اختار رئيس مؤسسة الملتقى ورئيس المركز الأورو المتوسطي لدراسة الإسلام اليوم، خلال مشاركته السبت 19 فبراير 2022، في الليلة الرقمية الثانية والتسعين المنظمة من طرف مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بتعاون مع مؤسسة الجمال تحت شعار « ليالي الوصال ذكر وفكر»، تناول دور التربية على مكارم الأخلاق وقيم الوطنية الصادقة في تعزيز السلم والسلام في المجتمعات والأمم.
اعتبر الدكتور منير القادري بودشيش ان ما يشهده العالم من تضارب في الأفكار والإيديولوجيات والسياسات، وتعاقب للأزمات و النكبات، يفرض على الشعوب الاعتناء بالمقومات الأساسية التي تضمن استمراريتها ورقيها، ومنها العناية بالتربية على مكارم الأخلاق وقيم الوطنية الصادقة.
و أشار الى أن الإسلام أرسى معالم الوطنية قبل أربعة عشر قرناً من الزمان، وقوى دعائمها وأزاح الجاهلية والعصبية والقبلية التي كانت تحكم الناس، ونظم العلاقات بين جميع أفراد المجتمع بغض النظر عن دياناتهم وطوائفهم وعصبياتهم، وتابع أنه رسخ لقواعد المجتمع المتكامل، وأسس لمفهوم المواطنة الصالحة حقوقاً وواجبات ؛ وكذلك لأسس السلم والسلام في المجتمعات، حتى صارت أمة الإسلام خير الأمم بين الأنام، مستشهدا بقوله تعالى: “كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ” (ال عمران الآية 110).
وأوضح أن المواطنة الصالحة ليست مواطنة مؤقتة وإنما هي مواطنة دائمة، مرتبطة بالقيم والأخلاق والآداب، وأنها تحث على الإصلاح والنماء، وتحمل مسؤولية الأداء الفعال الذي يحقق النهضة و الخير والرخاء.
وأضاف أن الوطنية ليست لفظاً يقال وإنما هي أفعال تقام، وأنها عامل بناء وتنمية، وعامل وحدة وقوة، وعامل تنوع وإثراء في حياة الأمة، مبرزا دور المجتمع في بناء المواطن تربويا وفكريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا ومدنيا، من خلال المؤسسات التربوية.
وأكد على اهمية تسليط الضوء على مفهوم المواطنة بمعناه الشامل والمتكامل في المجتمعات الانسانية، وابراز دور التربية الروحية في تأهيل الافراد والجماعات في شتى المجالات السياسية والثقافية الاجتماعية والفكرية وترسيخ مفهوم المواطنة الصادقة لدى افراد المجتمع.
وأضاف أن الوطنية تتجلى معانيها في محبة الوطن والشعور بالانتماء إليه والمشاركة الفعلية في بناءه وتطويره للأفضل، وتغليب المصالح الوطنية على غيرها والمحافظة على المال العام والمكاسب المادية والثقافية للوطن، والدفاع عن حوزته في مواجهة أعدائه.
وقال أن الوطنية تعني أن تحمل معك أينما كنت وحيثما رحلت هم وطنك وان تكون بمثابة السفير الذي يمثله فكراً وسلوكاً و معاملة وأن تورث هذا الشعور بالانتماء لأبنائك من بعدك، موردا قول الكاتب مصطفى محمود العقاد “متى نفهم أن الرجولة هي الجلد على العمل وحمل المسؤولية والصمود على العقبات الجسام والبطولة في الميدان وفداء الأوطان “.
وأوضح ان المواطن الصالح المخلص لدينه ووطنه وولي أمره يبقى منتوجا قيما نادرا قل ما تنتجه الآلة التعليمية والخطابات التحسيسية أو الوعظية وإنما تصوغه يد التربية الأخلاقية التي تنزع من دواخله كل نوازع الشر وتغرس فيها نوازع الخير.
وأضاف أن المواطنة في نظر الصوفية هي ثمرة صفاء وطهارة القلوب، وأنها قيمة أخلاقية لا تتجزأ عن باقي أحوالهم، واستطرد شارحا أن من كان صادقا مع نفسه صادقا مع ربه كان بلا شك صادقا مخلصا لوطنه .
و تطرق الى الدور الذي لعبته المدارس الصوفية الأصيلة عبر تاريخ الأمة الإسلامية، في المغرب وخارجه من أدوار طلائعية في تأمين حاجيات المجتمع الروحية، بل وحتى الاجتماعية والاقتصادية والفكرية و السياسية، حيث حافظت على وحدة البلاد السياسية، من خلال وطنية صادقة تدافع عن حوزة الوطن والذود عن ثغوره، وانها سعت الى لم الشمل ووحدة الكلمة في ظروف المحن والصعاب، و أنها أنتجت علماء أعلاما أثروا الثقافة المغربية في شتى العلوم.
وأوضح أن التاريخ يقف شاهدا على هذه الخصوصية الصوفية المندمجة التي يقع على عاتقنا إيصالها إلى أبنائنا وبناتنا؛ قصد تعزيز الولاء والانتماء الوطني في وجدانهم، بما يضمن وعيهم الكامل بضرورة المحافظة على الممتلكات العامة، واحترام الأنظمة والقوانين، وكذا تقبلهم للتنوع و الإختلاف في العادات والتقاليد والمعتقدات والألوان واللهجات والمناطق داخل الوطن الواحد.
وأضاف أنه تأهيل روحي، يلتحم فيه البعد الأخلاقي بالبعد الدنيوي، مستشهدا بقوله تعالى: “وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ” (سورة القصص الآية 77)، وأردف أنه تأهيل يمد صاحبه بأخلاق إنسانية كونية، تسع بأفقها الروحي ضيق العالم المادي، و تعود بمنافعها على كافة البشر وعلى الأحياء والبيئة.
وأورد في ذات السياق مقتطفا من خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في تطوان بتاريخ 20 غشت 2004 : “بيد أن الوطنية التي تمثلت بالأساس، بالنسبة لجيل التحرير ، في مقاومة الاستعمار القديم، تقوم بالنسبة لأجيالنا المعاصرة، على التعبئة الشاملة وتحرير الطاقات ، لمكافحة المعضلات الصعبة للأمية والفقر ،وبطالة الشباب، واتساع التفاوتات الاجتماعية والمجالية، وكسب رهانات التحديث الديمقراطي ، والرفع من مستوى التنمية البشرية، والانتاج الاقتصادي ، والنهوض بالاجتهاد الفكري ، والابداع الفني “.
و قول جلالته أيضا : “إن المواطنة التي نريدها، لا ينبغي أن تختزل في مجرد التوفر الشكلي على بطاقة تعريف او جواز سفر، وانما يجب ان تجسد في الغيرة على الوطن، والاعتزاز بالانتماء اليه، والمشاركة الفاعلة في مختلف أوراش التنمية، التي فتحناها، وطنية كانت أو جهوية أو محلية، وتوسيع اشعاعه العالمي.”
يذكر أن الليلة الرقمية الثانية والتسعين وعلى غرار الليالي الرقمية السابقة عرفت مشاركة علماء ومثقفين بمداخلات علمية باللغتين الفرنسية والانجليزية الى جانب اللغة العربية، وتقديم فقرات توعوية، ووصلات من بديع السماع والإنشاد، كما تم تقديم التعازي في وفاة عدد من الشخصيات التي التحقت بالرفيق الأعلى، من بينها تعزية في وفاة النقيب السابق لهيئة المحامين بالدار البيضاء، والأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب، الأستاذ عبد اللطيف بوعشرين.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.