الحكومة المغربية تنهج سياسة غامضة وغير واضحة المعالم تجاه اللغة الأمازيغية، وتأكد فعلاً أنها حكومة تتجه نحو المزيد من التضييق على الأمازيغية، وتلعب على رهان الزمن من أجل ضياع لغة وطنية ورسمية عانت الكثير من التهميش والنسيان وصمدت طويلاً أمام محاولات الإقبار والإمحاء.
لم تعد الحكومة تخفي نواياها الحقيقية ضد الأمازيغية، بعد أن كانت تبرر تهميشها بعدم صدور القانون التنظيمي لإطفاء الطابع الرسمي لها، بعد دسترتها كلغة رسمية في دستور 2011. فلم تعد الحكومة تختبئ وراء لغة الانتظار، وإنما سارعت اليوم إلى تطبيق سياستها واستراتيجيتها العامة في إقبار الأمازيغية بكل جرأة، خارج الوثيقة الدستورية وخارج حتى ما ينص عنه القانون التنظيمي، من خلال تخصيص عدد هزيل جداً من وظائف المخصصة لتعليم وتدريس الأمازيغية، الذي لم يتجاوز 180 منصب في العدد الإجمالي من المناصب الذي وصل 15000، بنسبة لم تتجاوز 02 في 100.
هذا الرقم، لم يتم تسجيله حتى في إطار العمل بدستور 1996، منذ أن بدأ تدريس الأمازيغية في المدارس العمومية سنة 2003، وكان الإطار الذي يتم الاشتغال به مقتصراً في إطار المذكرات الوزارية. ما حدث اليوم يعد انتكاسة كبيرة ونكوص يعود بنا إلى سنوات خلت، إلى عهود الحݣرة وتهميش الأمازيغية، ولا يعبر بشكل من الأشكال عن روح دستور 2011 الذي كرس حق المساواة بين اللغتين والرسميتين والوطنيتين في الدستور الذي حظي باستفتاء شعبي، كما أنه لا ينسجم بالبث والمطلق مع المكتسبات التي تم تحقيقها منذ سنة 2001.
هل الحكومة تنهج مسلك التدرج؟ الجواب حتماً لا. لأن التدرج يمكن اعتماده في قطاعات عمومية أخرى، ولكن في التعليم يجب على الدولة أن تسارع إلى تعميم تدريس الأمازيغية في جميع المستويات، حتى يتم استدراك ما ضاع من زمن سياسي في العقود السابقة ومن أجل إعداد كوادر وأطر أمازيغية مؤهلة لإنزال الطابع الرسمي للأمازيغية في باقي المؤسسات العمومية المختلفة….
ولكن للأسف، فقد نبهنا منذ خروج قانون الإطار 17/51 والاستراتيجية الوطنية لإصلاح التعليم، إلى عدم إدراج إلزامية وإجبارية تدريس الأمازيغية في التعليم، وجعل تدريسها امتداداً لما جاء في ميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي وضعه المستشار الملكي الراحل مزيان بلفقيه سنة 1998، وإلى ما دعى إليه اليوسفي في برنامجه الحكومي من نفس السنة، من جعل الأمازيغية “لغة الاستئناس”. للأسف الشديد هذا الشعار الذي لا يزال العمل به.
