لمحمدي محمد مصطفى ، باحث في الدراسات الحدودية
تهدف هذه الورقة الى محاولة فهم الأزمة الروسية الأوكرانية وعلاقتها بالصراع العابر والحدودي وتأثيره على العالم جيوسياسيا واقتصاديا في ظل تعدد الأطراف وتباين الرؤى النفعية لكل طرف. فبغض النظر عن التحليلات الكبرى والمتعددة، التي في غالب الأحيان تتفق على أن المعايير السائدة والمسطرة خلال القرن العشرين والتي بنت النظام العالمي الجديد.
لن نخوض في هذه المسألة بحكم تعدد الآراء وسهولة الوصول اليها، وهذا ما تعمل عليه القنوات التلفزيونية، من خلال توجيه النقاش كل حسب مصلحة نفوذه.
المسألة التي نريد تسليط الضوء عليها قضية الحدود وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على المناطق الحدودية عالميا بصيغة أخرى التداعيات الإنسانية للحرب، فلا يخفى على أحد أن أوكرانيا كانت لوقت غير بعيد ضمن الاتحاد السوفياتي بجانب روسيا، الى ان حصلت الأولى على استقلالها سنة 1991 بعد اجراء استفتاء لمواطنيها للاختيار بين البقاء ضمن الاتحاد الروسي (روسيا، روسيا البيضاء واكرانيا)، أو الاستقلال كأمة اوكرانية.
وصوت 90 في المئة من السكان لصالح الاستقلال.
استقلال لم يكن هينا، بل تحت شروط أهمها التخلي عن الترسانة النووية التي تقدر ب 30 في المئة من مقدورات الاتحاد الروسي والتي تتواجد في الأراضي الأوكرانية. المعطى المهم في هذا كه هو أن كلا الدولتين أمة واحدة وشعب واحد ومروا من مصير واحد، أبى الغرب الا أن يكتب نهاية قصة عائلة ممتدة في القدم وتقديم الوعود الوردية للمدللة أوكرانيا، والتي لم تستطع أن تقوي من سيادتها الوطنية من خلالها ولاء نظامها السياسي في وقت غير يسير لروسيا تلتها انتفاضة البرتقال ضد الرئيس الموالي لروسيا آنذاك في الالفية الثانية. بعدها تم رشيح الرئيس الحالي الموالي للمعسكر الغربي والذي اتى من المجال الفني، تحديدا الفكاهة التي تحولت ملامحه الدائمة الضحكة الى تعابير مكشره تعكس الوضع الأمني والحرج التي تمر مر منه دولته الفتية.
ان ما يثير الانتباه في هذه الحرب ليس التداعيات الاقتصادية الكبيرة جدا وهي نتيجة حتمية لكون أوكرانيا هي بستان العالم للقمح وروسيا هي نهر الغاز الذي لا ينضب وبالتالي فمن الطبيعي ان يتأثر العالم اقتصاديا خصوصا الاقتصادات النامية في افريقيا على وجه الخصوص. ومدى عجز أوروبا طاقيا.
Winter is coming لم تعد مجرد متلازمة في مسلسل فانتاي GAME OF THRONES ، بل أصبح يقض مضجع المواطن الأوربي الذي يسمع في كل نشرة إخبارية بأنه سيعرف شتاء قارسا لم تعرف أوروبا مثيلا له. وهي الورقة التي لعبها بوتين لتحريك الضمير الشعبي الأوربي للمطالبة بحقهم في توفير الطاقة اللازمة وذلك بطلب الزعماء بحلحلة ملف الحرب الدائرة رحاها.
حينما يصبح الانسان مجرد رقم، هذا ما تؤكده هذه الحرب بحيث أن صوت الشعبين مغيب، وانا اتأمل التقارير فلا يوجد صوت الشعب وانما صوت أميركيا والغرب مقابل صوت روسيا بوتين، الذي حول مسألة الحرب الى قضية شخصية على ما يبدوا.
لكن تكلفة الحرب سيدفعها حتما المنطقتين اللتان أعلنتا الاستفتاء بتحريك روسي، وشجب عالمي للخطوة فتلك المناطق واناسها يعتبرون OUTSIDER بحكم أنهم لاهم بأكرانيتين ولا روس، بل الكل يطالب بالأرض وليس بالإنسان، الذي سيصبح منبوذا حتى ما بعد الحرب. فالروس لن يثقوا في أهالي الدومباس ولا أوكرانيا ستنسى تلك الأراضي، اذن فالمحظوظ هو من سيجد طريقة للهروب من جحيم الوصم والعزل، فكيف سيتم بناء الحياة هناك من جديد، فهل هو الرجوع الى الأصل أم ماذا بعد الاتحاد السوفياتي الى الاستقلال رفقة أوكرانيا، الى معاودة الاستفتاء للضم لروسيا. انه العذاب في تجلياته الإنسانية.
يعتبر هذا الاستفتاء بمثابة تحدي أمام الحركات التحررية في كل بقاع العالم، لما له من تداعيات فليس كل استفتاء يعبر عن رغبة صادقة وليست مآلاته محمودة؟
ان تحديات الحرب ابانت على مدى عقم الهيئات الدولية( مجلس الأمن، الأمم المتحدة على وجه الخصوص) في توجيه الصراع السياسي الى وبقاءه سياسيا وحماية حياة الأفراد في كل من البلدين المتقاتلين، والمتابع لبداية الحرب الروسية على أوكرانيا سيرى الاستسلام المتبادل بين الطرفين وهو الأمر الذي لم يعر له الاعلام الانتباه و اعتبره سيطرة على المناطق بمنطق الهزيمة والانتصار. انها عقيدة الحرب. لكن الأصوات التي نتلاقاها نحن العاديون من وسائل التواصل الاجتماعي في عين المكان تظهر مدى قبح الحرب بين شعبين ذو تاريخ ومصير واحد، وتبادل الاكل والماء وتقديم الإسعافات لبعضهم البعض. هذا لا تريده الالة الإعلامية المحفزة للحرب.
ان انسانيتنا باتت في مفترق طريق بين مناطق هي من توفر الاكل لربع سكان الأرض يتم حرقها بالكامل وبين منطقة تضمن الدفء لنصف العالم وخير شعوبها حسب التصنيفات اللاإنسانية. وهنا تكمن الإشكالية الكبرى، ويجعل المراجع الدولية والقرارات المتخذة وازدواجية المعايير رهن التساؤل.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.