بعد مرور 9 سنوات على وفاتها، ما زال الاسم الكبير للفنانة الراحلة، رجاء بلمليح، يثير الكثير من المشاعر. معروفة لدى عامة الناس بأغانيها، شخصيتها المميزة والمحترمة جعلتها في محط نضال دام لعدة سنوات مع سرطان الثدي، رغم ذلك لم تتراجع يوما عن شغفها بالفن.
متشبثة دائما بالحلم الفني، طرقت في سنة 2006 أبواب الفنان والمنتج إيلام جاي الذي كان آنذاك في أوج نجاحه خلال فترة الانتشار الواسع الذي عرفته كل من أغنية “مورينا” و”أه يا ليل”. في ذلك الوقت، فرض جاي أسلوبا غنائيا جديدا وفق مقاربة فنية ثورية في العالم العربي. فلا ريب أن تكون هذه هي الأسباب التي جعلت الراحلة رجاء بلمليح، المتواجدة آنذاك بدبي، تختار المغرب لإحياء مسيرتها الفنية باللجوء إلى إيلام جاي لمرافقتها في عودتها نحو الجذور.
بعد تسع سنوات، تمخض عن هذا اللقاء، ظهور أغنية تحت عنوان “أولايالله” ، في تعاون غير مسبوق بين فنانين مغربيين استقطبا جمهورا عالميا كل حسب أسلوبه الفني.
تلى ذلك فترة من التبادل والعمل الفني الدؤوب، عمل خلالها الفنانان مجالا للإنتاج المشترك الذي سيخلق بدايات مشروع فني في المستوى.
في أغنية “أولا يالله”، كانت هناك كلمات عميقة وقوية تصف من خلالها الفنانة رجاء بلمليح الألم الذي عاشته وتتضرع إلى العلي القدير أن يمدها بالشجاعة لمواصلة كفاحها ضد المرض. إذ تشكل الأغنية رسالة أمل بالنظر إلى الظرفية التي عاشتها الراحلة خلال تلك الفترة.
بعد فترة وجيزة، غادرتنا نجمة الأغنية العربية تاركة ورائها عملا فنيا غير مكتمل، مخلفة صدمة حقيقية للمنتج إيلام جاي الذي ساهم بعد ذلك في تحقيق الحلم الفني للراحلة بلمليح.
لم يستحمل إيلام جاي الغياب المفاجئ للفنانة، التي كانت مصدر قوة وطاقة إيجابية، وقرر التخلي عن استكمال المشروع الفني.
هذه الذكريات المؤلمة التي عاشها إيلام جاي، برزت مؤخرا في مقابلة صحفية أجراها مع صحفي بدبي. تحدث خلالها عن مختلف أوجه التعاون، الممتدة على مدى 20 عاما، التي طبعت مسيرته مع الفنانين العرب والأجانب، وكذا عن العلاقة المتميزة التي جمعته بالفنانة رجاء بلمليح.
بعد ذلك، وجد جاي نفسه في مأزق. فالمنتج الذي يستعد حاليا لإطلاق ألبومه الجديد الموجه للجمهور الناطق باللغة الإنجليزية، يطلق أغنية موجهة للعالم العربي لم تكن جزءا من مخططاته. “سنشاين”، أول أغنية صدرت في سنة 2014، وجدت إقبالا لدى الجمهور بعد 7 سنوات من الغياب. كما أعاد علاقته مع الجمهور العربي بإصدار أغنية “هاي غانيني” .
عبر هذه الطريقة، قرر إيلام جاي الغوص في عالم أغنية “أولا يالله”.
فالمنتج يعيد كتابة النصوص كما يعيد تسجيل صوته على إيقاع الأداء المثير الذي قامت به رجاء بلمليح. هذه الطريقة ليست مألوفة على الإطلاق للمنتج، والفنان والملحن إيلام جاي.
واستلهم المنتج إيقاعات مغربية أصيلة مستوحاة من موسيقى كناوة التي تعطي ذلك البعد الروحي في اتفاق تام مع نص الأغنية المأخوذة من التراث الموسيقي المغربي.
في الكليب، يقوم إيلام جاي بدور المخرج كالمعتاد، ولكن هذه المرة سيكون أيضا مصور الأغنية. حول هذا الموضوع صرح قائلا : “المشروع قريب جدا إلى قلبي، وأنا لا يمكنني أن أترك أية تفاصيل تخرج عن سيطرتي، أريد أن تكون كل ثانية من القصة تعكس عواطفي الصادقة تجاه جمهور أكن له احتراما كبيرا …”
صور الكليب تعكس هذا الشعور المختلط بين الألم والأمل الذي عاشه المنتج بالتعاون مع الراحلة رجاء بلمليح، شعور تزايد أثناء استئنافه للمشروع الفني .
النتيجة كانت مؤثرة وقوية، الفن في شكله الأصلي، المعبر عن المشاعر والعواطف.
نبذة عن إيلام جاي
الفنان إيلام جاي يتوفر على مواهب مختلفة. فمن خلال الرقص دخل عالم الغناء، ذوقه فيمواجهة التحديات مكنه من اكتساب خبرة كبيرة في عالم الرقص.
ولد في الدار البيضاء، بالمغرب، نشأ وترعرع في جنيف، بسويسرا، تأثر بموسيقى” آر أند بي” والبوب، والثقافات العربية والاسبانية. أثناء شبابه، أعجب بفنانين كأمثال، جيمس براون ومايكل جاكسون وستيفي ووندر. في سن مبكرة، بدأ يستعرض موهبته أمام أسرته وأصدقائه. ومن خلال هذه العروض التي تعلمها في وقت مبكر جدا، وقف على أهمية التواصل مع جمهوره.
