استقبل جلالة الملك محمد السادس نصره الله قبل قليل سعد الدين العثماني رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية وكلفه بتشكيل الحكومة التي فشل فيها سلفه بن كيران وتعطى العثماني فرصة لتشكيل الحكومة.
نبذة عن حياة العثماني
ولد سعد الدين العثماني في يناير 1956 هو ابن لعائلة أمازيغية عريقة من مدينة إنزكان المجاورة لأغادير (حوالي 600 كيلومتر جنوب الرباط) في منطقة سوس، وهي عائلة وصفها العلامة محمد المختار السوسي بأنها ثانية أسرتين في المغرب تسلسل فيهما العلم أكثر من ألف سنة، وأفرد لترجمتها نحو 160 صفحة في كتابه الموسوعي “المعسول”، عدد فيها مناقبها في العلم والوطنية.
سعد الدين العثماني كان أبوه الشيخ “إمحمد العثماني” أحد أهم المراجع الدينية لأهل سوس، وقد اشتهر بجهوده من أجل إصلاح التعليم بالمدارس الدينية وبعث التراث الإسلامي الأمازيغي، ظل لسنوات طويلة يقدم برنامجا في الفتوى والتفسير باللغة الأمازيغية في الإذاعة الوطنية، وكان من أوائل من التحقوا بدار الحديث الحسنية وتخرجوا فيها، وقد اطلعت على رسالته بالغة الأهمية التي طبعتها مؤخرا وزارة الأوقاف في المغرب وكانت عن “ألواح جزولة والتشريع الإسلامي : دراسة لأعراف قبائل سوس في ضوء التشريع الإسلامي”، وهي رسالة أثبت فيها أن هذه المنطقة كانت تخضع في أعرافها وتشريعاتها المحفوظة على الألواح للشريعة.
ويتيح هذا العرض لنا أن نفهم خصوصية شخصية العثماني وتجربة الحركة الإسلامية المغربية فيما يتعلق بلغم الأمازيغية وقضية التنوع العرقي واللغوي عموما والتي تبدو من أهم المشكلات التي واجهت الدولة الوطنية الحديثة والتي فشل الإسلاميون -بشيء من التعميم- في تقديم إجابة مقبولة عنها، وهو ما يمكن أن ينجح العثماني فيه.
العثماني ومعظم قيادات وكوادر العدالة والتنمية وربما بقية التنظيمات الإسلامية الأخرى -مثل العدل والإحسان ومرشدها عبد السلام ياسين- من أصول أمازيغية، ومن ثم فمشكلة التعدد والتنوع وحقوق الأقليات اللغوية والعرقية لا تمثل لهم هاجسا كالذي تعانيه بقية الحركات الإسلامية في البلاد العربية الأخرى بما فيها جارتهم الجزائر، وهو ما أتاح لهم تفكيك هذا اللغم ومنع مصادرة هذه القضية لمصلحة التيار العلماني التغريبي، لذلك كان إسلاميو المغرب أقدر التيارات السياسية على إدارة هذا الملف بما يعيد بوصلة الحركة الأمازيغية إلى الداخل بعيدا عن الاحتماء بالخارج، في ظل توافق عام مع جميع التيارات الأخرى على حماية ورعاية التنوع والتعدد ضمن وحدة التراب المغربي.
ولم يجد سعد الدين في لفتة بالغة الدلالة أن يفتتح كلمته في مؤتمر لأحد الأحزاب الأمازيغية بتحية الحضور بكلمات أمازيغية (آيتما أستما)، ولم يتوقف عن الابتسام وهو يحصد تصفيقات حارة من المؤتمرين الذين أسعدتهم الحروف الأمازيغية وهي تخرج من فم ممثل “الحزب المحافظ” الذي كانوا يخشون مواقفه من “قضيتهم”.
بدأت علاقة العثماني بالحركة الإسلامية في بداية السبعينيات، وهو لم يزل طالبا في ثانوية عبد الله ياسين، كانت البداية باطلاعه على كتابات سيد قطب ورسائل حسن البنا التي أصلت عنده مبدأ ضرورة الانخراط في عمل إسلامي حركي منظم ففكر وصديقه عبد الله بها (نائبه الحالي في الأمانة العامة) في إنشاء “جمعية الشبان المسلمين” في مدينته إنزكان، غير أن انتقاله للدراسة في كلية الطب في الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية (تخرج فيها سنة 1986) فتح أمامه أبواب العمل الإسلامي على مصراعيها فانخرط في جماعة التبليغ ثم التحق سنة 1978 بجمعية الشبيبة الإسلامية التي كان يتزعمها عبد الكريم مطيع.
