كتبت أمل محمد أمين
تُمثل الاضطرابات الناجمة عن تعاطي مواد الإدمان أحد تحديات الصحة العامة الأكثر إلحاحًا في عصرنا، ولها عواقب وخيمة على الأفراد والمجتمعات. وتؤثر اضطرابات تعاطي المخدرات على الصحة البدنية والنفسية، وتقوّض الاستقرار الاقتصادي والأمن الوطني، وترهق نُظُم الصحة العامة. ومع تزايد تعاطي المخدرات على الصعيد العالمي، هناك حاجة ماسة إلى سياسات وبرامج علاجية شاملة.
ويرتبط تعاطي المخدرات بمشكلات صحية متنوعة، ومنها حالات الصحة النفسية والتهاب الكبد والسُّل وأمراض القلب والأوعية الدموية. ووفقًا لتقرير المخدرات العالمي لعام 2024 الصادر عن الأمم المتحدة، فقد تعاطَى المخدرات نحو 292 مليون شخص في عام 2022، وتتراوح أعمار 5.6% منهم بين 15 و64 عامًا. كما أن العبء الاقتصادي لتعاطي المخدرات – بما في ذلك ارتباطه بالجريمة والمشكلات الصحية وخسارة الإنتاجية – يمثل حوالي 2% من الناتج المحلي الإجمالي في بعض البلدان، وهذا خير مثال على الآثار البعيدة المدى لهذه الأزمة.
إن الوضع في إقليم منظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط يُنذِر بالخطر، حيث تشير التقارير إلى أن 6.7% من السكان يتعاطون المخدرات، وهو معدل أعلى من المتوسط العالمي البالغ 5.6%. وينتشر تعاطي الأفيون على نطاق واسع في بلدان مثل أفغانستان وجمهورية إيران الإسلامية وقطر. وفي مصر، أصبح تعاطي الترامادول منتشرًا مثل القنب. ويشيع سوء استعمال الأدوية التي تُصرَف بوصفة طبية – ومنها البِنزوديازيبين والكابتاغون – بشكل متزايد في العراق وليبيا والجمهورية العربية السورية.
ومنذ عام 1990، ازداد عدد الأشخاص الذين يعانون من الاضطرابات الناجمة عن تعاطي المخدرات في الإقليم بمقدار الضعفين. وفي عام 2019، كان ما يقدر بنحو 3.4 مليون شخص يعانون من هذه الاضطرابات. وترتبط هذه الأرقام الآخذة في الارتفاع الشديد بالارتفاع المُنذر بالخطر لمعدلات الإصابة بفيروس العوز المناعي البشري والتهاب الكبد C بين متعاطي المخدرات في الإقليم. ويبلغ معدل انتشار الإصابة بفيروس العوز المناعي البشري بين متعاطي المخدرات 18.2%، مقارنة بنسبة 12.4% على الصعيد العالمي، كما يصيب التهاب الكبد C نسبة 51.4% من متعاطي المخدرات بالحقن، وهو معدل أعلى بكثير من المتوسط العالمي البالغ 48.9%.
وعلى الرغم من العواقب الصحية والاجتماعية الكبيرة للاضطرابات الناجمة عن تعاطي مواد الإدمان، هناك فجوة علاجية واضحة. وبينما يُبيّن التقرير العالمي عن المخدرات لعام 2024 الضوء أن شخصًا واحدًا فقط من كل 11 شخصًا مصابًا باضطرابات تعاطي المخدرات على الصعيد العالمي يتلَقَّى العلاج اللازم، فإن المعدل المقابل في الإقليم يبلغ شخصًا واحدًا من كل 13 شخصًا. ويمكن أن يُعزى هذا القصور إلى نقص فرص الحصول على خدمات الرعاية الصحية، وعدم توافر الأدوية الأساسية، والوصم الذي يكتنف تعاطي المخدرات ويحول دون حصول كثير من الناس على المساعدة التي يحتاجون إليها.
ولمواجهة هذه التحديات، أطلق المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط مبادرة إقليمية رئيسية لتسريع وتيرة العمل في مجال الصحة العامة بشأن تعاطي مواد الإدمان. وتتسق المبادرة مع التزام منظمة الصحة العالمية بتحقيق الغاية 3-5 من أهداف التنمية المستدامة التي تهدف إلى تعزيز الوقاية من الاضطرابات الناجمة عن تعاطي مواد الإدمان وعلاجها.
وتسعى المبادرة الرئيسية بشأن تعاطي مواد الإدمان إلى:
الاستفادة من دور منظمة الصحة العالمية بوصفها السلطة التنسيقية الرائدة في مجال الصحة العالمية التي تجمع بين وكالات الأمم المتحدة، وكيانات القطاع العام، ومنظمات المجتمع المدني، والاتحادات المهنية، والأوساط الأكاديمية للتصدي الجماعي لقضايا تعاطي مواد الإدمان؛
التركيز على التدخلات المسندة بالبيّنات للوقاية من تعاطي المخدرات، وتقليل الأضرار إلى أدنى حد، وتعزيز عوامل الوقاية؛
تعزيز إتاحة علاج الاضطرابات الناجمة عن تعاطي المخدرات والحالات المرضية ذات الصلة في المجتمعات المحلية وعلى منصات الرعاية الصحية.
وللنهوض بهذه الجهود، عُقِد حوار بشأن السياسات في أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة، في الفترة من *26 إلى 28 شباط/ فبراير 2025* . وقد حضر الاجتماع، الذي تولى تيسيره المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، بالتعاون مع المركز الوطني للتأهيل في أبوظبي، كيانات القطاع العام، ووكالات الأمم المتحدة، ومنظمات المجتمع المدني، والمؤسسات الأكاديمية.
وتشمل أهداف الحوار بشأن السياسات ما يلي:
توجيه الأطراف المعنية بشأن أهداف المبادرة الرئيسية بشأن تعاطي مواد الإدمان وأغراضها؛
تحديد الأدوار والمسؤوليات لدعم تنفيذ المبادرة في البلدان في أنحاء الإقليم؛
البدء في إعداد خطط خاصة بكل بلد لتوجيه تنفيذ المبادرة.
وقد حددت المبادرة الرئيسية تدخلات استراتيجية مُسندة بالبيّنات وعالية المردود لتحسين إتاحة العلاج وخدمات الدعم للسكان المتضررين من تعاطي مواد الإدمان والاضطرابات الناجمة عنها على امتداد سلسلة الرعاية، مع حماية حقوق الأشخاص الذين يعانون من الاضطرابات الناجمة عن تعاطي مواد الإدمان، وتعزيز تلك الحقوق. وتستلزم هذه التدخلات التنسيق بين كيانات القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني العاملة في مجالات الصحة والرعاية الاجتماعية والتعليم وإنفاذ القانون والعدالة الجنائية للمساعدة في ضمان حصول مزيد من الأفراد على الرعاية التي يحتاجون إليها وتخفيف العبء الاجتماعي والاقتصادي للاضطرابات الناجمة عن تعاطي مواد الإدمان في الإقليم.
الصفحة الإلكترونية للحوار بشأن السياسات:
https://www.emro.who.int/mnh/policy-dialogue-flagship-initiative-substance-use/index.html
المبادرات الرئيسية:
https://www.emro.who.int/about-who/regional-director/flagship-initiatives.html
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.