قال الحسن الثاني مخاطبا الشعب المغربي : ” المغرب مستعد ليبقى واقفا وصامدا الشهور والسنين ، ولكن لن يتنازل عن مطالبه ، لا بد ان نبقى ’متّحدين كرجل واحد فيما يخص مطالبنا الترابية ، ذلك هي اساس مستقبلنا ، وإن احسن شيء وأحسن ارث سنتركه لأولادنا وأحفادنا ، هو ان نترك لهم مغربا يتوفر على ’متنفس ، وليس مغربا مضغوطا عليه ، وليس مغربا مخنوقا ، لا ، بل مغربا له ’متنفس ، ويمكن لرئتيه ان تتنفّسا بكل حرية كما اراد طولا وعرضا “
” ان قضية الصحراء بالنسبة للمغرب قضية حياة او موت ” ” إن اسبانيا تسير الى اقرار نظام الاستقلال الداخلي ، ونحن نعلم طبيعة هذا الاستقلال الذي يبقي السياسة الخارجية والدفاع بين ايدي الدولة المحتلة ، فإذا اتجهت اسبانيا هذا الاتجاه ، فأنا كمسئول عن وحدة البلاد من جهة ، وصيانتها من اخطار المستقبل من جهة اخرى ، اصرح لشعبي ، واترك هذه وصية لكل مغربي حر ، أنه لا يمكن تنصيب دولة مزيفة لا حقيقة لها في جنوب بلادنا ، لأنه من الوجهة الاستراتيجية ، ومن الوجهة الهيدرولوجية ، ومن وجهة المنافذ على المحيط الاطلسي لا يعقل هذا ، لأنه سيكون خطرا مستمرا على سلامة بلادنا وحرمتها ، وعلى ابناءنا ومستقبل ابناء ابناءنا ” .
ان هذه التصريحات التي هي في الحقيقة فتاوى ملزمة لكل مغربي حر أبيّ ، هي الجواب الشافي والصحيح عن الوضع الحرج الذي توجد عليه قضية الصحراء المغربية ، حيث تكالبت الذئاب على قصعتها لفصلها عن الوطن الام ، وتكوين ’دويلة قزمية تفتقر لمقومات الدولة كما يحدد ذلك القانون الدولي . ان تكالب الاعداء والمغرضين والأفّاكين على الوحدة الترابية للمملكة المغربية بحج واهية مثل حقوق الانسان غير الموجودة بالغرب الامبريالي ، دليل ساطع على المشروع التخريبي الصهيو – غربي المستهدف للعالم العربي منذ النصف الاخير من القرن الماضي ، وهو ما تم التعبير عنه في المصطلحات الغربية ب ” الشرق الاوسط الجديد ” الذي أ’جهض في منتصف الطريق بفعل المقاومة الشعبية التي تصدت له على اكثر واجهة وميدان . لذا فان مشروع تقسيم المغرب بفصل صحراءه عنه ، هو تكملة لهذا المشروع الذي رسم بدايته شرقا ، والذي كان احدى تجلياته الساطعة الحرب على العراق وتقسيمه الى ثلاث دول متعارضة ، وتفتيت ليبيا التي تخضع لسيطرة الجماعات الاخوانية والسلفية التي تحضر لمشروع قروسطوي موغل في الفاشية ، وما تتعرض له سورية اليوم من محاولات للتدمير الممنهج قصد الوصول الى تشتيتها وتفتيتها بما يبقي على اسرائيل عراب الغرب الامبريالي ، هذا دون نسيان مصر المهددة بالحرب الاهلية اضافة الى تقسيمها الى بلاد نوبة في الجنوب والأقباط في الوسط ، واليمن الذي سيقسم عنه جنوبه مثلما كان الامر قبل الوحدة ، اضافة الى استعداد شيعة البلد الى الانفصال مما يهدد مستقبل آل سعود بحكم جوارهم لليمن ، وأما السودان الذي انفصل عنه جنوبه ، فهو لا يزال مهدد ا بالانفصال في دارفور و بأبيي ومناطق اخرى متنازع عليها بين الحكومة وبين الانفصاليين . ان قضية الصحراء المغربية المفتعلة هي جزء من هذا المخطط التخريبي المشاهد في واضحة النهار ، فهل لا تزال جامعة الحكام العرب تتسع لمقعد ما يسمى ب ” الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية ” ؟
فهل سيقبل المغرب الذي صرف اكثر من 190 مليار دولار على الصحراء ان تنشأ على حدوده دويلة وهمية تفتقر الى مقومات وجود الدولة ، وتفصله عن حدوده مع موريتانيا ، وتقف حجرة عثرة امام امتداده الطبيعي الافريقي ؟