وفي هذه المرحلة كانت الحركة الإسلامية على موعد مع أزمة فارقة وتاريخية تتعلق بالموقف من العنف بعدما نسب إلى الشبيبة مسئولية قتل القيادي الاشتراكي عمر بن جلون، فقد شعر العثماني -وهو شديد الحساسية في اشتمام رائحة السفن الغارقة- مع رفيقيه عبد الإله بن كيران وعبد الله بها وآخرين بتشوش رؤية مطيع ومنهجه فتبرءوا علانية من حركته الشبيبة الإسلامية، وأعلنوا تأسيس الجماعة الإسلامية سنة 1981 وهي نفس السنة التي تعرضوا فيها للسجن مدة تزيد عن شهرين دون محاكمة، ولم يجدوا حرجا في أن يعلنوا في بيان على لسان بنكيران من داخل السجن الطلاق التام مع تجربة الشبيبة، ولم يقع العثماني ورفاقه -كما وقع نظراؤهم في بلاد أخرى- في خطأ المراوغة، وعدم الوضوح والحسم في إدانة العنف.
لم يضيع العثماني الوقت بعد خروجه من السجن فعكف على إعداد “ميثاق الجماعة” وكرس جهده لتأصيل التوجه الجديد الرافض للعنف والقطيعة مع المجتمع، ويبدو أن ما لحق باسم الجماعة الإسلامية في أكثر من بلد من تهم بالحق والباطل كان سببا في تغيير اسمها عام 1991 لتصبح “حركة الإصلاح والتجديد”، ثم “حركة التوحيد والإصلاح” بعدما توحدت مع رابطة المستقبل الإسلامي سنة 1996 وهي الوحدة التي كان من أبرز مهندسيها.
كما يذكر للعثماني أنه كان من أبرز مهندسي الانتقال الآمن بالحركة الإسلامية من العمل الدعوي الفكري إلى العمل السياسي المباشر، فقد كان ممن قادوا الاتفاق مع الدكتور عبد الكريم الخطيب لاحتضان حزبه (الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية) لأبناء الحركة الإسلامية، وحين عقد المؤتمر الاستثنائي للحزب سنة 1996 اختير العثماني عضوا بالأمانة العامة، ثم عين مديرا للحز ب سنة 1998، وانتخب في المؤتمر الرابع سنة 1999 نائبا للأمين العام قبل أن يتم انتخابه بعد أربع سنوات من ذلك أمينا عاما للحزب بأغلبية مطلقة المؤتمر الخامس الذي عقد في إبريل 2004. وكان العثماني صاحب جهد بارز في إقناع الإسلاميين بجواز التحول للعمل السياسي فضلا عن جدواه، ولم تزل الحركة تذكر له -عام 1997 عندما كانت تتأهب لخوض أول انتخابات رسمية- كتابه “فقه المشاركة السياسية عند شيخ الإسلام ابن تيمية” الذي كان له ولمقالاته “الفقه السياسي والفقه الدعوي” تأثير بالغ الأهمية في تأصيل هذا التوجه ودعمه ضد أجنحة أخرى بالحركة كانت رافضة للعمل السياسي الحزبي.
وفي كل هذه الانتقالات والتحولات والتحالفات استطاع العثماني بهدوئه وقدرته على التحكم في انفعالاته أن يبقى صديقا لرفاقه القدامى في الإصلاح والتجديد، وأن يحافظ على علاقات متينة مع القادمين من رابطة المستقبل الإسلامي، وأن يستوعب الحزبيين من خارج الحركتين على رغم الخلافات الحادة بين هذه الأجنحة والتيارات، وقد ظهر ذلك واضحا في فوزه المكتسح بانتخابات الأمانة العامة التي حصل فيها على 1268 صوتا من أصل 1595 في حين لم يحصل رفيقه عبد الإله بن كيران إلا على 255 صوتا فقط، فقد بدا أن الرجل موضع إجماع من الفرقاء الإسلاميين، ومحل قبول من فرقاء المشهد السياسي والحزبي الذين اقتنعوا بأصالته في العمل السياسي فلم يروا فيه طارئا على المسرح السياسي ككثير من الإسلاميين الذين ما زالت صورتهم في الحياة
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.