يتصاعد القلق في المغرب بسبب التضييق المستمر على الأئمة والخطباء داخل المساجد، حيث جرى تحويل المنابر من فضاءات للوعظ والتوجيه إلى منصات مؤطرة سياسياً، لا يسمح لها إلا بترديد خطب جاهزة لا تلامس واقع الناس. هذا السلوك لا يهدد فقط حرية التعبير الديني، بل يهدد استقرار الوطن، لأنه يغلق آخر متنفس للشعب ويزيد من حالة الإحتقان القابل للإنفجار في أي لحظة.
أزمة ثقة خانقة
الشعب المغربي لم يعد يثق في جل مؤسسات يُفترض أنها دستورية، لكنه يراها شكلية بلا مضمون وتستنزف أموال دافعي الضرائب و تمنح الإمتيازات للفاسدين و الفاشلين. فقدت الأحزاب مصداقيتها بعدما تحولت إلى وكالات إنتخابية مرتبطة بالمصالح الضيقة للزعيم المفدى و الشردمة المحيطة به و الوطن و المواطنينفهم للجحيم، بينما تحولت النقابات إلى أدوات مقايضة، والإعلام إلى آلة تضليل أو تسلية فارغة، وحتى المجتمع المدني أصابه الإختراق.
منابر محاصَرة ومخاطر مفتوحة
حين يُمنع الخطيب والإمام من قول كلمة حق في وجه الفساد والإستبداد والظلم، فإن الساحة تُترك للخطابات الشعبوية أو المتطرفة، غير المؤطرة وغير المضبوطة. إن حجب صوت المنبر المعتدل والمتوازن قد يفتح الباب أمام أصوات أشد خطراً، تدفع الناس إلى اليأس أو التمرد ضد ما تبقى من مؤسسات دستورية لازال المواطن المغربي يثق فيها .
الإصلاح يبدأ من المحاسبة
لا يمكن الحديث عن إستعادة الثقة دون محاكمة زعماء الفساد والإستبداد والظلم الذين نهبوا ثروات الوطن واستغلوا السلطة للإثراء غير المشروع. الإفلات من العقاب هو أصل الداء، ومواجهة هؤلاء أمام القضاء بشفافية وجرأة هي رسالة بأن الدولة جادة في الإصلاح، وليست مجرد واجهة لتدوير نفس النخب الفاسدة والفاشلة.
حلول ضرورية
1 ●●● *تحرير المنابر الدينية نسبياً*: منح الأئمة مساحة للحديث عن قضايا الناس الإجتماعية والإقتصادية بروح وطنية صادقة، بعيداً عن التوجيه الميكانيكي الممل و الغير المجدي.
2 ●●● *محاكمة الفاسدين والمستبدين* : بدون عدالة إنتقالية حقيقية ومحاسبة جريئة وشاملة، ستظل الثقة معدومة من طرف الشعب المغربي و كل أحرار هذا الوطن و المستثمرينالوطنيين الحقيقيين.
3 ●●● *إصلاح شامل للمؤسسات*: الأحزاب، النقابات، الإعلام، والمجتمع المدني يجب أن تُعاد هيكلتها على أسس النزاهة والشفافية والقطع مع الولاءات الضيقة و الزبونية والمحسوبيةوالريع السياسي لخدمةالزعيم الأبديداخل هذه المؤسسات.
4 ●●● *إشراك الأئمة والخطباء في ورش الإصلاح و بناء دولةقويةوديمقراطية وعادلة*: بدل محاصرتهم، يمكن توظيفهم لنشر قيم المواطنة ومحاربة الفساد والإستبداد الأخلاقي والفكري والإجتماعي.
5 ●●● *تجديد العقد الإجتماعي*: حوار وطني صريح يعيد ربط الدولة بالمجتمع على أساس *حرية كرامةعدالةإجتماعية*،
لا على أساس الخوف والتبعية و إرهاب السياسي والإقتصادي والإجتماعي و النفسي.
الخلاصة
التضييق على الأئمة والخطباء الأمة المغربية ليس مجرد إجراء إداري، بل مؤشر على أزمة سياسية وأخلاقية عميقة. إما أن تختار الدولة طريق الإصلاح الجذري، القائم على محاسبة رموز الفساد والظلم، وإستعادة الثقة عبر إنفتاح حقيقي على الشعب… أو تواصل سياسة الهروب إلى الأمام، فتدفع الوطن إلى إنفجار الحثمي لا أحد يعرف حدوده و لا وقته.
—
*من المستحيل بناء دولة قوية و ديمقراطية و عادلة بمؤسسات و أحزاب ينخرها الفساد والإستبداد والظلم والحكرة وأشياء أخرى*
*عزيز الدروش محلل و فاعل سياسي*
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.