تعتبر قضايا العقار اليوم من بين الإشكاليات الاستراتيجية المؤسسة للفعل التنموي، إذ أصبح ينظر إليها كإحدى الركائز الأساسية التي تقوم عليها التنمية عموما والتنمية العمرانية على وجه الخصوص، ورافعة أساسية للتنمية المستدامة بمختلف أبعادها الاقتصادية، الاجتماعية، البيئية والعمرانية، ووسيلة أساسية لتنزيل المشاريع التنموية من خلال توفير الوعاء العقاري اللازم لإنجاز البنيات التحتية، المرافق، التجهيزات العمومية وتشجيع الاستثمار المنتج في شتى مجالاته.
انطلاقا من هذا المنظور يكتسي العقار أهمية بالغة من خلال ارتباطه القوي بإعداد التراب؛ وهو ما يعد بمثابة دعامة أساسية في تحقيق التنمية المستدامة والشاملة بمختلف مكوناتها ومرتكزاتها الترابية. إذ يعتبر إعداد التراب كسياسة عمومية تسعى إلى خلق الشروط الموضوعية لتنمية متوازنة للمجال الجغرافي للدولة، وذلك عبر التخفيف من الفوارق الجهوية والتحكم وضبط النمو الديمغرافي والهجرة القروية المكثفة وكذا التقليص من آثارها السلبية على المجالات الحضرية كالتوسع العمراني العشوائي. وكل هذه العناصر تصب في إطار إرساء توازن شمولي ومعقلن بين المجالين الحضري والقروي. من هذا المنطلق تتغيى السياسة العقارية التي تتبناها الدولة خلق توازن بين العرض والطلب والحد من المضاربة العقارية من خلال التحكم في أثمنة العقار، وبالتالي بلوغ حكامة عقارية مبنية على تخطيط عمراني عقلاني ومحكم وتحقيق تنمية ترابية مستدامة، تأخذ في الاعتبار العقار كركيزة أساسية لنجاح أي سياسة تعميرية، وأداة أساسية في تنفيذ السياسات العمومية، بل حجر الزاوية بالنسبة للمشاكل التي تثيرها مختلف التدخلات العمومية في مجال التدبير والتخطيط العمرانيين داخل التراب الوطني.
هكذا إذن يعد التحكم في العقار عاملا مهما في تنفيذ وثائق التعمير وبرمجة كل التصاميم التعميرية وتنزيل مشاريعها ومضامينها، وإذا كانت وثائق التعمير لم تعط النتائج المنتظرة منها، الوضعية المعقدة للعقار تعد أحد المعيقات الأساسية في المنظومة العقارية بالمغرب، والتي تطرح أكثر من إشكال أمام المخططين الذين يصطدمون بمجموعة من العراقيل والمشاكل التي تطرحها بعض الأنماط من الملكية العقارية خاصة منها الأراضي الجماعية، الجيش، الأحباس، الأوقاف.
ترتيبا لما سبق فإن التحكم في المجال من أجل تنظيمه وتوجيه التوسع العمراني وتخطي الصعوبات العقارية فإن الأمر يقتضي:
ضرورة استحضار البعد العقاري في التخطيط العمراني، حيث يصبح من اللازم القيام بدراسات عقارية إما سابقة لوثائق التعمير أو بشكل مواز لها، حتى نتفادى مختلف العراقيل التي تشوب تنزيل و تنفيذ المقتضيات المسطرة ضمنها.
تعزيز الجهاز المؤسساتي المحلي وذلك بتقوية الوكالات العقارية باعتبارها فاعلا محليا بمجال العقار من خلال اضطلاعه بأدوار التهيئة وكذا خلق بنك معطيات خاص بالعقار المحلي وتحديد نوعيته.
التخلص من الازدواجية انطلاقا من مراجعة القوانين المؤطرة للعقار عبر جعله في خدمة التعمير ورفع الحواجز التي تجعله معيقا للعمران والاستثمار.
الاهتمام بالاحتياطات العقارية نظرا لوظيفتها وقيمتها في الحفاظ على التوازن بين العرض والطلب، والحد من المضاربة العقارية من خلال استراتيجية واضحة المعالم تهدف إلى تدبير التدخلات في الميدان العقاري خصوصا من لدن الجماعات المحلية.
