في ظل التحولات التي يعرفها المشهد السياسي المحلي، أصبح من الصعب على الأحزاب السياسية تحقيق معادلة متوازنة بين العمل الميداني الفعلي والتواصل الإعلامي المؤثر. فمن جهة، هناك أحزاب تنخرط في أنشطة ميدانية لكنها تفتقر إلى القدرة على إيصال صوتها إلى الرأي العام، مما يجعل تأثيرها محدودًا ومحليًا. ومن جهة أخرى، نجد أحزابًا تعتمد على الضجيج الإعلامي، لكنها تفتقر إلى قاعدة ميدانية صلبة، فتبدو وكأنها ظواهر رقمية أكثر منها مشاريع سياسية حقيقية.في هذا السياق، يبرز حزب الأمل بسطات كنموذج مختلف، استطاع أن يجمع بين دينامية ميدانية حقيقية وحضور إعلامي مدروس، مما جعله يحتل موقعًا متقدمًا في المشهد السياسي المحلي دون الحاجة إلى استعراضات فارغة أو حملات موسمية تنتهي مع انتهاء الاستحقاقات الانتخابية.لا يمكن الحديث عن نجاح أي تجربة سياسية دون الرجوع إلى أساسها الميداني. وقد فهم حزب الأمل منذ البداية أن التأثير الحقيقي لا يُبنى على الشعارات أو الوعود الفضفاضة، بل على القرب الفعلي من المواطن، والانخراط في قضاياه اليومية، وتقديم حلول ملموسة بدل الاكتفاء بانتقاد الأوضاع القائمة.لهذا السبب، جعل الحزب من التكوين والتأطير السياسي ركيزة أساسية في عمله، عبر إطلاق سلسلة من الورشات التكوينية والندوات واللقاءات المباشرة التي تهدف إلى رفع منسوب الوعي السياسي لدى الساكنة، وتأهيل الشباب للمشاركة الفعالة في الحياة العامة. وهذه الدينامية لم تأت كرد فعل لحاجة انتخابية، بل جاءت انطلاقًا من قناعة بأن السياسة ليست مجرد عملية اقتراع، بل هي بناء مستمر للمجتمع المدني وإعداد أجيال قادرة على تحمل المسؤولية.وبفضل هذه الاستراتيجية، استطاع الحزب أن يتجاوز الإطار التقليدي للعمل الحزبي، الذي يقتصر في الغالب على الاجتماعات المغلقة والتحركات الموسمية، ليؤسس لنموذج مختلف يقوم على التفاعل الدائم مع المواطنين، والاستثمار في الرأسمال البشري بدل الاقتصار على المنافسة الانتخابية.
غير أن العمل الميداني وحده، مهما كان ناجحًا، قد يظل محدود التأثير إذا لم يكن مدعومًا بحضور إعلامي ذكي. وقد أدرك حزب الأمل هذه الحقيقة، لكنه اختار أن يتعامل مع الإعلام بمنطق مختلف عن السائد؛ فبدلًا من التركيز على إثارة الجدل أو الركض وراء “البوز” الرقمي، اختار الحزب أن يكون حضوره الإعلامي مبنيًا على نقل واقعي لأنشطته، وإيصال رسائله بطرق تواصلية مدروسة، بعيدًا عن الخطابات الاستعراضية.وفي هذا السياق، يتجلى نجاح الحزب في قدرته على تحقيق توازن استراتيجي بين العمل الميداني والتواصل الإعلامي، بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر. فالحزب لا يعتمد على الإعلام كوسيلة دعائية، بل كمنصة لنقل الممارسة السياسية الجادة، مما جعله يتمتع بمصداقية في أعين الرأي العام المحلي، ويعزز حضوره دون الحاجة إلى إثارة الجدل أو اللجوء إلى أساليب الاستقطاب التقليدية.
من الدينامية إلى التأثير.. هل يتحول حزب الأمل إلى نموذج سياسي جديد؟
مع تصدره للمشهد السياسي المحلي في سطات، يواجه حزب الأمل تحديًا مهمًا: هل سيتمكن من تحويل هذه الدينامية إلى نموذج سياسي مستدام، أم أنه سيلقى المصير الذي عرفته العديد من التجارب الحزبية التي انطلقت بقوة ثم تراجعت بسبب غياب رؤية طويلة المدى؟النجاح الذي حققه الحزب حتى الآن يؤكد أنه يسير في الاتجاه الصحيح، خاصة وأنه استطاع أن يبني شرعية سياسية قائمة على العمل الملموس، لا على الوعود النظرية. ومع ذلك، فإن المرحلة القادمة ستكون اختبارًا حقيقيًا لقدرته على الاستمرار بنفس الوتيرة، وتوسيع قاعدة تأثيره، وضمان أن يظل الحضور الإعلامي في خدمة الفعل السياسي، لا العكس.
وفي النهاية، يبدو أن حزب الأمل قد نجح في إعادة تعريف مفهوم العمل الحزبي المحلي، عبر الجمع بين الالتزام الميداني والتواصل الذكي، وهو ما قد يجعله نموذجًا قابلًا للتكرار في مدن أخرى، بل وربما على المستوى الوطني، إذا استطاع الحفاظ على هذا النهج القائم على السياسة الفعلية بدل السياسة الاستعراضية.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.