تقرير
يولد في المغرب خلال كل عام حوالي 600 رضيع مصاب بالتثلث الصبغي 21، وفقا للتقديرات التي تشير إلى أنه يجري تسجيل حالة إصابة واحدة بالمرض في كل ألف حالة ولادة، هذا في الوقت الذي تؤكد الأرقام الرسمية لوزارة الصحة على أنه تتم خلال كل عام 600 ألف عملية ولادة. وتؤكد تقديرات الجمعيات العاملة في المجال إلى أن هناك أكثر من 60 ألف مغربي من الجنسين ومن مختلف الأعمار يعانون من متلازمة داون، الذين يتعايشون في صمت مع مرض التثلث الصبغي 21 ويئنون تحت ضغطه ووقعه.
ويؤكد عدد من أقاربهم ممن يتحمّلون أعباء وكلفة التكفل بهم المادية والمعنوية أنهم خارج تصنيفات مجموعة من القطاعات المعنية، ويعاني مرضى التثلث الصبغي 21 ومعهم مرضى التوحد من إشكال واحد يجمعهما معا، وهو المتعلّق بالإدماج في التعليم العمومي وفي سوق الشغل، حتى لا يظلوا عالة على ذويهم وعلى المجتمع. ويبقى العمل الذي تقوم به مجموعة من الجمعيات المهتمة والعاملة في هذا المجال، هي التي تحرص على إثارة موضوع هذه الفئة والسعي من أجل لفت الإنتباه إليها من أجل مزيد من العناية بهدف الإدماج في المجتمع، ومنها جمعية صفاء للأطفال المعاقين ذهنيا التي ترعاها عائلة هوار بوجدة.
لما كان الإطار المرجعي لتمدرس الأطفال في وضعية إعاقة داخل المنظومة التربوية المغربية مشروعا مجتمعيا يدخل ضمن مخططات التنمية البشرية، ويشكل رافعة من رافعات إرساء مبادئ حقوق الإنسان لاسيما الأطفال في وضعية إعاقة ذهنية، يحاول مركز صفاء النفسي التربوي للأطفال المعاقين ذهنيا بوجدة جاهدا كل عام تجويد خدماته مع إضافات نوعية. وأسس المركز في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية عام 2005، وتسهر على تسيير شؤونه لجنة تدبير تترأسها ذ.فاطمة الزهراء هوار رئيسة جمعية صفاء. وتعتبر من الجمعيات الأوائل التي اشتغلت في مجال الإعاقة على المستوى الوطني، حيث يستقبل مركزها “صفاء النفسي التربوي للأطفال المعاقين ذهنيا” كل عام أفواجا جديدة للأطفال الحاملين للإعاقة الذهنية، إذ يسهر على تقديم تتبع اجتماعي وتربوي لهم والإسهام في تأهيلهم من أجل إدماجهم في الحياة الاجتماعية والتربوية، إضافة إلى الإعتماد على النفس.
يقدم مركز صفاء محاولة منه لتجويده أداءه في مجال التمدرس، مجموعة الخدمات لمستفيديه أبرزها، التربية الخاصة، تحت إشراف المربيات فريدة حدو ونادية بزة وكلثوم محمدي وشيماء بوزيدي ولطيفة شويطر وفاطمة الزهراء ميموني وحفيظة اسماعلي وبشرى بزة والمربي يوسف مهراج، حيث يستفيد الأطفال من حصص متنوعة طيلة أيام الأسبوع والتكوين المهني في مجال الحلويات الذي تشرف عليه مربية ذات خبرة في المجال، وفي مجال البستنة تتولى مربية متخصصة تكوين مجموعة من الأطفال وتعليمهم أساسيات الفلاحة، وفي مجال الشموع تواصل المربية نتاليا ريزينتسفا المتخصصة في صناعة الشموع تكوين الأطفال، هذه الورشة التي أنجزت في إطار شراكة بين جمعية صفاء ومؤسسة المعاق الدولية، وسعيا منه لإدماجهم في مجال الشغل، أسست جمعية صفاء لرعاية الأطفال المعاقين ذهنيا تعاونية “شموع صفاء” التي جعلت من أهدافها السعي نحو إدماج المنخرطين في سوق الشغل، وتكوين وتأهيل المتعاونين من أجل تصنيع إنتاج شموع ذات جودة عالية، وتسويق المنتوجات المصنعة محليا ووطنيا وذلك بالتنسيق مع الجهات المعنية، وتنمية القدرات المحلية للمستفيدين من خدمات التعاونية وتأطير التعاونيات، والمشاركة في المعارض الجهوية والوطنية، والتعاون والتنسيق والتواصل مع تعاونيات وجمعيات ذات أهداف نفسها، وتحفيز المتعاونين على الابتكار، وتأهيل المتعاونين وإدماجهم في الحياة الاجتماعية.
