بقلم : نعيمة عتماني
يدعي اليهود بأن نصوصا توراتية تتحدث عن وعد قطعه الله لإبراهيم عليه السلام أن يعطيه ونسله أرض فلسطين، وأن اليهودية في جوهرها دين ميثاق وعهد بين الشعب والله، ومن بين تلك النصوص ما جاء في سفر التكوين: “أما أنا فهودا عهدي معك، وتكون أبا لجمهور من الأمم، فلا يدعي اسمك بعد أبرام بل يكون اسمك ابراهيم … وأقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدي في أجيالهم عهدا أبديا لأكون إلها لك..، وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك كل أرض كنعان ملكا أبديا”[1]، وفي نص أخر:” قطع الرب مع أبرام ميثاقا قائلا لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير الفرات”[2].
ربط اليهود عودتهم إلى الأرض المقدسة بالوعود الواردة في نصوصهم التوراتية، التي قال عنها المفكر والزعيم الصهيوني (أبا إيبان Abba Eban) :” كتبت في السبى- وعودا تقول بأن الله وعد ابراهيم عليه السلام بأن يعطيه أرض كنعان ووعودا- أخرى يفوح منها رائحة الكذب اليهودي بأن الله قال لليهود كل شبر تطأه بطون أقدامكم أعطيه لكم”[3].
الأرض عند اليهود تضفى عليها صفة القداسة، لأنهم شعب مقدس كما يدعون، وبالتالي تقوم وحدة مقدسة بين الأرض، والشعب، و الإله، لذا فإن ارتس إسرائيل (فلسطين) تسمى أرض الرب وهي الأرض التي يرعاها الإله، ثم هي الأرض المختارة، وصهيون التي يسكنها الرب والأرض المقدسة التي تفوق في قدسيتها أي أرض أخرى، كما جاء في التلمود:” الواحد القدوس تبارك اسمه قاس جميع البلدان بمقياسه ولم يستطع العثور على أية بلاد جديرة بأن تمنح لجماعة يسرائيل سوى أرض ارتس إسرائيل”[4]، من خلال هذه الحيلولة الإلهية تعمق ارتباط اليهود بالأرض ارتباطا وثيقا إلا درجة التقديس وهذا ما أكده المفكر اليهودي الحاخام(راشي Rachi) حين تحدث عن فكرة خلق الكون في التوراة بقوله:” إن الله يخبر اسرائيل والعالم أنه الخالق لذلك فهو صاحب ما يخلق، يوزعه كيفما شاء، فإذا قال الناس لليهود أنتم لصوص لأنكم غزوتم أرض إسرائيل وأخذتموها فإنه يمكن لليهود أن يجيبوا بقولهم: إن الأرض مثل الدنيا والأفضل من هذا وهو قد وهبها الله لنا”[5].
وللرد على هذا الادعاء لا نجد أفضل من قوله تعالى:” إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين”[6]
فهذه الذريعة الدينية التي صنعتها التوراة المحرفة في العقل اليهودي، تغلغلت في صدر كل يهودي من أجل تثبيت حقوق شرعية تبرر وجودهم في هذه الأرض، وتحقيق النبوءات التوراتية بالعودة إلى فلسطين. في هذا الصدد نجد (ألبير دوبوري Alber Duburi) وهو أستاذ في الكلية الدينية البروتستانتية حسب ما جاء عن روجي جارودي في كتابه الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية يقول: “إن الموضوعة التوراتية المتعلقة بهبة الأرض توجد أصلا في” الوعد الأبوي”، أي أنه في الوعد الإلهي المرسل إلى الأب الأكبر إبراهيم حسب المأثور عن التكوين، أن قصص سفر التكوين تروي لمرات عديدة بأشكال متنوعة بأن الله قد وعد الآباء وذريتهم بامتلاك الأرض التي كانوا بصدد التوطن فيها، ويبدو أن الوعد الذي تم التصريح به عدة مرات ينطبق قبل كل شيء على مناطق الضفة الغربية حاليا”[7].
وقد ذهب روجي جارودي إلى أن الوعد الأبوي باعتباره جزء من التراث اليهودي والذي كان يهدف إلى استقرار القبائل، أصبح يتخذ أبعادا أخرى قومية، سياسية، استيطانية وهي الغاية الحقيقية من أسطورة أرض الميعاد، التي اتخذت غطاء ديني لتبرير استيطانها باسم التوارة، وفي هذا يقول الحاخام ألمير(Almir) عضو الرابطة اليهودية بالولايات المتحدة الأمريكية:” أنه من غير المقبول لأي كان الادعاء بأن الإنشاء الحالي لدولة اسرائيل يعد تحقيقا لنبوءة توراتية”[8]، فالسياسة الحالية لإسرائيل أسقطت الظلام على الدلالة الروحية و الدينية لإسرائيل .