ونظرا للأهمية البالغة التي يكتسيها العقار في تنظيم المجال والتخطيط العمراني، وكذا إلمامنا بأهمية الإشكاليات التي أصبحت تقف أمام منظومة التخطيط والتنظيم المجالي بالمغرب، سعى المنظمون من خلال الندوة إلى تحقيق الأهداف التالية:
توسيع النقاش والفهم في التوجهات التي تؤسس لخلق تكافؤ مجالي في إطار التحولات التي يشهدها مجال العقار بالمغرب
ومنح فرصة للطلبة الباحثين للاستفادة من خبرات و تجارب الأساتذة في هذا المجال وتعميق الفهم حول المنهجيات والمناهج المعتمدة من طرف الأساتذة الباحثين.
كما شكل هذا اللقاء العلمي التواصلي مناسبة لمشاركة أفكار الأساتذة و الباحثين وتقديم واقع المجال الذي يعيشون ومحاولة ربط ما هو ميداني ومنهجي وتحليلي. ومواكبة سيرورة تطورات وتحولات مجال العقار بالمغرب بعد التغييرات التي لحقته في إطار مستجدات المسألة العقارية وإعداد التراب بالمغرب.
كما ركزت الندوة على المحاور العلمية والتقنية حيث انكب الملتقى الوطني الثاني على مقاربة موضوع المسألة العقارية وإعداد التراب: نماذج و مقاربات، من خلال مجموعة من المحاور التي أطرت الحوار و النقاش الجاد الفعال و تبادل الآراء و الأفكار بين جل المتدخلين والمشاركين في إطار جلسة عمومية تتسع فيها ورشات موضوعاتية:
العقار و التدبير: الآليات القانونية و التجليات المجالية،انطلاقا من القفزة القانونية التي يعرفها العقار، و نظرا لارتفاع قيمته و حدة المضاربة العقارية، ثم التحولات المجالية التي تعرفها المدن المغربية… جاء تناول هذا المحور المرتبط بالعقار والتدبير، لتعقد المساطر القانونية وصعوبة توظيفها واستثمارها لخدمة قضايا التعمير، كذلك للبحث في مدى تأثير العقار على تصور ودينامية المجال، ومدى خدمة التدبير الاداري للعقار وللتطورات التي تعتري المجال الجغرافي المغربي سواء كانت اقتصادية أو سسيومجالية.
العقار والعدالة السوسيو مجالية: الطموحات و الإكراهات، يطرح العقار مجموعة من الإشكالات مرتبطة على وجه الخصوص بالفقر، الإقصاء، التهميش و الفوارق المجالية الصارخة بين مختلف كيانات التراب الوطني، لا سيما عند الحديث عن الإعداد و التهيئة المجالية وكذا ضمان العدالة في توزيع البنيات التحتية والمرافق السوسيو اقتصادية… و يعد العقار من بين الآليات الأساسية في تفعيل و تطوير النسيج العمراني و تنمية المجالين الحضري و القروي، لكن ذلك لن يتأتى إلا بنظرة واضحة للإكراهات التي تطرحها المسألة العقارية بالمغرب.
حكامة العقار في قضايا التعمير و التخطيط العمراني، حيث تهدف سياسة الدولة في مجال العقار والتخطيط العمراني إلى تخطيط وتطوير منظومة التوسع العمراني وفق عدة ضوابط وتنظيمات قانونية، وتحقيق فعالية في هذا المجال، من خلال مساهمة وثائق التعمير الأساسية في مواكبة التطورات المجالية والسوسيومجالية. ففي ظل وضعية المقاربة العقارية الصعبة والمعقدة اليوم، كان لزاما على الفاعلين والمتدخلين في المجال توحيد الرؤيا و خلق انسجام وفق المقاربة التشاركية و الإسهام في خلق تناغم مجالي في التصورات والاستراتيجيات بهدف تحصيل تعمير منسجم ومندمج وسياسة إعداد التراب.
تم أن تطلعات الدولة في السياسة العقارية لخدمة التنمية الترابية، ترمي الدولة من خلال المسألة العقارية وإعداد التراب الوطني إلى تجاوز مختلف الاختلالات والإكراهات المرتبطة بالعقار انطلاقا من مقاربة تشخيصية واستشرافية تستحضر الإشكاليات العقارية بتشخيص لواقع الوعاء العقاري و آفاق إصلاحه خدمة للتراب الوطني. كما أن الأمل معقود على الفاعلين و المتدخلين في بلورة سياسة عقارية مندمجة و شاملة ترمي إلى تحقيق تنمية سوسيومجالية مستديمة بكافة ربوع المملكة.
خريبكة :سعيد العيدي
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.