بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين ،اكادير يونيو 2024.
يوسف شعبان في إحدى حلقات المسلسل العالمي رأفت الهجان طرح وجهة نظر في نقاش في المسلسل حول أسباب تدهور الاقتصاد المصري حين قال إن الأزمة ليس سببها التعليم ولكن حين ادخلنا الكهرباء الى الارياف ادخلنا التلفزة ،واصبح المواطن المصري يسهر ليلا ولا يستيقض للحقل باكرا ليفلح أرضه . فاستفسره محاوره هل معنى ذلك ان الخطأ هو ادخال الكهرباء الى الارياف ؟ ليجيبه بحزم يوسف شعبان أن الخطأ ليس في ادخال الكهرباء ولكن في ادخال التلفاز مع الكهرباء بدل المكننة التي تعمل بالكهرباء وتطور فلاحة المواطن المصري .
استحضر هذا المشهد و انا اتأمل حجم الاستعمال المفرط في المغرب لفضاءات التواصل الإجتماعي وفي الغالب بشكل سلبي عبر نشر روتيني اليومي و الإشاعات و الاكاذيب و الذباب الإلكتروني و المس بالحياة الشخصية للمواطنين.
وفي المقابل لازالت إدارتنا لشؤون المواطنين في المؤسسات الحكومية لم تتم رقمنتها بما فيها المدن الكبرى التي تعرف جماعاتها تعثرا في تنزيل الرقمنة لتسهيل وتطوير الإدارة .
إن تغطية مختلف مناطق المغرب بشبكة الإنترنت يعد شيئا أشبه بإدخال الكهرباء الى الارياف المصرية ، لكن المواطن المغربي مثله مثل المواطن المصري لأننا لم نوظف هذه الشبكة وما توفره من اتصال بالعالم في تطوير عالمنا القروي ومدننا حتى تساير ركب التكنولوجيا العالمية بل تحولنا الى مجرد مدمنين لشبكات التواصل الاجتماعي بلا وازع .
كيف يمكن للشباب المغربي ان يتلقى دروسه في الحجرات الدراسية بشكل تقليدي و ببرامج بالية لا تواكب العصر. وفي نفس الوقت يتلقى معارف متضاربة عبر هاتفه الخلوي ، بل إنه يقضي أمام شاشة هاتفه اكثر مما يقضي أمام سبورة القسم ولا حتى داخل المؤسسات التعليمية عموما .
ويمكن لأي متابع ان يلاحظ حجم إتقان المغاربة لكل التقنيات المرتبطة بالرقمنة و الاعلاميات ووسائل الاتصال رغم انه لا يتلقاها في المدرسة ، تماما مثل الميكانيكيين و النجارة و الخبازيين وغيرها من الحرف التي يجيدها المغاربة دون أن يكونوا قد تعلموها بالمدارس ولا بمعاهد التكوين المهني .
وهذا معناه ان مقرراتنا المدرسية لم تعد تستجيب لحاجيات جيل اليوم ولم تعد تستهويهم ، لانها لا ترتبط بسوق الشغل ولا تساعد على التفاعل و التعامل مع المستجدات التي يعرفها التلميذ في محيطه الأسري وفي الشارع.
ويبقى السؤال ،لماذا نترك مقررات مدرستنا جامدة ،و نلجأ الى خلق معاهد متخصصة في المهن و الكفاءات والحال ان الاصل أن تكون مقررات مدارسنا تعلم هذه المهن و تترك للطلبة التخصص في بعضها عبر ولوج المعاهد المتخصصة .
لقد وضعنا مخططات لكل مجالات حياة المواطنين ،فطورنا الامن و انفتحنا في الصحة و تحسنت تشريعاتنا لتدبير القضاء، لكننا في التعليم لازلنا نصر ان نلقن اولادنا مالا ينفعهم وما لا يساعدهم على أن يكونوا بناة الوطن .
حان الاوان ان نضع مخططا وطنيا للتغيير التدريجي و الشامل لمقرراتنا المدرسية و الجامعية ،و نتوجه بتعليمنا ليكون رافدا اساسيا لتنمية العنصر البشري و بناء مغرب الكفاءات و الانفتاح على العلوم الحديثة .
واول أعمدة هذا المخطط هو تصحيح رؤيتنا واحكام المجتمع على التكوين المهني ،و الذي يراه المواطن مجرد معاهد لاستقبال الراسبين في المدرسة العمومية أو المتعثرين في الدراسة .والحال ان لغة المستقبل هي المهن ،و التي تحتاج الى صناع محترفين ومهنيين قادرين على ولوج عالم الصناعات الجديدة مثل السيارات و الطائرات و تحلية المياه والري العصري و البناء و الطاقة الشمسية و علوم البحار …
إن شبابنا اليوم يلج الى مراكز التكوين المهني قصد الحصول على فرصة لمغادرة البلاد وسد الخصاص في دول الاتحاد الاوروبي ، تاركين بلادهم تسيير في السنوات القادمة الى نفس مصير اوروبا اليوم وهو الخصاص المهول في الكفاءات في المهن و الصنعة .
لا محيد لبلادنا عن تطوير منظومتها التعليمية و تقوية القطاع الخاص حتى يكون شبابنا الانوار التي تنير مستقبلنا بدل ان تتحول الى الحطب الذي توقد به النار لتنير اوروبا والعالم .
لنوقف النزيف و نفتح ادرع الوطن ليحتضن الكفاءات بدل ان نفتح مطاراتنا لهجرة الأدمغة .
فهل تعتبرون ؟
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.