عبد الرحيم هريوى
كم قصص مرت أمام أعيننا، لم نفكر في سيناريوهاتها المعينة قط،ونتيه بخيالنا كي نخلق من خلالها لدى القارئ تلك الدهشة والقلق والتساؤل،كي يصاحبنا في قراءته لنصوصها ويعطيها بل يمدها من الحياة الجديدة ما هي في حاجة إليه، كي يطول تواجدها وليس ،كنصوص ميتة بل تحمل حتفها معها،وسرعان ما يتم إزاحتها عن الطريق..!
توجهت لمسجد الحي كي يستمر الاتصال مع رب العالمين ، في صلاة العصر..!
الإمام؛ وقد أنهي الركعة الأولى وسجد ..وأنا أقترب رويدا رويدا من الباب..!
فجأة أثارتني آمرأة ما زالت في عقدها الخامس ..لباسها دكناء..لون وجهها أسمر..!
لم أعدها ممن ألفن المكان في انتظار الخارجين من بيت الله لعل الرحمة تدفعهم لمدهن ببعض الدريهمات مع دعواتهن التي تمتزج بنوع من الحب صوب كل جواد كريم..!
هذه المرأة الجديدة أثارت انتباهي بصدق، ككاتب يسجل كل شئ يتغير في محيطه حتى ولو بوفود مسكينة جديدة ستضاف للائحة القديمة طبعا، لذلك من عادتي أن أترك بلغتي في الباب المسجد، لكنه لم أع والبلغة في يدي وأنا في بهو المسجد..وبعدما أسكنتها في المكان المخصص ظل تفكيري تائها لحظة من اللحظات للمرأة الجديدة التي يتبين من خلال جلوسها فوق خشبة الباب..فضولي الشخصي ..وتاه بي خيالي بعيدا ثم عدت بعقلي لمساره الطبيعي..! لكن ابقي للقصة بداية ونهاية لذلك أشارك القارئ والقارئة في القول،لأقول لهما معا:
– نعم؛بأن هناك شيء سيصدع على حد قول محمود درويش..!
– وبأن هناك شئ ما لم يستوعبه تفكيري..!
– وبأن هناك شئ ما سيحدث لا أعرف منه أي شئ..!
– لكنه إحساس باطني وشعور دفين،لكاتب يحس بكل شئ يثير الفضول..!
– وها هو الإمام الآن وقد أنهى فريضة صلاة العصر ..أما أنا فقد قمت مجددا كي أرقع صلاتي مع باقي من تعطلوا..سوفي تلك اللحظة بالذات سمعت صوت المرأة المعلومة
– وهي تصرخ..
– وهي تصيح..!
– وهي تبكي.. !
– وهي تتوحد..!
– وهي تتوسل..!
– وهي لهم تبرر..!
– وهي لهم الآن تخبر..!
– وهي لهم الآن تقسم بأغلظ الإيمان ..!
..وبعد هنيهة ؛ عم سكون عابر فضاء المسجد أي في جهة صفوف المصلين الطويلة ،للمفاجأة التي لم يكونوا ينتظرونها بذاك السيناريو قط إلا أنا..!
-الأرملة أرغمتهم كلهم ..سواء من أحب منهم وارتضى.. أو..من لموقفها قد رفض وكره..بدعوى ما..!
وبأن يسمعوا ..
وبأن يعوا
وبأن يفككوا شفرة إرسالية تحملها في قلبها حتى نهايتها..!
لم يختم المأموم دعاؤه بعدـ بل ظل ينتظرها حتى تتم كلامها وأوجاعها وأحزانها وضيقها و فقرها وبؤسها والعالم المظلم الذي تعيشه لوحدها صحبة أولادها الثلاثة..!
وكذلك أنا؛لم أستطع إتمام قراءة الفاتحة.. تشتت تركيزي ..وللصوت المرتفع والبكاء الممزوج بصيحات الحزن والأسى الذي يؤلم كل قلب مؤمن هش..!
فماذا قالت هذه المرأة كي تصدق يا ترى :
أنا ما سبق لي أن طلبت الصدقة..
أنا أرملة ولدي ثلاثة أيتام..
أنا كنت أشتغل في الحمام..
أنا أصبت بمرض السكري..
أنا أحقن جسمي بالأنسولين..
أنا ليس لدي دقيق في البيت..
أنا أختكم يا مؤمنين..
لقد تألم الجمع للفاجعة ..جل المصلين..وكان الكاتب واحدا من بينهم ،وهموا لمساعدتها..وكل واحد بما أتاه الله من ماله وفضله ..
وانصرف الكاتب بعد ذلك لحال سبيله، وهو يقول في قرارة نفسه:
– عجيب أمر هذه الدنيا ..هناك من يعيش عيشة قارون .. ولا يحمد الله تعالى على ما منحه وأعطاه من فضله.. وهناك من لا يوجد في بيته دقيق يعجن به خبزة، كي لا يموت أولاده بالجوع بهذه الأرض السعيدة، و التي اسودت في عينيه بسبب الفاقة والحاجة والإملاق والبؤس ..
ولما أنهيت تدوين سردي القصصي هذا،من واقع مدينتي الفوسفاطية بخريبكة،ظل العنوان غائبا عن ذهني في هذا النص القصير ، رغم أنه يتواجد بباب المسجد في عصر هذا اليوم 27 بتاريخ يونيو 2022 من بداية الأسبوع..ولا حديث للناس في كل مكان إلا على الصردي والبركي ووجه الأحمر أو الأبيض الذي فيه نقط و طبات من سواد..!!
… (إنها قصة أم الأيتام الثلاثة بدون عجين..والتي لم أكتبها بل كتبها الزمان!!)
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.