وشارك منخرطو تعاونية “شموع صفاء” في النسخة الرابعة للمعرض الجهوي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني المنظم بوجدة تحت شعار “النموذج التنموي الجديد قاطرة لبناء الإنسان والعمران” من ماي/يونيو 2022. وفي النسخة الخامسة التي أقيمت بالمدينة نفسها تحت شعار “مسيرات 20 عام من إنجازات المبادرة الملكية: الاقتصاد الاجتماعي والتضامني كرافعة للتنمية المستدامة والعادلة” بين الفترة الممتدة من ماي/يونيو 2023.
و يستفيد أطفال المركز بخصوص التكوين المهني في مجال الإعلاميات من حصص تؤهلهم لمعرفة أساسيات الحاسوب وكيفية التعامل معه تحت إشراف المربية ليلى إلى جانب خدمات التربية الخاصة التي يقدمها المركز لفائدة أطفاله. وسعيا منه لتطوير خدماته وتجويدها، يقدم أيضا مجموعة من الخدمات شبه الطبية مثل الدعم النفسي حيث تسهر الأخصائية حلمية قميشو في هذا المجال على تقديم حصص الدعم والمواكبة النفسية لفائدة الأطفال، كما تقدم أيضا الأخصائية جيهان ناصري في العلاج النفسي الحركي حصصا أسبوعية للأطفال، إضافة على استفادتهم من حصص تصحيح النطق التي تشرف عليها أخصائية المركز ادحمو حورية، وبخصوص خدمة الترويض الطبي التي تشرف عليها الأخصائية الدادسي بوشرى يستفيد الأطفال أيضا من حصص مقدمة في هذا المجال.
كل هذه الجهود الحثيثة مع شركاء آخرون على رأسهم وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، ومؤسسة التعاون الوطني بوجدة، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، إضافة إلى مؤسسات أخرى داخل المغرب وخارجه.
ويسهر مركز صفاء بمجال تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة، على تقديم أنشطة موازية طيلة أيام الأسبوع مثل الأعمال اليدوية، وبعض المبادئ الأولية في القراءة والكتابة، الحساب والتخطيط، الرسم والتلوين، وخدمات أخرى منها الأنشطة الرياضية والثقافية، إضافة إلى جلسات تواصل واستقبال واستماع لفائدة أولياء مستفيدي مركز صفاء تحت إشراف الأطر التربوية ذوي الكفاءة في مجال الإعاقة.
ويحرص مركز صفاء بين الفينة والأخرى على تنظيم خرجات ترفيهية لمستفيديه تنويعا منه لأساليب التمدرس المعتمدة داخل المركز. ويستفيد أطفال المركز أيضا من تكوينات متنوعة خارج المركز وبتنسيق مؤسسات أخرى، منها ورشات التكوين في مجال الحلاقة والتجميل للإناث، التكوين في مجال الخط الخط العربي، ورشة الحساب الذهني.
ويحرص المركز كل عام من أجل رعاية صحية لفائدة الأطفال، على تنظيم قوافل طبية متعددة التخصصات في الطب العام، طب العيون، القلب، الجهاز الهضمي، الجهاز العصبي…وقافلة طبية للكشف المبكر عن سرطان الثدي بتنسيق مع منظمة الليونز لجهة الشرق لفائدة أمهات أطفال المركز، إضافة إلى حملات تحسيسية في المجال الصحي بشراكة مع المندوبية الجهوية للصحة بوجدة، خاصة الفترة التي عرفت فيه بلادنا انتشار وباء كوورنا.