ان خطاب العاهل محمد السادس بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية التشريعية الذي قال فيه ” .. لا ينبغي الافراط في التفاؤل ” ” .. لا شيء قد تم حسمه ” ، يصدح جهرا بالوضع الخطير الذي توجد عليه القضية الوطنية ، وأرجعها من ثم الى نقطة الصفر التي سبقت سنة 1974 ، بسبب تهافت دول مجلس الامن الذين ’يديّلون كل مرة قراراتهم بالعبارة المنسوخة والمتكررة ” ايجاد حل متوافق عليه بين الطرفين يؤدي الى تقرير مصير شعب الصحراء الغربية ” ، وموقف البرلمان الاوربي والإدارة الامريكية ، اضافة الى جمعيات حقوق الانسان الصهيونية من هيومان راييس ووتش الى منظمة العفو الدولية ، فإن هذا التكالب
سيزيد المغرب بفضل مشروعية قضيته ، صمودا ومواجهة وتحديا للمؤامرات المحبوكة التي تستفيد من واقع التشرذم والتشتت ضمن مخطط سايكس بيكو جديد بالمنطقة . لذا يمكن القول ان هناك سيناريوهات وهناك مخطط رهيب شرع في تنفيذه منذ عشر سنوات خلت ، وفي غفلة عن الماسكين بملف الصحراء الذي استعملوه في تحقيق ثروات طائلة ، فحان الوقت الآن لتقديم الحساب عمّا اقترفته ايديهم من اساءة للوطن والشعب وللقضية الوطنية ، إذ لا يعقل ان يظل المغرب بلد الافلات من العقاب .
1 — ) السيناريو الاول : وهو ما يردده الاعداء وهم مقتنعون به ، وبما فيهم بعض اعضاء مجلس الامن الدولي ، هو التسليم في القضية على الطريقة الموريتانية والتراجع عنها ، وهذا حل انهزامي مؤداه دفع الرباط الى تغيير استراتيجيتها بسبب حرب الاستنزاف القادمة ، وبسب التكاليف الباهظة التي تصرف يوميا في الصحراء ، وبسبب المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها الاقتصاد المغربي مثل اقفال المصانع والمعامل وتشريد العمال وتفشي البطالة وسط حملة الشواهد الجامعية العليا … لخ ، وهذا يعني ترقب هزات شعبية عنيفة قد تصل الى حد تهديد وجود النظام مثل احداث 1981 بالدارالبيضاء ، وأحداث 1984 بمراكش وبالمدن الشمالية ، وأحداث فاس سنة 1990 ، فيما اذا كانت هذه الاحداث شاملة وغطت اغلبية المدن المغربية الكبيرة ، لأن الاوضاع يستحيل ان تبقى كما هي إذا لم يقدم النظام على خطوات جريئة وشجاعة واستباقية لمعالجة المشاكل المتراكمة .
ان هذا السيناريو الانهزامي مستحيل التحقيق ، لأن المغرب وصل الى نقطة اللاّعودة واللاّرجوع بخصوص القضية الوطنية ، زيادة على هذه الحقيقة ،فإن اي خلل يصيب القضية الوطنية بفعل بعض الاجراءات الخاطئة ستكون له تداعيات خطيرة ووخيمة على المستقبل السياسي للنظام . لذا ففي خطاب المسيرة الاخير ركز الملك على مغربية الصحراء مع تطوير اساليب الادارة بواسطة الجهوية المتقدمة ، وتجاهل خيار الحكم الذاتي الذي مات قبل ان يجف الحبر الذي كتب به ، بل ان خطاب المسيرة غطى حتى على خطاب افتتاح الدورة الخريفية التشريعية .
2 — ) السيناريو الثاني ، ان يستمر الستاتيكو ، وتستمر الحالة على ما هي عليه ، سواء بالنسبة للإدارة المغربية بالأقاليم الجنوبية ، او بالنسبة للعلاقة مع الجزائر العدو المفروض ، او بالنسبة للمواقف المعادية ، سواء على مستوى البرلمان الاوربي او بالنسبة للإدارة الامريكية ، او بالنسبة لمجلس الامن ومبعوثه الخاص الى المنطقة . ان هذا الستاتيكو سيعرف اجله يوما ما ، سواء بخرق وقف اطلاق النار الموقع سنة 1991 من احد الاطراف ، وغالبا سيكون البوليساريو ، او ان يعمد مجلس الامن ، إذا عجز في التوفيق وتقريب مواقف الاطراف ، ان يصدر قرارا بسحب المينورسو ، مع تحميل احد الاطراف المسؤولية في كل ما حصل . وهنا فان قرار مجلس الامن هذا سيكون بمن يصب الزيت في النار ، لأنها ستكون دعوة مبطنة لعدم الاستقرار والعودة الى سنوات السبعينات والثمانينات من القرن الماضي قبل توقيع اتفاق وقف اطلاق النار .
