كانت الأردن ممثلة في الدورة السادسة عشر للملتقى العالمي للتصوف، بكل من الدكتور ربيع العايدي، رئيس قسم الفلسفة في جامعة باشن الأمريكية، والشيخ عون القدومي المشرف العام على معهد المعارج للدراسات الشرعية بعمان، ويشار الى أن هذا الملتقى نظمته الطريقة القادرية البودشيشية ومشيختها ومؤسسة الملتقى بشراكة مع المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم CEMEIA”، تحت شعار “التصوف والقيم الإنسانية: من المحلية إلى الكونية”، وذلك في الفترة ما بين 11 إلى 15 ربيع الأول 1443هـ الموافق ل 18 إلى 22 اكتوبر 2021م.
تناول الدكتور ربيع العايدي، موضوع “الخطاب الصوفي نموذج للتعايش الحضاري”، مشيرا إلى عدم وجود حضارة قامت دون الاعتماد على غيرها، مشيرا إلى اهتمام الحضارات الإسلامية بترجمة كتب الحضارات الأخرى، وأضاف أن “الحضارات الغربية قامت على جهود الحضارات الإسلامية التي سبقتها، حتى أن الشريعة الإسلامية جاءت مصدقة لما سبقها من الأديان، وأن الإسلام يدعو إلى الشراكة في كل شيء”.
وأبرز المتدخل اهتمام الحضارة الغربية بالتقنية، موضحا أن “هذا الأمر لا يعيبها لكن للأسف على حساب الروح والتزكية، لذا أهملت اهم تساؤلات الانسان حول خلقه والخالق” ، وأضاف أنها كانت أحادية البعد، .فبدلا أن تكون حلا للأزمات صارت أزمة بحد ذاتها، فزادت الأمراض النفسية والانتحار ، موردا مقولة الفيلسوف الدكتور طه عبد الرحمن بقوله “حضارة اليوم حضارة القول دون الفعل .”، وتابع أنه علت أصوات كثير من المفكرين الغربيين تحذر من الحضارة القائمة وأثرها على المجتمعات، مؤكدا انهم أدركوا خطر التصحر الروحي.
وأشار الى وجود توجهات دينية وسط الدائرة الإسلامية ترفض الآخر بحجة الغزو الثقافي، كما” ترفض تزكية الروح بحجة (الشرك ، والبدعة) فصنعوا إسلاما جافا بعيدا عن الروح والعقل معا”، مشددا على أن النهوض الحضاري لن يتحقق من خلال العزلة، موضحا أن الصدام بين الحضارات هو خيار العقليات المنغلقة، العنصرية، موصيا باستمرارية هذا المؤتمر، لما فيه من مصلحة إنسانية عظمى، كما طلب من المؤسسات الرسمية والخاصة تقديم الدعم وبقوة لتسخير جميع الطاقات لتأييد هذا الفكر والجهد والذي يعتبر إضافة حقيقية للتشارك الحضاري والأخلاقي .
بدوره ألقى الشيخ عون القدومي، كلمة تحت عنوان “الروحانية المنتجة مع عالم متحول”، استهلها بشكر الطريقة القادرية البودشيشية على تنظيم الملتقى، مشيرا الى دوره في نشر القيم الروحية في العالم.
وشخص القدومي أحوال عالمنا المعاصر، مبرزا تأثره بطوفان العولمة وطغيان المادة وقسوتها، داعيا الى معالجة هذا الوضع بإشاعة الروحانية المنتجة وليس العقيمة، موردا كلام اهل التصوف “لكل ورد وارد”، واضاف ان الاقبال على الله بالقربات والطاعات والنوافل والاذكار والاوراد يورث ثمارا وآثارا.
وتابع أن المنهاج النبوي يحث على أن نتحول من عالة الى منتجين مستدلا بقوله صلى الله عليه وسلم للأنصار ” يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلالًا فهداكم الله بي، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي، وكنتم عالة فأغناكم الله بي؟”، ودعا الى الانتقال من حالة الاستهلاك الروحي الى الانتاج الروحي مستشهدا بقوله تعالى “ووجدك عائلا فاغني”، كما ندد بما يعيشه المسلمون اليوم من الاكتفاء بالاستهلاك وترجمة انتاجات الغير، موضحا أن ما يتم عرضه في عالمنا العربي في العديد من المجالات الفكرية والابداعية والفنية في الشرق والغرب، هو مجرد نسخة مترجمة لفعاليات شرقية وغربية.
وشدد على ضرورة توفرنا على هوية روحية متميزة ومتفردة، في زمننا المتحول، موردا قول الامام الجنيد لجلسائه “سئمنا القديم حدثونا من فتحكم”، مبينا أن التصوف مرتبط بتجل الوقت، ووصفه لكونه علما يحتاج الى تحيين باستمرار، واضاف انه “لابد أن يكون اصحاب الطريق اهل فتوح ولا يعيش حالة الاستنساخ والاجترار الروحي والاستهلاك”.
ودعا الى روحانية منتجة، وأورد قول الامام العز بن عبد السلام حين حضر مجلس الامام ابو الحسن الشاذلي وسمع خطابه “هذا الكلام حديث عهد بربه”، اي عليه رائحة التنزل له فائحة الفتح، كان الانسان يسمع خطاب من الحضرة ، خطاب كانه الان يتنزل يخاطب القلوب والارواح، خطاب الوقت، معضدا كلامه بمقولة ابن عطاء الله السكندري “هنالك حق للوقت وحق في الوقت”، كما استشهد بقوله تعالى “أن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا”.
وخلص الى ان الروحانية المنتجة مرتبطة بثلاثة معالم، الذكر والفكر و الشكر، في تناغم مع مقامات الدين الاسلام الايمان الاحسان، وأكد أن التجلي الروحاني ينقلنا من حالة الاستهلاك لأطروحات من سبق الى التوفر على رأس المال الذي نستخرج منه الارباح الروحية، موردا مقولة عبد الوهاب الشعراني “إذا أردت ان تعرف حقيقة علمك عن الله فانسب كل معلومة سمعتها الى صاحبها والذي يتبقى لديك هو الذي علمك الله” ، واستدل بقوله تعالى “وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما”، وقوله ايضا “واتقوا الله ويعلمكم الله”، وابرز ان هذا العلم منه المكتسب ومنه الموهوب ومنه الموروث، مناديا بالتحرك على صعيد الطرق الصوفية والانتقال من حالة الطُرقية الطُقوسية الى الطُرقية الحية، وإلى فضاء روحي ارحب لتجدي خطاب الروح.
ويذكر أن هذا الملتقى تم تنظيمه تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، وعرف مشاركة علماء وأساتذة جامعيين من شتى القارات، وأُقُيمت فقرات منه حضوريا، بينما عقدت باقي الفعاليات عن بعد، وبثت عبر المنصات الرقمية لمؤسسة الملتقى، في إطار احترام الاجراءات الاحترازية التي فرضتها جائحة كورونا.
هذا، وقد عرف هذا الملتقى إقامة عدد من الأنشطة، بما فيها الندوات العلمية الموازية التي أطرها ثلة من المتخصصين، إضافة إلى المسابقات التي تمت برمجتها، سواء في حفظ وتجويد القرآن الكريم، أو المسابقة العلمية المتمحورة حول إعداد مقالة في موضوع “القيم الدينية وأبعادها الكونية”، وكذا المسابقة الشعرية في غرض المديح النبوي.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.