حين خرج قانون الإطار إلى المناقشة في البرلمان، تعرض لتزيف وتحوير النقاش من الجوهر إلى نقاش بوليميكي صرف لا فائدة منه، حيث تم تسليط الضوء على موضوع تدريس اللغات، لكن فقط فيما يتعلق بتدريس اللغات الأجنبية، حيث اشتعل النقاش بين الإسلاميين وخصومهم في الأحزاب الإدارية الأخرى والوزارة التي يسيرها وزير تكنوقراطي، لا لون له، يعبر عن توجه الدولة وامتداداتها، وفي الحقيقية هؤلاء ضيعوا الكثير من الوقت والجهد حيث تمة المصادقة على القانون كما أريد له ذلك، وكان نقاشاً مفتعلاً بين الذين يتصارعون فوق حلبة “لغات التدريس” كلهم متواطئون على الأمازيغية، ويهدفون إلى تقزيم الهوية الحقيقية للمغرب، ويتصارعون من أجل تمرير قانون إطار لإصلاح التعليم دون إلزامية تدريس الأمازيغية كلغة رسمية ولغة وطنية عمرت لآلاف السنين والعقود. الإسلاميون يتشبثون بالتعريب والعربية وفاء لأيديولوجيتهم التي تعتبر اللغة العربية والعروبة عمادها، أما خصومهم من الليبراليين وما تبقى من الاشتراكيين وأحزاب الإدارة فيدفعون بتدريس العلوم وتقوية اللغات الأجنبية، بالسير في طريق البراݣماتية والواقعية السياسية، استغلالا لخطاب الانفتاح وضدا في إرادة الإسلاميين المحافظين.
إذن الجميع يهلل بلغوه، ولا أحد منهم يدافع عن الأمازيغية، وإن كانوا يتخاصمون ويتصارعون فيما بينهم حول صيغ تمرير القانون، ولكن في النهاية كلهم مبتهجون ومنتصرون لأن الأمازيغية خرجت خاوية الوفاض من القانون. وهذا هو جوهر المشكل، الذي يبين أن الأمازيغية قضية سياسية معقدة، لا تحتاج إلى قوانين تنظيمية وغير تنظيمية، وإنما تحتاج إلى من يدافع عنها داخل المؤسسات وداخل البرلمان وداخل الحكومة،…. لأن الأمازيغية مرجعية ثقافية وحضارية شمولية تخترق كل أجهزة الدولة وجميع قطاعات الحكومة ومؤسسات المجتمع، أفقيا وعموديا.
وهذا ما تخشاه الدولة التي تسعى إلى حصر الأمازيغية في بعدها الثقافي والفولكلوري، عن طريق سد الطريق أمام تنظيمات وأحزاب ذات مرجعية أمازيغية، وتشتيت صفوف الحركة الأمازيغية وتوزيع طاقاتها على الأحزاب الإدارية لتذويبها وتفكيك الخطاب السياسي الأمازيغي وإفراغه من المضمون الفلسفي الذي يسائل السلطة والثروة والحرية والعدالة.
إن الحكومة المغربية اليوم، تملك ما يكفي من الجرأة السياسية لتمرير ما تشاء من القوانين التي تقبر الأمازيغية وتكثف من التعريب، وتشرع ما تشاء لتقويض الأمازيغية حتى لا تستفيد من حقها وموقعها الدستوري. خاصة بعد تراجع الحركة الأمازيغية وارتدادها من حدة الصدمات التي تتعرض لها من الداخل والخارج، بسبب زحف الأحزاب نحو قنبلة الحركة من الداخل واستعداد بعض الفاعلين والأوساط المحسوبين على الحركة، للعب دور السخرة داخل هذه الأحزاب التي لا تمتلك مذهب سياسي واضح ولا مرجعية فلسفية واجتماعية محكمة لاستيعاب خطاب أمازيغي في شموليته، ويقتصرون بما هو تقني وشكلاني كاستعمال حروف تيفناغ والتلاعب ببعض الكلمات في خرجات سياسية محتشمة….
فتخصيص 180 منصب مالي للأمازيغية في ميزانية وزارة التربية الوطنية لسنة 2020، ضمن 15000 ألف منصب مالي، يعد مهزلة حقيقية ما ورائها مهزلة… ولنا الحق أن نتسائل ما هي حصة الأمازيغية في مشروع ميزانية السنة المقبلة؟
الخطاب الأمازيغي هو خطاب نقدي بامتياز، نابع من حتمية الصراع حول المشروعية السياسية، وحول الصراع عن الأرض والتراب والثروة والرموز ..فعلى الحكومة أن تحترم الدستور، وتتبنى العمل بالمساواة بين اللغات والثقافات الوطنية.
بقلم الإعلامي والباحث الأستاذ: عبد الله بوشطارت
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.