3 — ) السيناريو الثالث ، هو اعلان الحرب الشاملة بالمنطقة لخلط الاوراق ، وارباك الوضع ، ومن ثم خلق انقسام في المواقف بين اعضاء مجلس الامن من طرف مؤيد للمغرب ( فرنسا ) وآخر مؤيد للاستفتاء وتقرير المصير ( واشنطن ولندن ) ، وهو ما سيسمح لكلا الاطراف استعمال الفيتو لتعطيل اي قرار مضر بمطالب احد اطراف الصراع ( المغرب والجزائر والبوليساريو ) . ان هذا السيناريو غير وارد البتة ، لأن المغرب في اراضيه ومحصن بجيشه وشعبه ، وأية حماقة ستقدم عليها عصابة البوليساريو مستقبلا ستكون بموافقة الجزائر التي لا تستطيع في ظروف بوتفليقة المريض ان تدخل في حرب مفتوحة مع المغرب ، لأن هذا سيحملها المسؤولية الجنائية والمدنية ، ومن جهة ، فإذا لم تتوفر بعض المعطيات وتسمح بعض الظروف مثل توسيع رقعة المناصرين للبوليساريو ، وصدور قرارات من مجلس الامن تؤكد فقط على الاستفتاء دون اخذ بعين الاعتبار المقترحات المغربية التي بلغت اقصاها بالحكم الذاتي ، فان حتى البوليساريو التي تأتمر بأوامر عسكر الجزائر لن تستطيع القيام بحماقات عواقبها غير معلومة للجميع . لذا فان هذا السيناريو وفي غياب المعطيات الكافية يظل مستبعدا .
4 — ) السيناريو الرابع ، هو ان يلعب المغرب والجزائر كلاهما على الوقت لخدمة اهدافه والوصول الى مراميه . المغرب يراهن على الزمن الذي قد يفرز قيادة انفصالية جديدة تقبل بالحوار الذي يأخذ بعيد الاعتبار مصلحة الجميع ، في اطار لا غالب ولا مغلوب ، وما دام ان المشكل معقد اكثر من اللزوم ومن عدة واجهات فرضت نفسها في الساحة ، ويستحيل تغييرها او الرجوع فيها ، مثلا ما شيده المغرب في الاقاليم الجنوبية من مدن عصرية ، وهذا الحل لن يكون غير الحكم الذاتي اذا قبل به الانفصاليون ، والجزائر التي قد تراهن من جانبها على الوقت كذلك آملة في حدوث انهيار سياسي بالمغرب ، او حصول افلاس تام للاقتصاد بسبب الاستنزاف والتكاليف الباهظة التي تصرف في الصحراء . ان هذا السيناريو بعيد التحقيق لأن الجزائر التي تقيم حساباتها دائما على اساس المغرب الجار العدو ، شرعت منذ عشر سنوات في تنفيذ مشروع خطير بالمنطقة ، معتقدة انه الوحيد الذي سيجبر الرباط على الانسحاب من الصحراء ، ومن ثم تحقيق حلمها الازلي في الحصول على منفذ مطل على المحيط الاطلسي عقدتها النفسية بالمنطقة .
اذن ما هو المخطط الجزائري الذي يتم بهدوء وعلى مراحل ، وكل مرحلة تتقوى على المرحلة السابقة ، بسبب ما تمليه المعطيات الجديدة على الارض ، وما توفره ظروف الميدان من هفوات او اخطاء تسقط فيها الحكومة المغربية مثل طرد المغربية اميناتو حيدر من بلادها ، والسماح لها بالعودة تحت ضغط المنظمات الاسبانية والدولية .
1 — ) ان المرحلة الاولى من المخطط الجزائري تبدأ بالعمل وفي هدوء على توسيع قاعدة الانفصاليين الذين يتحركون طبق تعليمات الانفصاليين في تندوف .
