كلما حل شهر أبريل من كل سنة، وهو موعد يتيم يتم خلاله تداول قضية الصحراء الغربية داخل مجلس الأمن الدولي بغية إنتاج قرار عادة ما يكون جديدا قديما ،جوهره بقاء الوضع على ماهو عليه وصيغته تمديد لبعثة المينورسو لسنة إضافية وذلك عبر التأكيد على لازمة متكررة مفادها :”ضرورة توصل الطرفين إلى حل عادل ودائم متفق بشأنه يضمن حق شعب الصحراء الغربية في تقرير المصير وذلك عبر مفاوضات جادة بين الطرفين مبنية على الجدية و حسن النية و بدون شروط مسبقة، هذا بالإضافة إلى دعوة الجارتين الجزائر وموريتانيا إلى دعم هذه الجهود…”
يستشف من صياغة قرارات مجلس الأمن بخصوص الصحراء خضوعها للتوازنات الدولية، كما لو أنها لا زالت تصاغ في مرحلة الثنائية القطبية الناعمة فنجد أن هذه القرارات ومن قبلها تقارير الأمين العام مليئة بالمعاني والمصطلحات المتعددة الدلالات والأبعاد، مما يجعلها سهلا ممتنعا يجد كل طرف فيه ضالته بغية توجيه الرأي العام و إقناعه بأنه هو المنتصر من القرار وأن سياساته تتجه في المنحى الصحيح والسليم، وأنه ليس بحاجة إلا لدعم شعبي ومؤازرة جميع أطياف المجتمع لسياساته اتجاه هذه القضية.
لطالما مرت التحركات الديبلوماسية خلال هذه الفترة من كل سنة في صمت وهدوء ومرد ذلك كون جوهر القرار هو تحصيل حاصل لوجود اللازمة المتكررة التي أشرنا لها آنفا، مما جعل الدور الديبلوماسي مقتصرا على تحصين ثبات المواقف.
فما الذي تغير على مستوى ثبات المواقف الدولية حتى أصبحنا نرى هذه التحركات بشكل علني مع اقتراب موعد القرار منذ حوالي الثلاث السنوات الفارطة ؟ وهل فعلا دخلت قضية الصحراء دوامة التوازنات الدولية في أبعادها الإقليمية؟ لكن هل نحن فعلا أمام إعادة انتاج لتحالافات استراتيجية في المنطقة تعد قضية الصحراء إحدى تجلياتها؟ أم أننا أمام تكتيكات غايتها تدبير المرحلة و توجيه بوصلة الفاعلين لجني أكبر قدر من المكاسب لعل أهمها إبقاء الوضع على ماهو عليه؟
يمكننا الإجابة عن هذه التسؤلات من خلال بعدين:
توسيع صلاحيات بعثة المينورسو والدور الأمريكي في تحريك الملف
أثر الخلاف العربي في تدبير أزمة الثورات على نزاع الصحراء
توسيع صلاحيات بعثة المينورسو والدور الأمريكي في تحريك الملف
يلاحظ المتتبعون خلال الثلاث سنوات الماضية الدور الأمريكي الكبير في محاولاتها تحريك الملف خاصة على مستوى الدعوات لتوسيع صلاحيات بعثة المينورسو، مما أدى إلى حدوث توتر في العلاقة بين الولايات المتحدة و المغرب إلى حد إلغاء هذا الأخير لمناورات الأسد الافريقي في المغرب والنزول بثقله عبر اللوبيات الداعمة له من داخل الولايات المتحدة نفسها ،ولن ننسى في هذا الصدد الدور الفرنسي الداعم بقوة للمغرب من داخل مجلس الأمن ولجوء المغرب لروسيا الاتحادية لكسب موقف حيادي على الأقل اتجاه هذه المسودة مما أسفر عن سحب الولايات المتحدة الأمريكية لمسودة القرار.لكن التساؤل هنا مفاده لماذا تحركت الولايات المتحدة بهذا الشكل؟ و لماذا ثبات الدعم الفرنسي للمغرب رغم مرور العلاقة بينها بمرحلة فتور نسبي خلال هذه الأزمة؟
تنطلق الولايات المتحدة من مسلمة لا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة ولكنها المصالح، ولعل ما يفسر تغير لعبة المصالح بالنسبة للولايات المتحدة ويجعل دورها في النزاع يتخذ بعدا استراتيجيا هو اجهاض المغرب وفرنسا للدور الذي حاولت أن تلعبه الولايات المتحدة في منطقة غرب إفريقيا التي تعتبرها فرنسا محمية وامتدادا طبيعيا لنفوذها و ذلك عبر الدفع بكل من بيكر ورورس الأمريكين الأكثر جدل في تاريخ المبعوثيين الأممين إلى الصحراء وتقديمهما لمقترحات واجهها المغرب بإجراءات غير مسبوقة، إبتدأت بإستقالة بيكر ولعل أخرها طرده لجزء من بعثة المينورسو قبيل التداول بشأن النزاع داخل أروقة الأمم المتحدة والذي سبق وربطناه في مقال سابق معنون ب”حقيقة الأزمة المغربية الأممية ومآلاتها “في محاولة من المغرب لكبح محاولات روس ومن ورائه الولايات المتحدة الأمريكية لتقديم آليات للحل خارج ما يعتبره المغرب مصالحه العليا وهو نفس الشيء الذي يظهر بشكل جلي من خلال خطاب الملك محمد السادس في القمة الخليجية المغربية والذي لا يخلو من إشارات في هذا الاتجاه، وفي غياب تنسيق مباشر بين الجزائر والولايات المتحدة على الأقل على المستوى العلني يجعلنا نفترض أن الدور الأمريكي هو نابع من تقدير استراتيجي لمصالح الولايات المتحدة بعيدا عن توازنات الشراكة والتحالفات الدولية التي تجمع بينها وفرنسا والمغرب .
