.
يا صَاحِبًا صَارَ الْغُرُورُ لَا يُفَارِقُهُ
حَكِّمْ عَقْلكَ سِحْرُ دُنْيَاكَ يُخَادِعُهُ
تارةً يُدَاهِنُ وَتارةً يَبْتَئِسْ وَطَوْراً
ومِن شِدَّةِ سَرَابًا تُلاقِينا خَوائِبُهُ
كَيْفَ تَجْنِي اعْتِدالا مِنْكَ خَسِرْتُهُ
وَأنتَ شَخْصٌ عَابِرٌ حَتْمًا وتارِكُهُ
لاهٍ تَقَلَّبَ فِي أَحْوَالِ مَعَرَّةٍ
فإِخْتَلَّ نَوَاهُ وازْدَادَتْ نقائِصُهُ
النَّفْسُ فِي خُلُقِها إذْ غِيضَ وَقَارُهُ
تَقَبَّحَتْ فِيهِ لَا تَعَلى فَضائلُهُ
وقَدْ تَعَلَّقَ فِي شَأْنٍ بِزَخْرَفَةٍ
كَظَبْيَةٍ عَلَى تَلٍّ جُنّ قَاصِدُهُ
مُطوَّلُ الْأَمَلِ فِي حُمْقٍ وَفِي عَجَلٍ
مُطوَّلُ الْأَمَلِ حَامِي الجَشَعِ وخادِمُهُ
جَمُّ الْأَمَانِي فِي وَهْمٍ وَفِي قَلَقٍ
وصالِحُهُ فِي الْأَمْرِ مِثْلُ فاسِدُهُ
قَدْ سَاءَنِي فِي مَدَاهُ السَّيِّء جَانِبُهُ
يا سَعْيَهُ فَأَنَا فِي الْحَقِّ صاحِبُهُ
هَلْ سَاءَهُ لَمْ يَرُقْني الْجَهْلُ فِيهِ
وقَدْ تَاهَ فِي جَهْلِهِ يَرْبُو تَنافُسُهُ
والدِّينُ الصَّحِيحُ الْمَنْطِقِيّ أَجَلْ
قَدْ تَرَكَ الْوَرَى غُرُورًا شَرَائِعُهُ
وبِتَرْكِ صِلَتِهِ صَارَتْ قِلَّتُهُ
وأَغْلَبُ النّاسِ سَاءَتْ مَبادِئُهُ
مَنْ دِينُهُ اسْتَقَرَّ عَنْ عَيْبٍ وزَلَلٍ
كَأَنَّهُ شَاءَ دَهْرًا قَدْ جَلَّتْ مآثِمُهُ
يَجْلُبُ السَّفاهَةِ تَجَاوَزُ الْقَنَاعَةِ ومَنْ
على قَيْدِ الحَيَاةِ كَثِيرُ الحَمْدِ لاَزِمُهُ
وكَمْ عَفِيفٍ مُفْتَقِرٍ غَيْرَ مُتذمِّرٍ
مِمَّا هُوَ فِيهِ تَتَضَاعَفُ مَحامِدُهُ
القَصْدُ الطَّيِّبُ طَبْعُ الشَّهْمِ عاشِقُهُ
بالعَزْمِ صائِنُهُ وَبِالْإِخْلَاصِ راغِبُهُ
عَدِّلْ كَلَامَك أَرْقَى الْقَوْل صَادِقُهُ
وَقَدْ تَمَلَّى بِأَوْفَى القَوْلِ سَامِعُهُ
فالحَقُّ تَغْدُو بِهِ الأَذْهَانُ سامِيَّةً
والقَوْلُ فَرْضٌ عَلَيْهِ الصِّدْقُ قَائِلُهُ
تَجُودُ فِيهِ إلَى أَنْ تَجِدْهُ كَنْزاً
صارَ لَدَيْهِ الرَّأْيُ تَكْسوهُ لآلِئُهُ
والطَّبْعُ عَلَيْهِ وَقَارٌ مِن سُؤْدَدٍ
ثَمَّ عِرْضُ المَرْءُ صَانَتْهُ شَمَائِلُهُ
والعَقْلُ فِيهِ بِنَيْلِ اللُّطْفِ مُتَّزِنٌ
إلى حَيْثُ قَدْ ذَهَبَتْ مَقاصِدُهُ
والقَلْبُ تَزْخَرُ بِالأفْرَاحِ صَبْوَتُهُ
فَلا شَقَاءَ تُطَارِدُنا هَواجِسُهُ
كَأَنَّمَا الْخَيْرُ فَيَّاضُ عَلَى غَدِهِ
فَيْضٌ مِن الْجُودِ فِي الْأَفْعَالِ وافِرُهُ
فَعُدْ إلَى دَرْبِ قَانُونٍ يَدُلُّ عَلى
شُعَبِ نُورٍ يُلَاقِي الْمَجْدَ صَاحِبُهُ
طالَما النَّفْسُ فِيهِ وَهِيَ فَاضِلَةٌ
نِعْمَ الثَّبَاتِ وَإِنْ الدَّهْرَ جَائِرُهُ
أحْوَالٌ سَابَرَها واعٍ لَهُ كَرَمٌ
كالفَضْلِ يَرْكَبُ نَفْعًا وَهُوَ حامِلُهُ
يا لَيْتَ الْوَعْيُ صَحَّ لَنَا حالُهُ
وغَدا نَبْلٍ حِجانا لَا يُفَارِقُهُ
فالرُّشْدُ عَقْلٌ وَبَطَلُ الذَّكَاءُ يَكونُ
ذو الْبَصَائِرِ لَا مِنْ ضَلَّتْ بَصَائِرُهُ
هَكَذَا بَرِّ الأَمَانِ تَنْجُو مُوَاكِبُهُ
وَهذا بَعْضُ الْكَلَامِ عَلَى مَذَاهِبُهُ
فَلَسْتُ أَدْري مَنْ للرُّشْدِ رائِدُهُ
إِلَّا أنِّي عاشِقُ الرُّشْدِ وَشاعِرهُ
جواد السنوسي
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.