فنظرية الوعد بأرض الميعاد أو هذه الأكذوبة التاريخية الدينية، التي استندت لعدة مزاعم توراتية اتخذها الشعب اليهودي مبدئا لهم، احتجوا من خلالها بمطالبة العودة إلى أرض فلسطين مدعين لأنفسهم حقا عليها، فالإيديولوجية الصهيونية تستند لهذه الفرضية الواهية “أرض الميعاد” التي يبدو وأنها تعطي للإسرائيليين حقا إلهيا في السيطرة على فلسطين وتثبيت ملكيتها، وللرد على هذه الفرضية يمكن القول: بأنه اذا كان هناك عهد فقد أعطي لإبراهيم ولنسله، وليس بنو اسرائيل وحدهم من نسل ابراهيم عليه السلام، فالعرب المستعربة هم أيضا من نسله (أبناء اسماعيل) ومنهم محمد ﷺ. فمن الأحق إذن بفلسطين؟
إن الأرض المقدسة لا يمكن أن تكون أبدا من حق أناس ضرب الله عليهم الذل والمهانة وأنزل عليهم العذاب، ولا لشعب يعيش عيشة التيه والضياع، كما يقول في ذلك (اللورد بيرونLord Pero )الذي خلد تشريد بني اسرائيل في أغانيه العبرية:” إن للحمامة البيضاء عشا صغيرا، وللثعلب وكرا، ولكل إنسان وطنه، ولا وطن لليهود”[9]، فهل يعقل إذن أن تكون لهم حقوق في الأرض المقدسة؟
إن أحقية هذه الأرض (فلسطين) يرثها المسلمون، يرثونها من أجدادهم الأنبياء وهم الأحق بها وبحمايتها، فمن أين يأتي إذن الحق لليهود في امتلاك هذه الأرض التي يزعمون أن الرب قد وعدهم إياها، لكن هذا لا يمنع حق اليهود في العيش مع المسلمين في أرض فلسطين، بل يحق لهم العيش معا في حدود السيادة الاسلامية التي تحترم الديانة اليهودية الحقة الغير العدوانية.
يقول الشيخ سفر الحوالي: ” إننا نحن المسلمين نؤمن بوعد من الله، وهم اليهود يؤمنون بوعد مفترى مكذوب على الله، والوعدان لا يجتمعان أبدا، فنحن المسلمين نعلم، أن الوعد الذي يزعمه اليهود منسوخ وباطل، وأنه إذا كان ابراهيم عليه السلام قد أعطى وعدا كما جاء في كتاب العهد القديم وعدة أسفار، فإن هذا الوعد وعد الله به تبارك وتعالى هذه الأمة من ذرية اسماعيل ولنسله يعطي هذه الأرض”[10]، أما اليهود فوعدهم الله تعالى في القران الكريم، بقوله تعالى:” وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ ۖ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ “[11]، هذا وعد الله ولن يخلف الله وعده.
الهوامش
سفر التكوين :4-8 نقلا عن أحمد عبد الغفور عطار، اليهودية والصهيونية، ط2، دار الأندلس، ص: 144
سفر التكوين:15-18، نقلا عن الموسوعة الفلسطينية، مج 1، ط1، 1984م، ص:592
نعمان عبد الرازق السمرائي، اليهود والتحالف مع الأقوياء، كتاب الأمة العدد 32،ط1،ص:136-137
عبد الوهاب المسيري ،اليهود واليهودية والصهيونية، مج5، ص:78
نعمان عبد الرازق السمرائي، اليهود والتحالف مع الأقوياء، م س، ص:51-52
سورة الأعراف ، الآية :128
روجي جارودي، الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية، منشورات الزمن، الكتاب الأول، 1996م، ص:26
المرجع نفسه ، ص:30
أحمد شلبي ، مقارنة الأديان: اليهودية، ط8، 1988م،القاهرة، ص:97
ماهر أحمد أغا، اليهود فتنة التاريخ، دار الفكر المعاصر، بيروت، ط1،2002م، ص:273
سورة الأعراف، الآية :167
* تخصص: حوار الأديان / تكوين الدكتوراه: الدراسات الأدبية واللسانية والثقافية.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.