في ظل الرعاية السامية لأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله، تواصل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية جهودها الحثيثة لحماية الأمن الروحي للمغاربة، من خلال الإشراف على تأهيل المساجد، وتكوين الأئمة، وتوزيع الكتب الدينية الرسمية، وصيانة بيوت الله في مختلف جهات المملكة. ولا شك أن هذه الجهود المباركة تستحق التقدير، وتعكس المكانة التي يحظى بها الشأن الديني في السياسة العامة للدولة.
إلا أن بعض المعطيات الرقمية المثبتة في مشروع قانون المالية لسنة 2025 تدفعنا إلى طرح أسئلة ضرورية حول جدوى وفعالية هذا الاستثمار، ليس من باب النقد السلبي، وإنما في إطار نقاش عمومي ووطني يطمح إلى تعزيز وظيفة المسجد في المجتمع المغربي.
وفقًا لمشروع الميزانية، فقد خُصص لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ما مجموعه 4.3 مليار درهم، منها 1.2 مليار درهم موجهة مباشرة لتسيير المساجد، وعددها حسب نفس المصدر 9340 مسجدًا مفتوحًا رسميًا.
عند تقسيم هذا المبلغ على عدد المساجد، نجد أن كل مسجد يكلف الدولة سنويًا حوالي 128,519 درهمًا، أي ما يعادل 176 درهمًا في الساعة الواحدة، إذا علمنا أن أغلب المساجد لا تفتح إلا خلال أوقات الصلاة الخمس، أي حوالي ساعتين ونصف يوميًا (150 دقيقة).
أما إذا أخذنا بعين الاعتبار التقديرات المرتبطة بعدد المصلين النظاميين، والتي تشير إلى نحو 450 مصلٍّ في المتوسط للمسجد الواحد، فإن تكلفة الشخص الواحد داخل المسجد تصل إلى حوالي 2,784 درهمًا سنويًا.
للمقارنة فقط، فإن نفس القانون المالي يخصص:
للصحة: 31.5 مليار درهم، لفائدة 30 مليون مستفيد، أي حوالي 1050 درهمًا للفرد في السنة؛
وللتعليم: 77.4 مليار درهم، مقابل 8 ملايين تلميذ/طالب، بمعدل 9675 درهمًا للفرد في السنة.
هذه المقارنة لا تهدف إلى إضعاف مكانة المسجد، بل إلى الإشارة إلى أن المسجد، بهذه الكلفة المهمة، مطالب اليوم بلعب دور أوسع من مجرد فتح أبوابه للصلوات الخمس. ففي عهد النبي ﷺ، كان المسجد مركزًا لتعليم العلم، والتوجيه الاجتماعي، والتواصل، بل ولحل النزاعات (قضاء القرب)، مما جعله مؤسسة شاملة لها وظيفة دينية وأخلاقية وتنموية.
اليوم، لا يمكننا أن نتجاهل ملاحظة التراجع الملحوظ في بعض القيم والسلوكيات داخل المجتمع، من تراجع الحياء، وتفكك العلاقات الأسرية، وانعدام الإحساس بالمسؤولية عند بعض الشباب، وهي مظاهر تدعونا إلى إعادة التفكير في الأدوار الممكنة للمسجد كمؤسسة تربوية وثقافية وأخلاقية.
ولتجاوز هذا الوضع، نقترح إطلاق مبادرة وطنية لتفعيل دور المسجد من خلال التنسيق المؤسساتي، عبر إبرام عقود شراكة بين وزارة الأوقاف ووزارات أخرى كالتعليم، والشباب، والعدل، تهدف إلى:
تنظيم أنشطة دراسية وتوعوية داخل المساجد؛
إدماج مكون الوساطة الاجتماعية لحل النزاعات؛
تأهيل الشباب أخلاقيًا واجتماعيًا من داخل الفضاء الديني؛
فتح المساجد الكبرى كمراكز ثقافية وتعليمية في أوقات محددة.
هذه الرؤية لا تتعارض مع الطابع الديني للمساجد، بل تفعّله، وتُعيد للمسجد مكانته المحورية في النهوض بجيلٍ مغربي متشبع بالقيم، مُحبّ لوطنه، وفي انسجام تام مع التوجيهات الملكية الداعية إلى الإصلاح المتوازن، دون المسّ بالثوابت.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.