ظل حلم النجاح في الأغنية يراود جاي الذي سيعطي كل ما عنده للوصول إلى مبتغاه. قوة عزيمته مكنته من إيجاد السبل التي جعلتهيحتك بالمتخصصين في هذا المجال بجنيف في ذلك الوقت الذي لم يكن يتوفر فيه على كل الموارد الممكنة.
إذا كان اليوم، كبار المغنيين يفضلون العمل إلى جانب جاي، ذلك لأنه فضل في بداية مشواره الفني استثمار عائدات “الوظائف الصيفية” في استئجار استوديو من أجل البدء في عيش اللحظات الأولى من حلمه. فشخصيته القوية مكنته من الولوج إلى أفضل المهن المتعلقة بالإنتاج الغنائي ليكون حرا تماما في تحقيق أحلامه. وبهذه الطريقة تمكن من إعطاء ارتساماتهالفنية هوية حقيقية. عصامي، إيلام جاي، اليوم، هو ملحن ومغني، راقص، ومنتج. موهبته وقوة تأثيره أوصلاه إلى جمهور دولي. فهو يعيد تأطير مساهمة الفنان اليوم في صناعة الموسيقى العالمية.
مع نجاح أغنية “مورينا”، “أه يا ليل”، “كناوي تون” والكليب “سون شين”، استطاع جاي أن يضع لنفسه قاعدة جماهيرية تمتد من شمال أفريقيا إلى الشرق الأوسط، مرورا بأوروبا وأجزاء من أمريكا الشمالية.
كما نقل جاي مواهبه للأجيال الصاعدة عبر توفير التأطير المهني اللازم في ظل ندرة التداريب المهنية بالمغرب.
ويعد المنتج اليوم، من بين أكبر الأسماء التي ساهمت في الإنتاج الغنائي بالعالم العربي. آخر كليباته “هاي غانيني” الذي صدر في أكتوبر 2015، لاقى نجاحا كبيرا واستحسانا في عالم الفن.
عاد في مطلع 2016 ليفجر قنبلة من العيار الثقيل، إيلام جاي يخلق المفاجأة ويعلن الإفراج عن أغنية مسجلة منذ 9 سنوات مع الراحلةرجاء بلمليح.
نبذة عن رجاء بلمليح
تعود بداياتها إلى مطلع الثمانينيات، حين شاركت في مسابقة كبرى للغناء نظمت تحت اسم “اضواء المدينة” بإشراف المنتج المغربي حميد العلوي، واحتلت فيها المركز الأول.
شقّت الفنانة المغربية طريقها الفني، بالتعاون مع كبار الملحنين المغاربة ومن بينهم: المفضل العذراوي، أحمد البيضاوي، عبد القادر الراشدي، عبد الله عصامي وحسن القدميري، ومن الشعراء: محمد حاي وعبد الرفيع جواهري وغيرهم.
وعام 1987 أصدرت بلمليح أول ألبوم لها بعنوان “ياجار وادينا”، ضم عدداً من الأغنيات منها “مدينة العاشقين” و”الحرية”، و”أطفال الحجارة”. ثم أصدرت ألبوما آخر بعنوان “هكذا الدنيا تسامح”.
وفي مطلع التسعينيات انتقلت إلى مصر، حيث كانت لها انطلاقة جديدة أثمرت ألبوم “صبري عليك طال” الذي تعاملت فيه مع الملحن حميد الشاعري، ثم ألبومي “يا غايب” و”اعتراف”. ومن بين الملحنين المصريين الذين تعاملت معهم جمال سلامة ومحمد ضياء وحلمي بكر وصلاح الشرنوبي.
وعلى الرغم من اكتشاف موهبتها الغنائية في سن مبكرة، كانت رجاء بلمليح حريصة على مواصلة دراستها لتحصل على الإجازة من كلية الآداب بالرباط.
وقد حصلت الراحلة على مجموعة من الجوائز وشهادات التقدير.
ففي عام 1990، حصلت على شهادة تقدير من مهرجان الأغنية بليبيا. كما حصلت على شهادات مماثلة من مهرجان القاهرة الدولي للأغنية، ومهرجان الموسيقى العربية بدار الاوبرا المصرية، ومهرجان الأغنية التونسية، وذلك في عامي 1995 و1996 على التوالي.
وفي عام 1997، حازت جائزة مهرجان القاهرة الدولي الثالث للأغنية، كما مُنحت عام 1999 لقب سفيرة النوايا الحسنة لليونيسف.
وبعث جلالة الملك محمد السادس رسالة تعزية إلى عائلتها، جاء فيها : “اختارت يد المنون أن تخطتف … الفنانة رجاء بلمليح التي نوعت رصيدها بين الثقافي والفني والإنساني، لتكون شخصية حاملة لمشروع فني، ترفض معه أن تتحول إلى نسخة من النسخ التي تلفظها القنوات التلفزيونية كل يوم”.
واليوم تعود الفنانة رجاء بلمليح عبر” دويتو” غنائي يجمعها بالنجم المغربي إيلام جاي، حيث تم تسجيله عام 2006، وظل حبيس العلب منذ أن تم تسجيل الأغنية، خاصة بعد دخول النجمة المغربية الراحلة في أزمة مرض السرطان.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.