افتتحت دار الشعر بتطوان موسمها الثقافي نهاية الأسبوع الماضي، بتنظيم لقاء مفتوح حول برنامج عمل الدار برسم الموسم الجديد، شهد مشاركة متدخلين من جمهور دار الشعر، حيث قدم الحضور مقترحات بخصوص البرمجة الثقافية، وعبروا عن تطلعاتهم وانشغالاتهم وانتظاراتهم برسم الموسم الجديد. وأجمعت المداخلات على ضرورة انفتاح دار الشعر على الفضاءات والساحات العمومية، ونقل الشعر إلى الشارع، مع مواصلة الانفتاح على الفنون الأخرى من تشكيل ومسرح وسينما. كما دعت المداخلات إلى ضرورة الانفتاح على الجامعة المغربية، إلى جانب المؤسسات التعليمية، ما يعني نقل أسئلة الشعر والثقافة الشعرية إلى الأجيال المقبلة. بينما ذهب متدخلون آخرون إلى مواصلة تقديم العروض الشعرية في المواقع الأثرية، وفي المراكز الخاصة بالأشخاص ذوي الإعلاقة، وكذا المؤسسات السجنية، وغيرها…
وبعد انتقال دار الشعر في تطوان إلى نحو عشرين مدينة مغربية، منذ تأسيسها في ربيع 2016، نوه المشاركون في هذا النقاش المفتوح بضرورة الانفتاح على مدن وقرى ومراكز ثقافية جديدة، من أجل تعميم الشعر على الجميع، والتحسيس بأهميته ومركزيته في ثقافتنا المغربية والعربية. من هنا، نبهت مداخلات أخريات إلى أهمية العودة إلى الشعر الجاهلي أولا، مرورا بباقي اللحظات الشعرية العربية الكبرى، مشرقا ومغربا وأندلسا، من أجل استئناف مشروع تجديد القصيدة العربية وتأصيلها وتحديثها في الآن نفسه.
من خلال هذا اللقاء، الذي احتضنته مدرسة الصنائع والفنون الوطنية يوم السبت الماضي، راهنت دار الشعر على دمقرطة عملها الثقافي، من خلال إشراك المتتبعين والقراء و”الشِعّْرِيين”، المتابعين للمشهد الشعري، في صياغة برنامج عمل الدار، والمساهمة في فعالياتها، وفق مقاربة تشاركية لا يقف فيها عشاق الشعر موقف المتفرج والمنصت فقط.
بعد ذلك، أقامت دار الشعر أمسية افتتاحية شارك فيها الشاعر حميد الشمسدي، قادما من مدينة طانطان إلى قصيدة تطوان، وهو يردد: بحفلةِ شعرٍ وعنوانُها/ حمامةُ سِلْمٍ وألحانُها. لتطوان أسري شغوفا عسى/ تلقنني الحب غزلانها. بإحسانها جللت حضرتي/ وبالحب يكبر إحسانها. أتطوان يفديك صب أتى/ لتجلى عن النفس أحزانها. فيا أخت أندلس والصحارى/ تحن لحضنك أحضانه . وطوبى لكل القلوب التي/ بتطوان كلا علا شانها. وعانق صحراء قلبي شمال/ ليخطب تطوان طنطانها.
ومن قصيدة أخرى، أنشد الشاعر: نامت غيوم استعاراتي على شفتي/ من نكهة الغيم كانت قهوة اللغةِ. أمضي لها والهوى أرخى أعنته/ أمضي لها سلسا من غير ما عنتِ… يا أنت إن القوافي جيش مبحرة/ أرداك ما بين أوراق مبعثرةِ.
وألقت الشاعرة مريم بنموسى قصائد من الهايكو، بما أوتي من كثافة ورهافة، ومنها:
“ليلة باردة/ أوراق تداس/ بداية الخريف”، ومنها أيضا “على شفتي نهر/ يد أطعمتها حبا/ صفعتني” “يزيد وينقص/ يمضي ولا يعود/ عمري”. ويتعلق المر بشاعرة معاصرة، مطلعة على تجارب الشعر العالمي، ومتابعة لنبضه المعاصر، حيث تكتب قصيدة جديدة بروح شعرية محلقة.
أما الشاعر إدريس علوش فلا يزال يواصل المشي فوق أراضي الشعر المغربي، منذ ثمانينيات القرن الماضي، عبر العشرات من الدواوين، ولسان حاله يقول: “أحبو على هذه الأرض/ لأني لم أجد أثرا لخطاي/ المشي دليلي إليك أيها المدى/ لا تتركني لظلي/ في مقصورة قطار هارب/ من مدن تخفي منقارها/ في ترعة الهامش/ وآلات الصناعة”.
وفي قصيدة أخرى، يشهد الشاعر أن “الشهداء سيعودون أكثر من مرة/ ليعيدوا تصوير مشهد موتهم/ فقد أمطرناهم بوابل الصمت/ واختفينا وراء كراسي مترفة/ نستمتع بهول المشاهدة”.
أمسية شعرية أكدت غنى وتعدد الأصوات الشعرية في المغرب، وهي تعدنا بموسم شعري جديد سوف ينصت فيه المتابعون لدار الشعر بتطوان إلى أصوات شعرية جديدة سوف تأتي إلى دار الشعر محملة بالجديد.