عادة ما يكون الخطاب الملكي السامي يحمل إشارات قوية و مباشرة وأخرى غير مباشر لأكثر من مؤسسة من مؤسسات الدولة، والتي لها ارتباط بالمعيش اليومي للمواطن والمواطنة المغربيين أو مستقبلهما نحو التنمية والرفاهية والعيش الكريم والمساواة والحرية والكرامة ، ما دامت سلطته دستوريا تعتبر الراعية للدولة وبقائها واستمرارها، والحافظة على أمنها وسلامتها واستقرارها ، وما دام يمثل وحدة المغاربة ومجمع كلمتهم وصفهم…
لهذا كله فلا بد أن يكون للخطاب الملكي السامي ليوم الجمعة إبان ترأسه لافتتاح السنة التشريعية الجديدة لدورة الخريف ، خطة طريق سديدة للحكومة الجديدة، وذلك بعدما أن حسمت الانتخابات التشريعية الأخيرة لولاية ثانية لحزب العدالة والتنمية بأغلبية 125مقعدا وهي سابقة من نوعها في عهد الحكومات المغربية، وذلك في إطار الدستور المغربي الجديد لسنة 2011 وإعطاء رئيس الحكومة الحالية صلاحيات واسعة في تدبير الشأن العام في أكثر من قطاع حيوي، للسهر على السير العادي لجميع المرافق والمؤسسات العمومية والانعكاف الضروري على تطويرها وإصلاحها وتنميتها مستقبلا خلال هذه الولاية الجديدة.
ولعل الإشارة القوية والضاغطة التي وجهها ملك البلاد هذه المرة للمؤسستين التشريعية والتنفيذية وباقي المجالس المنتخبة والمصالح الجهوية للقطاعات الوزارية والمصالح المركزية والإدارة الترابية.
و هي أزمة القطب الإداري ببلادنا وما يعرفه من تخلف على أكثر من مستوى، وهو التخلف الكبير الذي ما زال يعاني منه في غياب انفتاحه الكامل على كل المستجدات في مجال التحديث الإداري، ودمج المعلوميات والتوفر على بنك معلومات إدارية تسهل على المشتغلين بالقطاع السرعة في الأداء وتبادل المعلومات والجودة في تقديم الخدمات العمومية والإدارية للمواطنين والمواطنين، والعمل على تطوير الكفاءات البشرية وباقي الموارد البشرية الأخرى المشاركة في تدبير الشأن الإداري من تكوين مستمروغيره ، وبحكامة وتدبير عقلاني محكم لكل العناصر المتدخلة في الإدارة المغربية، وحتى تقدم هذه الأخيرة خدماتها المستقبلية بكيفية جديدة، وبحلة تليق بها في زمن الثورة المعلوماتية عالميا، وهيمنة لغة السرعة الفائقة في كل أشكال التواصل البشري. ويتم القضاء كذلك على كل ما من شأنه أن يكون سببا في تعطيل حقوق المواطن والمواطنة المغربيين وهما متواجدان بأي مرفق عمومي أوشبه عمومي أو خاص، والقضاء على كل أشكال الزبونية والمحسوبية والرشوة، والتخفيف على المواطن والمواطنة أتعاب التنقل والسفر والترحال عبر المدن والإدارات للحصول على وثيقة ما، في زمن التواصل الرقمي والمعلومياتي السريع، و بسرعة فائقة ودون معاناة يومية مع سلوكات إدارية تقليدية وقديمة ومتخلفة جدا، قد أكل عليها الظهر وشرب، وما دامت الإدارة تعتبر القلب النابض والمحرك الدينامي لأي تنمية مستدامة على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها..
فالنسق الإداري دائما له تأثيره البليغ إيجابيا أم سلبيا على باقي الأنسقة الحيوية الأخرى للمجتمع، وأي عطب أو خلل كيفما كان نوعه يصيب الجسم الإداري يكون له انعكاساته السلبية على باقي الأنسقة المتفاعلة معه كالنسق الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتربوي وغيره.
لهذا فالإشارات القوية الموجهة لحكومة بنكيران المنتهية ولايتها هي أن الأزمة والوضع المتردي للإدارة المغربية قد تم تغييبه بشكل من الأشكال في البرنامج الحكومي السابق، وإنها لإشارات قوية لرئيس الحكومة من جديد أن ينعكف على إصلاح الفساد المستشري بجميع مرافقها بأكثر من قطاع حيوي وعدم التركيز مرة أخرى على خطاب سياسي وأيديولوجي ظل يحمل نبرة حزبية والتركيز على المصالح الحزبية، وتعطيل المصالح العامة للبلاد بصراعات لا تفيده في معيشه وتنميته بل تزيد في تخلفه وتفقيره، خاصة ونحن الآن قد قمنا بتنزيل الجهوية الموسعة على أرض الواقع، والتخلص من كل أشكال التمركز وتقريب الإدارة من المواطنين لتسريع وثيرة التنمية المحلية والجهوية كما هو معمول به في الدول المتقدمة و المتحضرة من دول المعمور.
وبذلك يكون ملك البلاد قد وضع من خلال إشاراته القوية في الخطاب السامي الأصبع على أحد المرافق العمومية والمهمة جدا في الحياة العامة للمواطنين والمواطنات وهي الإدارة والتي عادة لايعطيها المسؤولون أية أهمية بليغة في مشاريعهم رغم خطورتها كأخطبوط يتحرك في أي اتجاه ولا إصلاح يذكر في غياب إدارة عمومية في المستوى تواكب عصرها .
وبذلك يكون ملف الإدارة قد تمت إضافته إلى الملفات التقليدية الأخرى والتي عادة ما يكون لها السبق في أي طرح أو مناقشة عمومية على صعيد المؤسسات التشريعية بالبلد كالتعليم والصحة والشغل +الإدارة كملف ثقيل آخر يحتاج للإصلاح مستقبلا رغم بعض الإصلاحات التي تبقى دون جدوى كالشباك الوحيد لمعالجة المشاكل التي تواجه الاستثمار وعلاقة المواطن بالإدارة وتبسيط المساطر وتشجيع الاستثمار.
كتابة بقلم :ع الرحيم هريوى
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.