لعل انتهاج حكومة سويسرا لمبدإ “خالف لتذكر” هو الذي جعلها تتجاوز صلاحياتها، وتقفز على حجمها الطبيعي كدولة صغيرة لا تُستشار إذا حضرت ولا تُتذكر إذا غابت، حيث عرفت عبر تاريخها الحديث بدبلوماسيتها السلبية تجاه قضايا العالم، فأرادت اليوم، وبعد محاصرة بنوكها من قبل الحكومات المنبثقة عن إرادة الشعوب، وخاصة بعد موجة الربيع العربي، أن تجد لها شأنا تذكر فيه عبر وسائل الإعلام الدولية، لكنها لم توفق، حيث غردت خارج سرب المجتمع الدولي في قضية لم يجرؤ مجلس الأمن ولا الاتحاد الأوروبي، ولا الدول العظمى بشرقيها وغربيها أن يعلن فيها موقفا منحازا ضد المملكة المغربية.
فعلا، لقد أثبتت الدبلوماسية السويسرية أنها فاقدة للتجربة والحنكة والوعي بالوضع الدولي المعقد، وذلك حينما وجهت إعلانا إلى الدول الأعضاء في اتفاقيات جنيف لعام 1949، بما فيها المغرب، تخبرهم أن جبهة البوليساريو قد انضمت إلى الاتفاقية وتلتزم بتطبيقها، وهي الخطوة التي أغضبت المملكة وجعلتها توجه انتقادات لاذعة لسويسرا باعتبارها الراعية لهذه الاتفاقية.
وذكر بيان لوزارة الشئون الخارجية والتعاون المغربية بالمناسبة أن الرسالة الموجهة من وزير الشؤون الخارجية صلاح الدين مزوار إلى وزير الخارجية السويسري مفادها أن المغرب يستغرب من إقدام جنيف على هذه الخطوة وقبوله عضوية جبهة البوليساريو.
وتساءلت الرسالة الدبلوماسية الرسمية المغربية بلغة مستنكرة حسب البيان عن موقف الدولة الراعية للاتفاقية في حال تقدمت إليها مجموعة مسلحة غير نظامية، ولها ميول إرهابية وتمتلك تصورا منفردا عن تقرير المصير كما هو الحال بالنسبة لجبهة البوليساريو، تطالب بالانضمام للاتفاقية والالتزام بها، فهل سيتم قبول عضويتها؟
وطلبت المغرب من الحكومة السويسرية أن تعاين بشكل محايد وموضوعي مدى قانونية إعلان أي طرف انضمامه للاتفاقية قبل أن تعمم على جميع الدول الأعضاء خبر دخول عضو جديد، لتخلص إلى أن “الإجراء غير مبن على أسس قانونية وله خطورة سياسية” وفق تعبير الوثيقة الصادرة عن الدبلوماسية الرسمية المغربية.
واستند المغرب في تبريره لرفض انضمام جبهة البوليساريو إلى اتفاقية جنيف لحماية حقوق الإنسان الأساسية في حالة الحرب بكون المواجهة المسلحة التي خاضها المغرب ضد جبهة البوليساريو قد وضعت أوزارها قبل أكثر من ربع قرن، وأن “غياب الصراع المسلح يعتبر كافيا حتى ترفض الدولة الراعية للاتفاقية طلب جبهة البوليساريو الانضمام لهذا الميثاق الدولي”.
وأكد المغرب أنه لا يقف ضد أي جهة باستثناء الأطراف التي تعادي وحدته الترابية ، مشددا على أن الساكنة الصحراوية هي جزء أساسي من هويته وتعتبر رافدا مهما من روافده الثقافية، وعاملا في وحدته واستقراره ، كما استنكرت الرسالة أن يتم تصوير الساكنة الصحراوية ، وكأنها في صراع مسلح مع المغرب ووصفت ذلك بأنه دليل على “إطلاق الأحكام دون دراية بالأمور”.
واختتمت الوثيقة بانتقاد سويسرا التي “تجاوزت بشكل خطير صلاحياتها عبر قبولها إعلان جبهة البوليساريو الانضمام للاتفاقية”، وجددت التأكيد على أن المغرب يبقى الممثل الوحيد والشرعي للساكنة الصحراوية ، وبأن جبهة البوليساريو لا تتوفر على الشرعية الدولية وغير معترف بها أمميا.
لذلك، فمن اللازم تقديم حكومة سويسرا اعتذارا صريحا وسريعا إلى الحكومة المغربية، وسحب انضمام الانفصاليين المغاربة إلى اتفاقية جنيف لحقوق الإنسان، خاصة وأن سجلهم حافل بانتهاكات تلك الحقوق على مختلف المستويات، خاصة في مجالات التعذيب والخطف، ومنع ساكنة المخيمات من الاستفادة من حقهم الطبيعي في الصحة والتعليم، والولوج إلى مقتضيات ومتطلبات القرن الحادي والعشرين، وإجبارهم على البقاء تحت رحمة خيام لا تقي بردا ولا حرا ولا مطرا، يحصلون على مياه الشرب بشق الأنفس، ويجلبون قوتهم اليومي بصورة لا تحترم إنسانيتهم ولا براءة أطفالهم أو حرمة نسائهم أو وقار شيوخهم.
فمن الأفضل لسويسرا أن تعود لسابق عهدها، من خلال توفير ملاذات آمنة لثروات الأمم والشعوب، بدل المتاجرة بترويج المجرمين بحقوق أوطانهم، فتلك تجارة كاسدة عفى عليها الزمن، وتجاوزتها عجلة تطور ووعي الإنسان بحقوقه التي تسعى اتفاقية جنيف إلى صيانتها والذود عنها.
إسماعيل الرباني
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.