النهار نيوز المغربية:ع الرزاق توجاني
بعد التوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس بعدم ذبح الأضاحي هذا العام، بسبب قلة الأكباش وارتفاع أسعارها بشكل غير مسبوق، وجد الشارع المغربي نفسه أمام امتحان جديد في الالتزام والانضباط لروح المصلحة العامة.
التوجيه الملكي، وإن لم يصدر في صيغة قانون ملزم، إلا أنه يحمل دلالة قوية على ضرورة التحلي بالحكمة والتعقل في ظرفية اقتصادية صعبة، تعيش فيها البلاد تداعيات الجفاف وغلاء المعيشة. القرار الملكي نابع من حرص جلالته على حماية القدرة الشرائية للمواطن، وتوجيه الوعي الجمعي نحو أولويات أكثر إلحاحًا من مجرد التمسك بمظهر شعيرة لا يكتمل معناها إلا في ظل القدرة والاستطاعة.
ورغم ذلك، تشهد الأسواق الأسبوعية في عدد من مناطق المغرب إقبالًا متزايدًا على شراء الأكباش، وكأن شيئًا لم يصدر. هذا التناقض بين التوجيه الملكي والسلوك الشعبي يطرح تساؤلات جدية حول مدى تفاعل المواطنين مع الرسائل القادمة من المؤسسة الملكية، وهل هناك وعي كافٍ بأن توجيه الملك لا يأتي من فراغ، بل من رؤية بعيدة المدى تحفظ كرامة المواطن واستقرار المجتمع.
في هذا السياق، تطرح العديد من الأصوات أسئلة حارقة: هل ستتحرك السلطات المحلية لمراقبة مدى احترام هذا التوجيه؟ وهل سيتم اتخاذ إجراءات رادعة في حق من يخالفه؟ ثم ما هو الإطار القانوني أو التنظيمي الذي يمكن الاستناد إليه لضبط مثل هذه المخالفات إن حدثت؟
الواقع أن السلطات مدعوة إلى التحرك، ليس بالزجر وحده، بل بالتوعية أولًا، وتفسير أبعاد هذا القرار الملكي للمواطنين، وفتح حوارات عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل لفهم خلفيات هذه الدعوة إلى عدم الذبح. كما أن المراقبة الميدانية تظل ضرورية، خصوصًا في المناطق التي تعرف رواجًا كبيرًا لأسواق المواشي، حتى لا يتم تحويل الأضحية إلى استعراض اجتماعي مكلف يزيد من معاناة الأسر.
إن احترام التعليمات الملكية، خاصة في ظرف دقيق مثل هذا، هو من صميم الولاء للمصلحة الوطنية، وهو اختبار حقيقي لقدرتنا كمجتمع على التضامن، وضبط النزعة الفردية في مقابل الرؤية الجماعية. وكل إخلال بهذا التوازن هو في الواقع مساس بمسار عقلاني يرعاه جلالة الملك بنفسه، من موقع المسؤولية والرحمة تجاه شعبه.
يبقى الرهان اليوم على وعي المواطن، وعلى يقظة السلطات، وعلى قدرة الجميع في الانخراط في هذا القرار بروح إيجابية، لا خوفًا من المتابعة، ولكن إيمانًا بأن التضحية لا تقاس بحجم الكبش، بل بقيمة الطاعة والتضامن.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.