سبق قرار مجلس الدولة الفرنسي تعليق قرار منع لباس البحر الاسلامي البوركيني، سجال على مستوى فرنسا والعالم، آخر فصوله تحذير هذا المجلس رؤساء البلديات الذين اتخذوا قرارا مماثلا من أن أي حظر لهذا اللباس يجب ان يستند الى “مخاطر ثابتة” على النظام العام.
وفي هذا السياق، لم تتضامن أوروبا مع فرنسا في حظر لباس البحر الإسلامي البوركيني على شواطئها العامة. بقيت فرنسا “يتيمة” في تنفيذ هذا القرار الصادر عن الجهات الرسمية والذي وضعها في مواجهة حادة مع أكبر جالية مسلمة في اوروبا تعيش على أرضها
تفتقد فرنسا اليوم أكثر من أي وقت إلى دور لمثقفيها ومفكريها الكبار الذين سبق لهم أن لعبوا دوراً رائداً في المحطات المفصلية من تاريخها القديم أو من حقبات ثمانينات القرن الماضي. تحتاج فرنسا في أحرج وقت من زمنها المعاصر إلى مبادرة ثقافية مسؤولة لفهم الوجه الجديد لصراع الحضارات بين مواطنيها واستيعاب فصوله ورصد السبل الممكنة للتخفيف من حدته..
سجلت صحيفة الـفاينانشال تايمس البريطانية أن السياسيين من جميع المشارب السياسية استغلوا قضية البوركيني للإعلان عن مبادئهم العلمانية الصارمة. ربطت الجريدة هذه التصاريح مع اقتراب انتخابات الرئاسة الفرنسية وتأثّر الشارع الفرنسي بتداعيات الهجمات التي شنّها متطرفون إسلاميون. لكن الصحيفة لفتت نظر قرائها إلى أن البوركيني، الذي لم تلبسه إلا بعض المسلمات الملتزمات في فرنسا، أضحى قضية ساخنة جداً على الساحة الفرنسية، واعتبرت أن خمسة ملايين مسلم في فرنسا يتابعون هذا الموضوع الذي تحول سجالاً حاداً جداً بين مسلّمات أساسية في المجتمع الفرنسي هي الاندماج والعلمانية والهوية.
بدوره، أيد رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس اقتراح المجلس الأعلى للاندماج في فرنسا الذي حظّر ارتداء الحجاب في الجامعات. لكن الرئيس الفرنسي الحالي فرانسوا هولاند رفض هذا القرار لأنه يطمح كثيراً للعودة مجدداً إلى قصر الإليزيه وكسب أصوات الجالية المسلمة في انتخابات الرئاسة القادمة في فرنسا.
أما رئيس الجمهورية السابق نيكولا ساركوزي، الذي أعلن ترشيحه للانتخابات الرئاسية المقبلة، فقد حسم خياراته في هذه القضية معلناً أن البوركيني هو أمر مستفز جداً.
ولا يخفى على أحد ان اليمين المتطرف يسعى الى توظيف هذه القضية لتسجيل مكاسب سياسية وإعادة إحياء بعض التدابير التي ترمي إلى تضييق هوامش الحركة للجمعيات الإسلامية وفرض إجراءات لمنع المحجبات في الإدارات والمؤسسات. ويلاحظ المراقبون أن هذه التدابير انتشرت بشكل واسع بين 2012 و2014 حيث تم منع الحجاب في الأجهزة الحكومية وفي المدارس التي تديرها الدولة.
تصدرت الصفحة الرئيسية للموقع الإلكتروني لجريدة لوفيغارو الفرنسية اليمينية نتائج استطلاع رأي قام به المعهد الفرنسي للرأي العام لصالحها تم التوصل من خلاله إلى أن64 %من الفرنسيين يرفضون بشكل قطعي لباس البوركيني على الشواطئ. وأشارت لوفيغارو إلى أن المعهد اعتمد على عينة عشوائية تمثيلية من 1001 فرنسياً، شدّدت على أن 30 % من المواطنين الذين شاركوا في هذا الاستطلاع لا يبالون بالقضية بينما سجلت نسبة لا تتعدى الـ6 في % تأييدها لـلبوركيني على الشواطئ الفرنسية.
