع مع الوثنية، بطريقة لا مثيل لها في اليهودية. بالنسبة للمسيحيين، ما قاله الله للناس يمكن التعبير عنه كما يلي: كل هذه الضحايا وأكباش الفداء تمت إجازتهم، لكنكم تستطيعون الصفح عن الله ما دام قد صار هو الآخر ضمن الثالوث (المقدس).

– ريجيس دوبري: الله مات في ابنه..

– روني جيرار: نعم، في كتابك، استعملت هذه الصيغة: “الأب يموت في الإبن”. استيعاب المسيحية يعني استيعاب أن الله مات، وأن المسيح ليس تابعا. الذين يضعون جانبا التصليب لا يدركون إلى أي مدى يكون هذا الأخير أساسيا. لولا تصليب المسيح، لولا الثالوث، لكانت الوحدانية ناقصة.

– المجلة: سواء كنا مؤمنين أو غير مؤمنين، هل تتساوى جميع الديانات؟ هل الآلهة جميعهم متساوون؟ – روني جيرار: أجيب صراحة بلا. التقليد اليهودي-المسيجي هو التقليد الأساسي، وأنا مقتنع بذلك لنه (التقليد إياه)، في الكثير من تعابيره وفي مختلف المجالات، يقف موقف المتردد، ويعرب عن جهله. إنه التقليد الوحيد القادر على أن يناقض نفسه. إذا أخذت الأناجيل أو رسائل بول، تجد أن المسيحية تأتي دائما بعناصر للنقاش: القديس بول، وهو يواجه مشاكل مختلفة، تصرف بطريقة عفوية وصدرت عنه نبرات تلقائية.

– ريجيس دوبري: أحكام القيمة تزعجني دائما دون السقوط في النسبوية. جملة لكلود ليفي-ستروس: “لا مجتمع سيء حتى النهاية ولا مجتمع طيب للغاية”. باعتباري من دعاة النزعة الإنسانية، لا أنظر إلى التسلسل التاريخي في وضعه العادي. كنت أفضل أن اكون مسلما في القرن 11 على أن أكون مسيحيا في نفس العصر؛ لأن المسلم كان إذاك قادرا على التحاور مع الفكر اليوناني. من جهة أخرى، كنت أفضل أن أكون مسيحيا في القرن 16 على أن أكون مسلما في ظل الإمبراطورية العثمانية. لنقل إني أتماهى مع ثقافتي التي هي مسيحية. فأنا أقوم بأدئها، أستكشفها واحاول فهمها، وأجد فيها شخصيا عدة مزايا ، لكني لا أريد إصدار حكم حول المطلق..وذلك بغية إمداد روني جيرار بمسوغ للتناقض معه في هذا النقاش؛ الشيء الذي بدونه نوشك على الظهور متفقين بإفراط.

– روني جيرار: أتحفظ كثيرا على الإقرار بأن المجتمعات التي تنتسب إلى اليهودية أو إلى المسيحية هي أعلى قدرة من المجتمعات الأخرى. هي ليست كذلك بكل تأكيد. وعندما يلتمس المسيحيون الصفح عن سلوكهم، يكونون على حق، لأنهم بالنظر إلى مرجعياتهم، خاصة فيما يتعلق بالدفاع عن الضحايا، يكونون روادا أوائل ويتبين أنهم ليسوا أهلا لتعاليم التسامح المتضمنة في نصوصهم. ربما كان ينبغي على المسيحية ان توجد في مجتمع لا يفهمها حتى تكون في أحسن حال. الكتاب المقدس يعلن عن سوء الفهم هذا: “هل يجد ابن آدم الإيمان عندما يعود؟” الأصوليون بمختلف مشاربهم يريدون ان يكون عنف النصوص القيامية، اليهودية، المسيحية والإسلامية، ذات أصل إلهي. لكن إذا كانت ثمة قيامة، إذا قدر للمسيحيين أن يصبحوا ضحايا عنف، فذلك بسبب خطئهم، لأنهم سوف يكونون عاجزين عن اتباع نصوصهم. لسوء الحظ، النصوص القيامية هي اليوم مهملة..

– ريجيس دوبري: لأبين المميزات التي أجدها في إله الحضارة التي أنتمي إليها، أقول إنه يسمح لي بالمناقشة، إنه إله أوجد كنيسة، بداخلها كان ممكنا في اللحظة المواتية التعاطي لشرح تاريخي نقدي للوحي ووضعه في سياقه وتنسيبه. بتعبير آخر، لإصل الأسطورة عن واة الوحي. فانطلاقا من المرحلة السكولائية، وبشكل أوسع انطلاقا من الإصلاح، كانت هناك حرية تجاه الإرث المقدس. هذا العمل لم تستطع مذاهب وحدانية أخرى الخوض فيه.

(انتهى)

ترجمة وتقديم أحمد رباص


اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Breaking News

اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading