بقلم .. فؤاد عارف
واشنطن – ترجم إفلاس عقيدة النظام الجزائري، في سياق يتميز بضعف مؤسساتي كبير على الساحة الإفريقية، باندحار صارخ باعتراف صريح من الوزير الأول الجزائري، عبد المالك سلال، الذي لفت الانتباه إلى تراجع المبادلات الجزائرية مع البلدان الإفريقية، في وقت يواصل فيه المغرب امتداده على مختلف المستويات بالقارة دون أي تمييز جغرافي كان.
وأثارت الاستراتيجية المغربية بالقارة الإفريقية، تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أعصاب النظام الجزائري الذي يسعى أزلامه إلى إخفاء خلافاتهم بشأن ضمور النفوذ الجزائري بالقارة السمراء، كما يتضح ذلك من الحضور الهزيل للمنتدى الإفريقي للاستثمار نهاية الأسبوع الماضي بالعاصمة الجزائر.
واختارت الصحافة الجزائرية، بنوع من الوضوح والرصانة غير المعتادة، وصف اللقاء ب”الفشل الذريع” الذي “شوه صورة الجزائر” بعد أن اختار الوزير الاول مغادرة القاعة مباشرة بعد إلقائه الخطاب بسبب “التوترات بين أعضاء من الحكومة ورئيس منتدى رؤساء المقاولات”.
وأضافت الصحافة الجزائرية أن “ضعف تماسك” النظام الجزائري تجسد أيضا من خلال العلاقات المتضاربة بين وزير الشؤون الخارجية، رمتان لعمامرة، وزميله المكلف بالشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية، عبد القادر مساهل.
وأمام الهشاشة المؤسساتية والانتظارية القاتلة بالجزائر، حذر صناع الرأي العام الأمريكي من مستقبل قد يكون “معقدا”، وأن الانتقال السياسي “من المحتمل أن يكون عنيفا”، خاصة مع تجاهل مخاطر “الغوص في الماضوية” و”الإحباط والسخط الشعبيين”.
ولعل مستقبل المؤسسات الجزائرية يبدو معقدا وسط الانقسامات القائمة بين مختلف مراكز السلطة، كما أبانت ذلك الخلافات الناجمة عن تراجع النفوذ الجزائري بالساحة الإفريقية، أو بخصوص الطريق الذي ينبغي سلكه لإخراج البلاد من الأزمة المؤسساتية المزمنة، وتجنب انتقال سياسي “يحتمل أن يكون عنيفا”.
وتسبب الغموض وانعدام الوضوح المؤسساتي، خصوصا على مستوى الخلافة في قمة هرم الدولة، إلى جانب عدم تجديد الطبقة السياسية، في عودة “شبح انتقال غير متحكم فيه مع احتمال أن يكون عنيفا بين الأجيال السياسية” للبروز من جديد.
ولاحظ المراقبون الأمريكيون أن انهيار أسعار النفط قد لا يكون الخطر الوحيد الذي تعاني منه الجزائر، موضحين أن الانتاج الاجمالي للبترول والغاز كان بالفعل في انخفاض، وأنه منذ سنة 2006، ساهم الإنتاج المنخفض، وركود الاحتياطات والارتفاع المسجل في الاستهلاك المحلي، في تقليص حجم صادرات المحروقات.
وفي مقال تحليلي نشره مركز التفكير الأمريكي المرموق (كارنيغي إندومنت فور بيس) تحت عنوان “الممارسات العتيقة المحفوفة بالمخاطر للنظام الجزائري”، اعتبرت إيزابيل ويرينفيلز، مديرة قسم الشرق الأوسط وإفريقيا بالمعهد الألماني لشؤون الأمن الدولي، أن هذا “الوضع الخطير يغوص بالجزائر في مفارقة تاريخية مزمنة، موضحة أن “أي احتمال للإصلاح يظل مستبعدا” في ظل الانقسامات العميقة داخل الطبقة السياسية ومراكز السلطة بالجزائر.
وأوضحت أن هذه “الانقسامات تخترق حزب جبهة التحرير الوطني، وفروعه، ومجموع الأسرة الثورية، وكذا اللوبي الاقتصادي الذي يشكله منتدى رؤساء المقاولات”.
ولاحظت أن سكان الجزائر “منشغلون بالاستقرار، ومتخوفون من عودة عنف سنوات التسعينيات”، مضيفة أن التحديات التي يتعين على الجزائر مواجهتها تتمثل في “النزاعات الإثنية وعدم الاستقرار الاجتماعي، مرورا بالتهديدات الأمنية (…) وتقلبات أسواق النفط العالمية، وهي عوامل تهدد أكثر فأكثر سياسة الحكومة القائمة على شراء الولاءات من أجل إسكات الاحتجاجات الاجتماعية”.
من جهتها، أشارت صحيفة (نيويورك تايمز) إلى المناخ السياسي بالجزائر، الذي يشهد “سخطا” و”إحباطا” شعبيا، خاصة وأن معدل البطالة وصل إلى 30 في المئة.
ويبدو أن إفلاس عقيدة النظام الجزائري نابع من ذات العقيدة التي تجثم على أنفاس الجزائريين، فالنظام متيقن من أن أي انفتاح قد يكون قاتلا، والتمسك بالمبادئ الماضوية لسياسته الإقليمية والإفريقية تدل على حالة نظام يسير نحو الهاوية، بسبب تناقضاته الذاتية الداخلية.(و م ع)
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.