بروكسيل خاص
عن الأكاديمية الأوروبية للتنمية والبحث
اهتزت العاصمة الأوروبية على بركان فضيحة سياسية ديبلوماسية أسمتها الصحافة البلجيكية ” قطر گيت ” نظرا لثقلها على سلم الجريمة السياسية ويتعلق الأمر هنا بجريمة الرشوة والفساد أبطالها سياسيون أوروبيون ودبلوماسيون من دول عربية وأوروبية حيث يجري البحث القضائي فيها بشكل دقيق بعدما تم ضبط حقائب مالية ضخمة تفيد قبض الرشاوي وتمت مداهمة بيوت أسماء ونواب سياسيون يمثلون دولا من أوروبا وقد يجر البحث جهات أخرى متورطة قد تخلق المفاجأة ، وقد تناولت الصحافة الأوروبية هذا الحدث واعتبرته زلزال جرمي سوف يؤثر سلبا على مصداقية المؤسسات الأوروبية التي يديرها رجالات وازنة تم انتخابهم لغايات سياسية واقتصادية وإنسانية مما يفرض الحكامة الجيدة والسلوك الأخلاقي والشفافية وهي كلها مبادئ يجب اتباعها دائمًا بشكل جماعي ومتناسق الخطوات. لأن التقدم الإجتماعي غير ممكن، بدون تطوير الرؤية التي تتشابك فيها هذه المبادئ والأخلاقيات.
في نفس الوقت وصف الخبراء في علم السياسة هذه الممارسات بالغباء، لأن الحصول على التأثير على القرار السياسي الأوربي يجب استهداف المئات من النواب وليس الأفراد فحسب، و لو تم، فلا يمكن تمريره بدون مراقبة أو محاسبة، كما هو حاصل الآن.
فضائح الرشوة أو ما أسمته الصحافة الأوربية ب – قضية قطرغيت – التي تناولتها وسائل الإعلام المختلفة عن قضايا الفساد أتت على الكثيرين ، حيث فقد العديد من السياسيين في الإتحاد الأوروبي وموظفيهم في البرلمان الأوروبي مصداقيتهم وتم إلى حد الساعة إعتقال أربعة أشخاص وفتحت ملفات قضائية ضدهم لأنهم بحسب ما نقلته وسائل الإعلام، سمحوا لأنفسهم بالحصول على رشاوى من دول أجنبية لمصالح خاصة ، بحيث أن هذه الأحداث صدمت الكثيرين وكانت كالصاعقة على الرأي العام الأوروبي، الشيء الذي فرض تدخل القضاء البلجيكي في شخص النيابة العامة بعدما تم ضبط هذه التهم بالأدلة المادية والعثور مبالغ مالية فاقت 1,5 مليون أورو على الكاش تم إخفائها في الحقائب في بيوت المشتبه بهم . هذا التدخل القضائي هو عمل باركه المجتمع الأوروبي لوقف هذه الممارسات غير الأخلاقية؛ التي تهدد بتقويض أسس الديمقراطية الأوروبية . وعنها كتبت معظم الصحف الأوروبيةونبهت بلهجة شديدة الوقع بأنه حان الوقت ، لتطوير آليات جديدة تسمح بالكشف بشكل أفضل عن الفساد السلبي والشطط السياسي ومقاضاته وأن تلعب الشفافية والأخلاق أيضًا دورًا مهمًا في سياق العديد من مجموعات الضغط( اللوبي ) والتي يبلغ تعدادها أكثر من 25000 مجموعة والمفترض منها أن تعمل وفق مسطرة قانونية واضحة داخل مؤسساتنا الأوروبية. اليوم ، غالبًا ما تكون هذه الأنشطة من اللوبيات ومجموعات الضغط في منطقة رمادية. بدون السقوط في آفة التعميم ، نلاحظ أنه مع الأسف أن عددًا من أعضاء البرلمان الأوروبي ما زالوا يعملون في الظل في اتصالاتهم مع الآلاف من مجموعات الضغط داخل مؤسسات الإتحاد الأوروبي. في الواقع ، لذلك فإن هناك خطرا حقيقيا وخشية من أن يتأثر صنع القرار السياسي بمجموعات الضغط من القوى التي لا تأخذ مبادئ الديمقراطية وسيادة القانون على محمل الجد.
