في مدينة سطات، برزت قضية غريبة أثارت الجدل والحيرة بين الأوساط القانونية والطبية على حد سواء. بدأت القصة بليلة مظلمة غير مقمرة، حينما كان أحد السائقين يسوق سيارته برفقة ثلاثة من أصدقائه على طريق قديم مليء بالحفر. فجأة، واجه السائق أضواء قوية تعاكسه، صادرة عن سيارة تسير بسرعة جنونية وسط غبار كثيف. في لحظة، أبدى السائق مهارة استثنائية، أشبه بما يقوم به سائقو سباقات “الفورمولا 1″، بتجنب الاصطدام عبر انحراف سريع وعودة دقيقة إلى الطريق.
لكن المفاجأة الكبرى لم تكن في مهارة السائق، بل في التفاصيل المذهلة التي ذكرها لاحقاً. فقد قال إنه رأى بوضوح هوية سائق السيارة المقابلة ومن معه، بل حتى ألوان ملابسهم ونوع السيارة ولونها، وصولاً إلى بداية أرقام لوحتها الخلفية، كل هذا رغم الظلام الدامس. ما أثار الدهشة أن أياً من مرافقيه الثلاثة لم يؤكدوا هذه التفاصيل، ما دفع المحققين إلى التشكيك في روايته.
كما أن القضية تأخذ منحى آخر، الشهادة الغريبة دونت في محضر الضابطة القضائية، وارتبطت بقضية مقتل الحاكم الجماعي لمنطقة سيدي العايدي. لكن ما جعل القضية أكثر تعقيداً هو تدخل طبيب معروف، تبنى رواية السائق وادعى أن بإمكان الإنسان رؤية الألوان في الظلام، مخالفاً بذلك أبجديات علوم البصريات. هذا الطبيب، الذي أصبح يوصف بـ”الطبيب الذي يرى الألوان بالليل”، كتب مقالات صحفية على مدار 18 عاماً يدافع فيها عن هذه الرواية، محاولاً تحويلها إلى حقيقة علمية رغم استحالتها.
بعد سنوات طويلة، كشفت التحقيقات أن القضية أُقحمت في سياق آخر يتعلق بعملية تزوير كبرى استهدفت ممتلكات الأجانب في منطقة السماعلة بسطات. الملف العقاري المتعلق بـ”كوستا براون”، وهو مواطن فرنسي، كان في قلب هذه العمليات التي تعود إلى التسعينات. الوثائق المزورة ساهمت في تمكين شبكة دولية من السطو على أراضٍ وممتلكات بطرق غير قانونية.
أظهرت المحكمة في نهاية المطاف زيف ادعاءات الطبيب ورواية السائق، مؤكدة أن القضية برمتها كانت جزءاً من محاولة للتلاعب بمسار التحقيقات منذ البداية.
في هدا الصدد كشفت هذه القضية عن تداخل المصالح والشبهات في ملفات حساسة قد تستمر لعقود قبل أن تنكشف حقائقها. وبين العلم والخيال، حاول البعض تسويق معجزات لا أساس لها من الصحة لتحقيق أهداف شخصية. لكن العدالة، وإن تأخرت، تبقى السبيل الوحيد لإظهار الحقيقة ومحاسبة المتورطين. فالحقائق قد تُطمس لفترة، لكن “الله يمهل ولا يهمل”.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.