كما لو أن الحرب في سوريا ليس لديها ما يكفي من المقاتلين، دخلت دولة أخرى إلى ميدان القتال. ففي الرابع والعشرين من غشت الجاري أرسلت تركيا إلى حدودها مع سوريا دبابات وطائرات حربية وجنودا من القوات الخاصة لغاية طرد قيادة تنظيم الدولة الإسلامية من مدينة جرابلس التي تعد ملتقى إمدادات مهما بالنسبة للجهاديين. ومن المعلوم أن هذه المهمة العسكرية الموكولة لتركيا تحظى بدعم من أمريكا التي تقود تحالفا عسكريا مضادا لداعش، إلا أنها تثير بالفعل قلقا داخل سوريا التي مزقت أوصالها الحرب الأهلية المشتعلة منذ سنوات والتي أودت بحياة 500 ألف شخص تقريبا. في الآونة الأخيرة، أصبح القتال أكثر ضراوة وفوضوية. التحالفات في تحول مستمر ويبدو السلام الآن أبعد منالا.
الأوضاع في منطقة الحسكة، في الشمال الشرقي، تدل على أن المشهد لن يستقر على حال. حتى وقت قريب، قاد الجيش السوري الموالي لبشار الأسد، رئيس بلاد غارقة في الدماء، هجومات مدعومة بالميليشيات الكردية. وفي بعض الأحيان، جرى التنسيق بين الجانبين لمواجهة المتمردين من العرب السنة. الأكراد، من جهتهم، صوبوا نيرانهم المدفعية صوب مواقع داعش وحاولوا حماية المنطقة شبه المستقلة التي أعلنت عن استقلالها الذاتي. لكن في الحسكة شمالا، اتفقت الحكومة السورية والأكراد على التنسيق الميداني بينهما لتوجيه الضربات ضد الأعداء.
تبدو مظلة القتال مرتبطة بعلاقات أكثر دفءا بين روسيا (التي ساندت دوما بشار الأسد) وتركيا (التي لم يسبق لها أن فعلت). بلغ التوتر بين روسيا وتركيا ذروته في نونبر 2015 عندما أسقطت طائرة تركية من نوع F16s طائرة روسية انتهكت المجال الجوي التركي. لكن الانفراج الأخير بين البلدين إلى جانب المخاوف التركية من القوات التركية وإرهاب داعش (التفجيرات الإرهابية التي استهدفت حفل زفاف بتركيا وأودت بحياة 54 شخص) أضفى دفءا منعشا على العلاقة بينهما. لهذا لا نستغرب إذا سمعنا رئيس الوزراء التركي يقول إن “الأسد قد يلعب دورا في العملية الانتقالية داخل سوريا” بعدما كان ينادي بخروج الأسد في أقرب وقت ممكن.
من جانبها، أعربت الحكومة السورية عن عدم ارتياحها للتطلعات الكردية الانفصالية. بهذا الصدد، تلقى الجيش السوري صدى التصريحات التركية التي تقيم علاقة بين الحزب الكردي الرئيسي في سوريا والمعروف بحزب الاتحاد الديمقراطي وبين حزب العمال الكردستاني الذي يشن حرب عصابات طويلة الأمد ضد تركيا. وليس من المستغرب أن يرصد الجانب التركي دور الحكومة السورية في رعاية حزب العمال الكردستاني. لكن وزارة الخارجية السورية أدانت من جهة أخرى عملية تركيا باعتبارها انتهاكا لسيادتها الوطنية وقالت روسيا إنها تشعر بقلق عميق.
حاولت أمريكا التمسك بمهمتها المقتصرة على إلحاق الهزيمة بداعش، ولكنها تخشى الانجرار إلى صراع أوسع نطاقا. وجاءت الغارات الجوية التي شنتها الطائرات السورية على منطقة الحسكة في 18 غشت قريبا من مواقع الحنود الأمريكيين لتحول بينهم وبين دعم الأكراد في حربهم على داعش. أمريكا ترسل طائراتها الخاصة حالما تغادر المقنبلات السورية، إلا أنها الآن تكتفي بالقيام بدوريات في سماء المدينة امتثالا لوقف إطلاق النار. وقال جيف ديفيس، المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، إن النظام السوري يستحسن عدم القيام بأشياء قد تعرض تحالف القوات المضادة لداعش للخطر.
لقد أدى دعم أمريكا للأكراد في سوريا إلى توتر علاقتها بتركيا وزادت الشكوك التركية الفاقدة لأي أساس حول تورط أمريكا في محاولة الانقلاب الفاشلة من اتساع شقة الخلاف بين البلدين، على حد قول إميل حكيم، من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية. وجاءت أدلة جديدة في وقت سابق من هذا الشهر عندما تم تحرير مدينة منبج من قبضة جهاديي داعش. أمريكا أكدت لتركيا أن المقاتلين العرب سوف يراقبون الطريق المؤدية للمدينة، وتكون قوات حزب الاتحاد الديمقراطي في الطليعة، غير أن الأكراد رفضوا المغادرة.
تراجع الجهاديون شمالا وغربا نحو مدينتي جرابلس والباب. الآن يصوب الأكراد نظرهم نجو المدينة الثانية التي من شأن استعادتها أن يسمح لهم بربط الأجزاء الشرقية بالأجزاء الغربية من منطقة كردستان السورية. ولكن البعض كان يأمل في الانقضاض على جرابلس حيث ينوي الأتراك إقامة الآلاف من المتمردين السوريين غير الأكراد. الكثير من الأكراد يعتقدون أن البعثة التركية تهدف إلى منعهم من الحصول على قطعة أرضية موازية للحدود السورية.
تسعى روسيا، في الوقت نفسه، إلى فرض وجودها بشكل أكثر دواما في المنطقة من خلال جعل قاعدتها الجوية في اللادقية دائمة الاشتغال وعلى اتصال وثيق بإيران. أصبح الشرق الأوسط منطقة لطموحات روسيا باعتبارها قوة عظمى في القرن الواحد والعشرين، كما قال ديميتري ترينين، مدير مركز موسكو كارنيجي. ولكن خطر الغرق في مستنقع الحرب المستعصية والموسعة في سوريا والدوام على هذا الحال قد لايكون مطلوبا.
إعداد: أحمد رباص
عن جريدة دي إكونوميست البريطانية
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.