توارثت مكناس مقولة ” بين مهرجان ومهرجان يولد مهرجان مستحدثة “. هو ذا الفعل الثقافي والفني والإشعاعي الباهت الذي يتم الترويج له بمكناس المدينة العالية المنسية .
مهرجانات وأسابيع ثقافية تناسلت كالفطر في الظل، واستحوذت بالوصاية على شبكة الحركة الثقافية والفنية بالمدينة . لنتفق أولا منذ البداية بأن غاياتنا الأولية ليست في نقد المهرجانات والتجريح في منتجوها الاستعراضي . وإنما نروم إلى حلحلة وضعية مهرجانات مكناس الأدبية والفنية والثقافية ، ثم وضع اليد إن أمكننا على القيمة التحسينية المضافة إلى المدينة بفعل تعدد المهرجانات بمتتالية ادفع .
إننا أمام وضعية غير صحية تتمثل في تخمة مزمنة من المهرجانات والأسابيع الثقافية وتلاحقها بالتزاحم والتدافع . تخمة أصابت الساكنة بالإسهال فانتكص حضورها بالقلة ضمن النخبة المستهلكة للفعل الثقافي والفني بالمدينة . مدينة لم يستطع أي مهرجان ببرنامجه الكمي وحجمه المادي من تسويق منتجوها الفني /الحضاري والثقافي /الأدبي إلى عموم ربوع الوطن وغيره ، بل أصبحت المدينة تستهلك بالتصفيق والصورة ما ينتج خارج أسوارها وتحتفي به وتركب على قصبة السبق و البهرجة . أسابيع ثقافية ارتكزت مركزية الوصاية القبلية على مستهلكي منتوجها الفوقي بالتوجيه والتقرير، والدفع بهم إلى الشطيح وصخب الأبواق المدوية التي تصك الآذان ،وتخلط بين الفن الرزين/الملتزم والثقافة المستهجنة . هنا انتقلنا من مفهوم المهرجان الثقافي المرتكز على مؤشرات ثقافية وجمالية يراد امتلاكها عند المتلقي ، إلى مفهوم حج المواسم والخروج إليها قبائل وجماعات بغاية الاستعراض الجسدي الشكلي .
قياس نجاح المهرجان ليست في تسميته ولا في الفرق المشاركة فيه ولا في الأنشطة المندمجة ضمن فعاليات أيامه ،ولا حتى في حقيبة مانحي الدعم المادي ، بل النجاح في الكم العددي لمستهلكي منتوج المهرجان والاقتناع به بالإرتباط والانخراط ، في الإضافة النوعية كقيمة محسوبة لأثر البعد الثقافي والأدبي والفني المستهدف بالترسيخ من برنامج وأنشطة المهرجان ، في تلميع صورة مكناس محليا وجهويا ووطنيا ولما لا نرتقي بقولنا إلى تسويقها عالميا . هي ذي القيمة المضافة التي نبحث عنها وفقدناها بتعدد المهرجانات والأسابيع الموسمية والتي غطت شهور السنة بالتزاحم .
هل نبتغي مدينة سياحية وفنية وقطب ثقافي ؟ هو طموحنا الجماعي الموافق لسلطة الإدارة الولائية ، لكنه سؤال ماكر ويزداد مكره عندما يسوق المهرجان تحت جبة السياسة الفاضحة وغيرها . فضجة المهرجانات تنتهي بالتكريمات والشواهد التقديرية والموائد المستديرة في أفخم فنادق المدينة بما لذ فيها من أكل وطاب من مشروبات … وكأننا نسوغ لأنفسنا شرعنة الاحتفاء بذواتنا بوجود الآخر الضيف القادم إلى المهرجان عبر محاباة الاستدعاء بنصب حرف “إن ” …
في مكناس أصبحت لنا مهرجانات عائلية ، وهي القيمة الدخيلة إلى المدينة عنوة . مرة بالإرضاءات والتوافقات ،ومرة ثانية بالتحالفات السياسية والعائلية ، ومرة ثالثة بتذويب جليد الركود الحياتي بالمدينة . فقبل الإعلان عن موعد المهرجان تستنفذ الدعوات بكاملها حسابيا ، حيث تصطف نفس الوجوه في المقاعد الأولى جلوسا ، وتشعل الفرجة لهم بالترحيب والتهليل …
مدينة لا تضم حتى مسرحا يليق بقيمتها التاريخية وتموقعها الوطني ، وأملنا قائم في تفعيل خطة استراتيجية “مكناس الكبير” في إنشاء مسرح بقيمة مكناس الاعتبارية. كل المهرجانات تصب أنشطتها في قاعة الفقيه محمد المنوني الثقافية ، قاعة بحجمها الأصغر يلقي بأبناء الشعب ” المحكور ” بالإقصاء بين أيدي الأمن الخاص الشداد الغلاظ … وكأن فقرات المهرجان فصلت وصففت لأصحاب الدعوات وعطرهم الفواح من باب القاعة إلى منصة التقديم . لا عليكم ، فنحن لا ندفع بالحقد الاجتماعي إلى الأمام وإنما غايتنا الفضلى معاملة المواطن بالمناصفة والعدالة وسن المشط يستو فيه الجميع في حجم طوله .