ودأب مركز صفاء النفسي التربوي في مجال المناسبات الدينية والوطنية على تنظيم كل عام، حفل المولد النبوي، عيدي المسيرة الخضراء والإستقلال، اليوم العالمي للأطفال في وضعية إعاقة الذي يصادف 31 مارس من كل عام، واليوم الوطني للسلامة الطرقية، اليوم العالمي للشجرة، اليوم العالمي لرجال المطافئ وغيرها من الأنشطة…
وشارك في مجال الرياضة فريق جمعية صفاء في عدة تظاهرات رياضية، سواء تلك التي ينظمها الأولمبياد الخاص المغربي كل عام أو مع بعض الجمعيات والمدارس التعليمية. وكان آخرها الحدث الرياضي التي شهدته مدينة السعيدية يوم 14 أبريل 2024، والمنظم من طرف la fondation unions breed holland، حيث أظهر فيه الفريق أداء وروحا رياضيا عاليا.
ويستقبل المركز أيضا كل عام مجموعة من طلبة التكوين المهني والمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير المقبلين على إنجاز بحوث تخرجهم للتعرف على خدمات المركز وأنشطته.
وينظم مركز صفاء في مجال تكوين الأطر التربوية دورات تكوينية لفائدة أطره حول كيفية صياغة المشاريع الفردية وإنجازي التقارير التربوية لفائدة المستفيدين المسجلين، كما شاركت مربيتان عن مركز صفاء في تكوين “رفيق” الذي نظمته المنسقية الجهوية للتعاون الوطني بوجدة العام الفارط 2023.
وينظم مركز صفاء في إطار تنزيل مقتضيات دفتر التحملات المتعلق بمشروع دعم تحسين ظروف الأطفال في وضعية إعاقة، كل عام ثلاث لقاءات تواصلية سنوية، من أجل تحقيق التواصل الفعال بين المنسقية الجهوية للتعاون وجمعية صفاء، وأولياء أطفال مركز صفاء في إطار صندوق دعم التماسك الاجتماعي لتحسين ظروف تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة. وشارك المركز سعيا منه للإشراك وإغناء النقاش الدائر حول الإعاقة خصوصا لدى الأطفال، في النسختين المنظمتين بوجدة من فعاليات المؤتمر الجهوي للإعاقة.
ويحرص المركز كل عام على تنظم الأيام المفتوحة لجمعية صفاء، بمناسبة اليوم العالمي للتثلث الصبغي 21، الذي يصادف 21 مارس من كل عام، وتتوج هذه النسخة بحفل فني متنوع الفقرات بمسرح محمد السادس.
ولأن عدد الأطفال المقلبين على التسجيل بخدمات مركز صفاء في تزايد مستمر، وإيمانا منها بضرورة احتضان هذه الفئة وإيواءها، وحسب ما صرحت لنا به ذ.فاطمة الزهراء هوار، فإن المركز حاليا يحاول إضافة موارد بشرية جديدة، وقاعات دراسية تستوعب الوافدين الجدد وتلبي حاجاتهم وهي رؤية استراتيجية للجمعية منذ توليها مهام تسيير المركز.
وتميزت الأعوام الماضية حسب ما أدلى به ذ.لحسن عيا مدير مركز صفاء، بجهود جبارة وحثيثة بذلها المركز وطاقمه التربوي والإداري وجميع الشركاء المتدخلون، إلا أن هناك بعض العقبات التي يتم العمل من أجل تجاوزها من أجل إيجاد حلول لها؛ كمشكل النقل المدرسي، إذ لم تعد حافلتين كافيتين لنقل جميع الأطفال، وكذا تأخر صرف منحة التعاون الوطني عند بداية كل بداية موسم دراسي، الأمر الذي يؤثر سلبا أحيانا نفسية العاملين بالمركز. كما وجب إعادة النظر في الدعم المقدم للمركز من قبل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، إذ لم يعد كافيا لتغطية أدنى خدمات المركز الذي أصبح يستقبل أعدادا كبيرة.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.