قد نفهم البعد الاسترايتجي للولايات المتحدة في هذا الصدد بالنظر للعلاقات والمصالح المتشابكة التي تمكنها من خلق التوازن والتنازل عن هذه مقابل تلك.
لكن ما يثير الغموض هو كيفية التوفيق بين المصالح عندما تربط قضية الصراع في سياق إقليمي ودولي مرتبط بالصراعات في الشرق الأوسط، هنا سيظهر بشكلي جلي الخلط بين الاستراتيجيات لدى القوى العظمى ودول الخليج من جهة، والتكتيكات لدى المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر من جهة أخرى، خاصة وأننا أمام مشروع شرق أوسط جديد يتم نسجه وتدار توازناته عبر حلبات أخرى أختيرت الصحراء لتكون إحداها .
أثر الخلاف العربي في تدبير أزمة الثورات على نزاع الصحراء
يظهر اشكال طبيعة التحالفات التي ينسجها المغرب خاصة بخصوص تقوية موقفه بخصوص قضية الصحراء وبشكل أكثر تعقيدا من خلال انخراطه في التحالف الخليجي، مقابل دعم هذه الأخيرة لمواقفه بخصوص الصحراء وهنا سيظهر لنا تناقض أخر، فهو من جهة يبتعد عن الحليف الأمريكي مقابل تقارب مع كل من روسيا الاتحادية والصين وهو ما عبر عنه الملك محمد السادس صراحة وأمام قادة الخليج ،و في نفس الوقت يتجه نعو الدعم اللامشروط للعربية السعودية في قيادتها للتحالف العسكري المكرس لتوجهاتها في قيادة المنطقة ضدا على المصالح الايرانية الروسية وبالتالي الاصطفاف في سياسة المحاور والتخندق في الحلف السعودي الخليجي ضدا على المحور السوري الجزائري الإيراني.
فإن كان لهذا التوجه ما يبرره في إطار تكتيات كل من المغرب والجزائر في اطار مصالحهما الإقتصادية، لكن البعد الاستراتيجي لسياسة المحاور في انعكاسه على مواقف الدول العظمى بخصوص قضية الصحراء يطرح العديد من الاشكاليات فتسوية الأزمة السورية يبدو أنها تنحى في اتجاه تقارب روسي أمريكي قد لايخدم كثيرا الأهداف السعودية كحليف للمغرب، فهل ستدعم دول الخليج الموقف المغربي في ظل قوة الموقع الجزائري في استراتيجية المحور الروسي الايراني الجزاىري من جهة ، وعدم وضوح الموقف الأمريكي من التحالف الخليجي في ظل تقارب المواقف مع روسيا خاصة بخصوص الأزمة السورية؟
يبدو أن قضية الصحراء ستسير في إتجاه مرحلة أكثر تعقيدا فلم تعد تكفيها تناقضات أطراف النزاع حولها وتباعد وجاهات النظر بخصوص الحل فيما بينهم، حتى أغرقوها في بحر من المتناقضات لدى فاعليين جدد يقدرون معايير الربح والخسارة وفق استراتجياتهم الحديثة النشأة (دول الخليج )والمرتبطة بصراع مصالح استراتيجية لقوى عظمى تعيش تخمة في انتاج وتخطيط الاسترتيجيات.
إن بيت القصيد هنا هو أن ادخال نزاع الصراع إلى حلبات أخرى تداخلت فيها المصالح بشكل جعل القوى العظمى تعيد النظر في بناء استراتيجياتها سيجعل تكتيكات أطراف النزاع المباشرة أقل قدرة على حساب معدل الربح والخسارة من أي صراع سياسي داخل اروقة مجلس الأمن الدولي بخصوص الصراع، وهو ما سينعكس على أساليب وطرق إشتغال الديبلوماسية بشكل يظهر ارتباكا وعدم وضوح في الرؤيا بخصوص مآلات وتداعيات تطورات النزاع
وكما يقول المثل الحساني كناية على محاولات الجمل الفاشلة القيام والتخلص من الوثاق “ماكام بأعكالو إكوم بأثناه”
بقلم : الباحث بداد محمد سالم
[email protected]
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.