ويتطلع المراقبون إلى دور بناء لبعض الجامعات في فرنسا. وتتّه الأنظار إلى لقاءات مع خبراء يرسمون من خلال خبرتهم الأكاديمية الحدود الفاصلة بين العلمانية وحقوق المسلمين وخوف الفرنسيين من البوركيني وما هو لكثيرين “أبعد من مجرد كونه لباساً دينياً”.
بدوره، اعتبر اﻟﺨﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﻬد الوطني ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﻟلدراﺳﺎﺕ ﺍلدﻳﻤوغرافية ﺑﺎتريك ﺳﺎﻳﻤﻮﻥ أن ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻘﺎﻝ ﻋﻦ ﺍﻟﺒﻮﺭﻛﻴﻨﻲ يبعث ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﺩ ﺑﺎﻥ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺗﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﺍﻻﻗﻠﻴﺎﺕ، وليس من ﺑﻨﻴﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻲ. وشدد على أن بعض الفرنسيين شعروا بعد العمليات الإرهابية الأخيرة ﻓﻲ ﻓﺮﻧﺴﺎ أن ﺍﻟﺘﻨﻮﻉ لم يعد مصدر ثراء بل تحول إلى ﻣﺸﻜﻠﺔ تهدد العيش المشترك بين الفرنسيين
شكل الإعلام الأنكلوسكسوني عقبة كأداء في وجه قرار منع ارتداء البوركيني في فرنسا. نقلت صحيفة لو نوفيل أوبسرفاتور ما رصدته وكالة الصحافة الفرنسية من آراء مناهضة لهذا القرار في هذه الوسائل الإعلامية الناطقة بلغة شكسبير.
اعتبر الكاتب ديفيد أرونوفيتش ﻓﻲ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﺫي ﺗﺎﻳﻤس البريطانية أن ﻣﺜﻞ هذا الحظر ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ينبع إلا ﻣﻦ “نفوس مريضة” وهو ﻳﺜﻴﺮ من خلاله المزيد ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸكلات.
من جهة أخرى، بثت قناة الـ بي بي سي البريطانية جملة شهادات ﻟﻤﺴﻠﻤﺎﺕ انتقدن بشدة القرار الفرنسي. ﻭنقلت القناة رأي إحدى المشاهدات وتدعى مريم ويلس التي ذكرت بـ”أﻧﻪ أمر يثير للصدمة أﻥ تفرض ﻋﻠﻰ شخص ﻣﺎ إﻣﺎ العري أﻭ الرحيل”. وأسفت لدعوة الناس لانخراط المسلمين أكثر في المجتمعات الأوروبية، وقالت: “عندما ينضمّن إليهم ﻟﻠﺴﺒﺎﺣﺔ، يبدو الأمر في حينه غير مستحب”.
وانتقل السجال على بعض صفحات الجرائد ﻓﻲ كلٍّ من الولايات المتّحدة وأوستراليا. وعبرت ﺍﻟﺼﺤﺎﻓﻴﺔ أماندا توب ﻓﻲ الـنيويورك تايمس في زاوية رأي خاص بها أن ما يحصل “أبعد من الدين ﺍﻭ ارتداء ملابس”. أشارت إلى أن هذا يرتبط ﺑـ”ﺤﻤﺎﻳﺔ ﺍﻟﻐﺎﻟﺒﻴﺔ الفرنسية غير ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﺔ من التأقلم ﻣﻊ عالم يتبدل”.
أما ﺍﻟﺼﺤﺎﻓﻴﺔ ﺳﺎﺭﻩ ﻣﺎلك ﻓﻲ ﺻﺤﻴﻔﺔ سيدني مورنينغ هيرالد فلم تتردد في وصف حظر ﺍﻟبوﺭﻛﻴﻨﻲ بأنه يشكّل “هجومًا ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻗﻠﻴﺎﺕ”. ورأت أن قدر المراة لا يفرِض عليها فقط ﺍﻟﺘﻌﺎمل ﻣﻊ النزعة الذكورية ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻬا بل ﻣﻊ واقع القوة الفظّة للدولة”.
متابعة: أحمد رباص
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.