2 — ) تحريض الساكنة على التظاهر بمناسبة او غير مناسبة ، خاصة عند زيارة المبعوث الشخصي للامين العام للأمم المتحدة ، او بتزامن انعقاد مجلس الامن حول الصحراء ، او بمناسبة زيارة وفود تمثل البرلمان الاوربي او منظمات حقوق الانسان الاوربية او الامريكية مثل مركز كينيدي لحقوق الانسان . ان الغرض من هذه الخرجات اعطاء صورة ، ولو كانت مشوهة للزائرين ، الذين غالبا ما يكونون متضامنين مع اطروحة الانفصال ، بان مطلب الصحراويين بحق الاستفتاء ، هو حق ديمقراطي تؤطره القوانين الدولية وميثاق الامم المتحدة . ومن ثم فان التواجد المغربي بالصحراء ليس اكثر من احتلال ، بدليل عرض النزاع كل مرة على اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار .
3 — ) تطور هذه الخرجات الى مظاهرات مصحوبة بالعنف المفرط من قبل الانفصاليين ، على امل ان تتحول المظاهرات حين تنضج بعض الظروف ، مثل تضاعف قاعدة الانفصاليين ، و الدعم الاوربي والأمريكي وبأمريكا الجنوبية واللاتينية والهند .. لخ الى انتفاضة ( شعبية ) عارمة لإضفاء الطابع الشعبي التحرري عليها تيمنا بالانتفاضة الفلسطينية . لهذا لا تتورع ولا تخجل الجزائر عندما تشبه البوليساريو ممثل ( الشعب الصحراوي ) بمنظمة التحرير الفلسطينية ، وتشبه الصحراويين المحتجزين بمخيمات تندوف بالشعب الفسطيني .
4 — ) تماشيا مع هذا التحول ، وأمام اشتداد الصراع ، فان الخطة اللاحقة هي ممارسة المقاومة المسلحة ( المشروعة ) ، حيث ستتحول العصا الى كلاشينكوف ، والحجارة الى قنبلة يدوية . وهذا يعني تزاوج الانتفاضة الشعبية مع المقاومين محترفي استعمال السلاح .
5 — ) وتماشيا كذلك مع هذا التحول ، الانتفاضة مع المقاومة ، لابد من توقع العودة الى حرب الاستنزاف التي سادت طيلة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي ، وذلك عندما سيعجز مجلس الامن والأمم المتحدة من ايجاد حل يرضي الطرفين معا .
6 — ) ان هذا المخطط الذي شرع في تنفيذه منذ عشر سنوات خلت ، وتعمل عليه الجزائر ليل نهار ، ليس غائبا عن ادهان الدول الغربية التي قد تستغله لفرض الامر الواقع على احد اطراف النزاع ، وبطبيعة الحال الطرف الضعيف في المعادلة . وما دام ان مجلس الامن ’يدلل قراراته دائما بالتنصيص على الاستفتاء وتقرير المصير ، فان الحل لأي حرب ستندلع من اجل الصحراء سيكون نموذجا لحل تيمور الشرقية ، وهو ما يعني فقدان القضية بسبب الدفاع عنها بواسطة محامين غير اكفاء .
اذن ما العمل للخروج من هذا النفق المنصوب ؟ :
1 – ) الاسترشاد والعمل بفتاوى الحسن الثاني بخصوص موقفه الوطني من قضية الصحراء المغربية ، لأن هذه ، اي الصحراء تعتبر صمام امان للمغرب ، لأن جميع السلالات التي حكمت المغرب جاءت من الصحراء ، وسقطت كذلك من الصحراء ، فلا بد من اغلاق الملف بما يوطد الوحدة الوطنية ويقويها ، وما دام ان الخصم الجزائري قد تورط في مستنقع يستحيل الخروج منه بسلام .
2 — ) تقوية الجبهة الداخلية بالتشبث بالقوى التي لها تمثيلية شعبية حقيقية ، وليس الكراكيز والكركوزات الذين افسدوا القيم والسياسة ، وأسسوا للرداءة التي ما بعدها رداءة .
3 — ) يجب على الملك ان يرتبط بالشعب الذي ابناءه الذين يكونون الجيش المغربي والدرك الملكي والقوات العمومية، وحدهم يموتون في الصحراء ، ويسجنون في سجون الجزائر والبوليساريو لمدد وصلت الى 26 سنة ، وليس آل الفاسي او الضريس الرديء تلميذ ادريس البصري والعصابة المافيوزية الظالمة والمعتدية والفاسدة المسئولة عمّا تعانيه القضية الوطنية منذ غير المأسوف عن ذهابه ادريس البصري والى اليوم .
ان الامور جد خطيرة ، واخطر ما فيها نهج اسلوب النعامة في التعاطي مع القضايا المؤثرة في مستقبل المغرب .
ابو نعمة نسيب – كريتيبا – البرازيل
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.