إريس المؤدب “
تعتبر مقالع الرخام بجماعة غياثة الغربية بواد أمليل كنزا مدفونا في باطن الأرض ، يدري على أصحابه ملايير السنتيمات سنويا ، ويشغل يدا عاملة بأجور هزيلة ، ويضخ في ميزانية الجماعة قدرا يسيرا من عائدات الضرائب ، إلا أن المثير الذي تكمن معه مجموعة من الأسرار الدفينة داخل هذه المقالع المتفرقة في الجهة الغربية لواد أمليل الممتدة على أراضي شاسعة تقع داخل نفوذ جماعات أخرى ، تهم الطريقة التي تستخرج بها الأحجار بواسطة آليات ضخمة ، حولت المنطقة إلى أراضِِ كلها حفر ، وتجواويف عميقة يثيران الخوف والفزع في نفوس الساكنة المجاورة . ما أثر بشكل ملموس على الفلاحة ، و الفرشة المائية ، وأراضي رعي المواشي .
استخراج أحجار الرخام الخام ، يتم صقلها بطريقة عصرية ، لتصديرها داخل التراب الوطني وخارجه ، لأنها تعد من الأحجار ذات جودة عالية ، ما جعل واد أمليل والجماعات المجاورة تشتهر بهذه الأنواع الحجرية المشهورة بتميزها وجماليتها وصلابتها ، وأصبحت ثروة محلية ، تَدُرُ ؟ أموالا باهضة على أصحابها إلا أنها لا تظهر على أرض الواقع ، إما لأن المداخيل المترتبة عن عملية البيع المحلي و التصدير ، المحولة لخزينة الدولة على شكل ضرائب لا ترقى لما يتم استخراجه بفعل التملص الضريبي ، أو لأن تدخلات بعض مهنيي القطاع مع جهات نافذة تسمح لهم بالتلاعب في قيمة المستخرجات من باطن الأرض . وعدم التصريح بالرقم الحقيقي للأرباح الصافية التي تتحول إلى حساباتهم البنكية .
واد أمليل وبعد اشتهارها لسنوات طويلة بمطاعم الشواء ، انتقلت لتحتل درجات متقدمة على الصعيد الوطني ، في تصدير الرخام المستعمل في تزيين العمارات والفيلات والمساكن الفاخرة ، حتى أنها أصبحت وجهة مفضلة لشاحنات من الحجم الكبير تتحمل بهذه الأحجار وتتوجه إلى شركات مشهورة في مدن عديدة لبيعه بأثمان باهضة ، وتصديره إلى الخارج دون أن تعود هذه العائدات المالية بالنفع على البنية التحتية لجماعات لازالت تعيش في ظروف مزرية . و تساهم في توفير مناصب شغل قارة لمحاربة البطالة المتفشية بين صفوف شباب المنطقة ، وتحسين الظروف المعيشية للساكنة ، فالعمال الذين يشرفون على عملية استخراجها بمشقة وضنك من حفر عميقة خطيرة ، تبقى على حالها دون أن تُردم حفاظا على سلامة الساكنة والرعاة والمواشي ، ويتابعون كل مراحل التقطيع والصقل والتلفيف ، كثيرا ما يشتكون من رواتب هزيلة ، لا ترقى لما يقومون به من عمل شاق طيلة اليوم ، والأخطار المترتبة عن الحفر والخنادق المنتشرة دون حماية ، و التصاقهم على مدار ساعات العمل بآليات التقطيع العملاقة . لأن المفروض أن يوفر المشغل كل التجهيزات الإسعافية الضرورية ، وألبسة خاصة ، وخودات واقية ، تماشيا مع ظروف العمل الصعبة ، التي تحيط بها المخاطر أثناء عملية استخراج الأحجار وإخضاعها لإعادة الصقل والتدوير والتلميع . ورفع الرواتب الشهرية حسب نوعية العمل الذي يتطلب مجهودات مضاعفة .
الحديث عن مقالع الرمال يجرنا لاستحضار ما قامت به مجموعة من اللجن المختلطة حلت بعين المكان على فترات متباعدة ، ووقفت على خروقات كثيرة في تدبير هذا القطاع الحيوي ، في أكثر من موقع ، وما تم اكتشافه في بعض المقالع التي كانت تعمل دون ترخيص من طرف سياسيين معروفين وأشخاص نافذين على المستوى المحلي والإقليمي والجهوي . وبدلا من التقيد بمخرجات هذه اللجنة المرفوعة للجهات المسؤولة ، وتقنين العمل في هذا القطاع المربح ، واحترام بنود دفاتر التحملات ، ازداد الوضع سوءا ، وتحولت أراضي شاسعة إلى وجهة لمزيد من المقالع العشوائية أمام أعين الجهات المسؤولة ، الشيء الذي أثر بشكل كبير على البيئة ، وأراضي الملك الغابوي الذي بدأت تتآكل تدريجيا ، ناهيك عما ترتب عن أشغال الحفر من تناثر الرمال والأتربة التي وصلت إلى داخل المدار الحضري ، والطريق الإقليمية المؤدية إلى مجموعة من الجماعات المحلية .
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.