إن سنوات الإحراج الذي مورس على قيمي المهرجانات المتعددة من قبل الإعلام المحلي حول عملية إقصاء عموم المواطنين – بنية أو بغيرها – من الاستفادة من عروض المهرجانات ، جعلت من القيمين على المهرجانات يلجؤون إلى ساحات القرب (ساحة الهديم ) وفسح الحدائق المفتوحة (مسرح الحبول الروماني / حديقة الشباب)، إنها الحلول الآنية والإستعجالية للقفز عن الانتقادات المدوية غير ما مرة في كل مهرجان ولن تنفك إلا بإقامة مسرح يجمعنا كلنا باختلافاتنا .
الآن وفي ظل الجهوية المتقدمة وفقدان مكناس لمركزيتها الإدارية والتدبيرية ، لما لا يتم التخطيط لعقد مناظرة محلية ؟ لا يهم تسميتها بالمناظرة أو اليوم الدراسي أو المائدة المستديرة . بل الذي نطمح إليه هو ترك خلافاتنا السياسية والمذهبية جانبا ولو ليوم واحد والبحث عن سبل نهضة فنية /ثقافية/ أدبية تحدث طفرة نوعية بالمدينة وتفك طلاسم سحر الركود و إبعاد كبار سحرة فرعون /اللوبي عن التقرير في مصير مدينة . ليست هذه الخطوة دعوة مثالية بل هي الخطوة الأولى للوقوف قياما بعد حبو المهرجانات المتكرر ، وفساد الحصيلة الايجابية لها باللغو المتكرر .
المدينة تفقد بريقها … المدينة سحبت منها دورة المسرح كتقليد إقليمي ومنحت إلى مدينة الحمامة … المدينة لا تخاطب أهلها بتنوعهم العمري والثقافي (اللغوي) … المدينة تحتضر وموتها اشتد وقعه في حلقومها . هي عبارات سئمنا من سماعها واستهلكناها ونغصت علينا طيبة الحياة بمكناس ، لنعلن أن وقت الركوب عليها لتبرير مهرجانات التدافع والأسماء انفض وانتهى …
إننا الآن في مكناس بتنا من أصحاب الأعراف ، والخير الأولي في توافقنا الجماعي عن معايير جنة مكناس المدينة التي نرتضيها لنا جميعا ، وبدون إقصاء أو مزايدات سياسية . جنة تحسن ملمح المدينة بتمامه المجالي ، فهذا المسعى لن يتحقق إلا في نهج مسلك نبذ خلافاتنا الداخلية ، لن يتم إلا بتفكيرنا الجماعي التوافقي بصوت عال /علني ، لن يتم إلا في خلق كثلة واحدة للمهرجانات بالتشبيك والتقليل من كثرتها الجمعية التي لا تغني من قيمة مدينة .
خلق قطب مهرجانات تتوزع بالجدولة الزمانية هو مطلبنا الجماعي والذي أضحى السماع إليه واجب إقليمي ، مهرجانات تحترم المتلقي المستهلك في عمره الزمني ومورده الثقافي وانشغالاته الفنية/ الترفيهية . إنها الثورة على سكونية المدينة وموروثها المتهالك بالنسخ الكاربوني فوق منصات العروض .
لما لا نقف ولو لمرة واحدة أمام مرآة تقويم أثر حصيلة مهرجانات /أسابيع/ مواسم/ أيام مكناس .وما المكسب المادي واللامادي منها .فلا السياحة حطمت ذروتها بالمدينة أيام أسابيعها الثقافية ، ولا فعل ثقافي وازن رقى المدينة إلى تسويق علاماتها الحصرية إعلاميا ، اللاءات كثيرة بمكناس ونحن في انتظار قطار التغيير وتوزعنا بين محطة الأمير والمحطة الرئيسية في اتجاه جهة فاس /مكناس .
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.