وبهذه الطريقة ، فإن بعض أعضاء البرلمان الأوروبي يسمحون لأنفسهم باستغلالهم من قبل القوى الأجنبية المشبوهة أو المجموعات التجارية تحت ستار ” المصالح السياسية الضرورية ” بزعمهم ،. والجدير بالذكر بأنه ليس الفساد الإيجابي أو السلبي فقط هو المثير للجدل ، ولكن، نظام التمويل أو المنح الممنوحة هي أيضا التي يساء استخدامها كأداة لتقوية المواقع لبعض الساسة و من أجل الإغناء وإثراء الذات، إذ يتم تخصيص الموارد المالية ، (ما يمكن تسميته بصناعة المنح) بشكل أساسي للمنظمات والجماعات والأفراد الذين يتوافقون مع المصالح الفردية أو الحزبية للمجموعات السياسية داخل مؤسساتنا الأوروبية. بل إنه يذهب إلى حد، على سبيل المثال ، أن بعض السياسيين يطلبون تحويل نسبة مئوية معينة من المنح المخصصة إلى جمعيتهم أو ببساطة يطلبون أموالاً ورشاوى من أطراف ثالثة للحصول على مكاسب ذاتية و يتم ذلك داخل الغرف المظلمة للكيانات الأوروبية و لإمكانية تنظيم أنشطة قد تكون غير مرغوب فيها أو غير مناسبة وتحاول بذلك ممارسة الضغط أوالتأثير عليها، بشكل أو بآخر .
إن ثقة المواطنين الأوروبيين في مؤسسات الإتحاد الأوروبي الخاصة بهم بات أمرا يتعرض لضغوط كثيرة وذلك منذ عقود. يُتوقع من الإتحاد الأوروبي وساسته القيام بعملهم بشكل صحيح وخدمة جميع طبقات المجتمعات الأوروبية بشكل ديمقراطي و شفاف . لاسيما وأننا نعلم أنه قد تم انتخابهم ديمقراطيا لشغل هذه المناصب وللقيام بهذه المهام و لهذا الغرض الإجتماعي المحدد بالذات ، وبالتالي ينبغي أن يتصرفوا وفقا لتلك المعايير و يجب عليهم ان يضعوا القضايا الإجتماعية والسياسية والإقتصادية الأوروبية على جدول الأعمال وخلق مساحة للشراكات الدولية المستدامة الحقة، القائمة على قيمنا الديمقراطية التي تعلمناها من المؤسسات الأوروبية العادلة ، وللتذكير فإن مثل هذه
الممارسات والفساد غالبا ما تتسبب في تجاهل الكثير من القضايا الإجتماعية والإقتصادية المهمة والعاجلة داخل مؤسسات الإتحاد الأوروبي ، على الرغم من أنها ضرورية وحيوية لعمل وأداء مجتمعنا على المدى الطويل. مع ذاك كله، لا يمكن التقليل من تأثيرها على الأمن العام واستقرار المجتمعات. من المقلق فعلا أن يتم التعامل مع هذه المشكلات بشكل أساسي من زاوية الزبونية والمحسوبية، حيث تكون” المصلحة العامة ” في خطر وأن يتم بسبب هذه الممارسات إلغاؤها أو التقليل من شأنها وتهميشها في واقع وصلب عمل الساسة بالاتحاد الاؤوربي، بحيث أن هذه المهام تكليف لا تشريف .
وختاما يجب التنبيه ، بأن البرلمان الأوروبي، بحاجة إلى قيادة سياسية شجاعة تجرؤ على معالجة مشكلة الغرف المظلمة- وما ينتج عنها من فساد- في الإتحاد الأوروبي بجرأة وصدق وحزم . نعم ، رغم الآليات المتاحة ، أظهرت هذه الفضائح، بأننا في أمس الحاجة إلى مزيد من الميكانيزمات الرقابية مع الإنفتاح واستخدام اللغة الواضحة مع الشعب، التي لا يتم فيها تسمية هذه المشكلات فحسب ، بل تتم معالجتها بشكل فاعل وفعال. هذا التوجه هو الذي سيخدم المواطن والشعوب بشكل متزن والذي سيكون جدير بالحفاظ على التوازن السياسي والاجتماعي داخل الدول الأوروبية ومجتمعاتها وأن يحارب الفساد ليضمن الثقة بينه وبين الناخب الأوروبي بشكل مستمر . علاوة على ذلك، سيحافظ على ما أسماه الفيلسوف التنويري، جان جاك روسو ” بالعقد الإجتماعي” كنظرية لتنظيم المجتمع السياسي و كميثاق ناظم بينهما و الذي يضبط واجب الدولة وحق المواطن كرمز للروح الديموقراطية بلا حيف ولا ضرر .
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.