صدر عن دار سليكي إخوان كتاب الدر المنضد الفاخر بما لأبناء مولانا علي الشريف من المحاسن والمفاخر، لمحمد بن عبد القادر الكردودي (ت 1852)، وهو بتحقيق الباحث خالد طحطح، وهو من أهم المصادر التاريخية عن الفترة الأولى من تأسيس الدولة العلوية، حيث تناول بتفصيل أخبار مؤسسها وأبنائه الثلاثة (مولاي محمد ومولاي رشيد ومولاي إسماعيل).
يمكن عد الدر المنضد استكمالا وإتماما لما جاء في نزهة الحادي وروضة التعريف لمحمد الصغير اليفراني وما جاء في البستان الظريف لأبي القاسم لزياني وكذا ما تضمنه تاريخ الضعيف الرباطي، إذ يبدو أن الكردودي استفاد من هؤلاء جميعا، وإن كان قد نسج في تأليفه على منوال اليفراني تحديدا.
يُعد كتاب الدر المنضد المحقق حديثا من أهم المؤلفات المصدرية في التأريخ لفترة حكم العلويين الأوائل، وما ميزه عن اليفراني مسلك الخاص الذي تفرد به، إذ الدر المنضد كتاب تاريخ وتراجم في نفس الوقت، وهو الأمر الذي سبق وأن أشار إليه ليفي بروفنصال في كتابه مؤرخو الشرفاء.
جاء كتاب الدر المنضد على شكل حوليات تتضمن أخبار السلاطين أبناء المولى علي الشريف، وقد جمع كل الأخبار والوقائع التي تفرقت في المصادر السابقة، وأتبعها بذكر وفيات الأعيان في زمانهم، ومما تميز به كتاب الدر المنضد التوثيق الدقيق، والتصميم الواضح، وتوافق المضمون مع عنوان الكتاب، إذ لم تفته الإشارة في غالب الأحيان إلى المصادر التي نقل عنها، كما جاء كتابه خاليا من الاستطرادات والمحسنات البلاغية، ومبوبا بشكل منهجي.
احترم محمد الكردودي التسلسل الزمني للأحداث، وحرص على تدوين كل الأخبار التي تضمنتها الكتابات السابقة، وأضاف إليها ما وقف عليه من معلومات جديدة عن تلك المرحلة، فكانت ميزته عمن سبقه جمعه ما تفرق في غيره، فجاء مطولا ومستوعبا للتفاصيل الدقيقة.
استقى الكردودي من الفصول الأخيرة لنزهة الحادي الكثير من المعلومات، لكنه لم يقتصر على هذا الكتاب، بل أضاف إليه ما جاء في كتابات الزياني عن تلك المرحلة التاريخية المبكرة من تاريخ الدولة العلوية، واستفاد من كتاب الضعيف الرباطي، كما اعتمد على كثير من المصادر الأخرى خاصة طتب التراجم والمناقب واستقى منها كل ما يتعلق بالتاريخ، وهذا ما يمنح لكتاب الدر المنضد القيمة والأهمية، فهو يعد أحد أهم المصادر التاريخية عن تاريخ الدولة العلوية في مرحلة التأسيس، ولا غنى للباحثين عنه.
اشتهر كتاب الدر المنضد بكونه كتابا غير تام، وإن كان هذا الأمر صحيحا من الناحية الشكلية، فالواقع خلاف ذلك من حيث المضمون، فالكردودي كان قد استكمل فعليا مباحث تاريخ أبناء مولاي علي الشريف الثلاثة وانتهى من ذكر أخبارهم وإنجازاتهم، ولم يتبق له سوى المبحث الأخير المتعلق بذكر وفيات الأعلام من رجال السياسة والعلم والصلاح الذين عاصروا السلطان إسماعيل، وقد كاد أن ينتهي منه، إلا أن وفاته حالت دون أن يتم هذا الفصل الأخير من كتابه، والذي توجد مادته كلها في نشر المثاني وصفوة من انتشر، مما لا يُنقص من قيمة هذا العمل، ولا يؤثر في بنيته
تحدث الكردودي في كتابه عن نسب العلويين ثم عن مؤسس الدولة مَحمد الشريف وترجم للرجالات الذين ماتوا في عهده، وانتقل إلى ذكر العهود التالية وما تم فيها من أعمال، وسجَّل الوفيات حتى بلغ ترجمة المولى إسماعيل وقد أتمَّها، ولم يزد فيما ذكره من تراجم العلماء والصلحاء على ما ورد في نشر المثاني وصفوة من انتشر، مع الاختصار، وتجدر الإشارة إلى أن الكردودي في الدر المنضد لم يذكر أكنسوس في كتابه ولو مرة واحد، مما يعني أنه ألف كتابه هذا قبل كتاب الجيش العرمرم الخماسي في دولة مولانا علي السجلماسي، فمحمد الكردودي توفي سنة 1852م، في حين توفي أكنسوس سنة 1877م.
لا يزال الدر المنضد مجهولا إلى الآن رغم أنه الكتاب الأكثر أهمية في التأريخ لتاريخ السلاطين العلويين الأوائل، إذ قلّما نجد له ذكرا في لائحة مصادر الباحثين، وعلى العكس تماما يتداول اسم نزهة الحادي في الأوساط العالمة بمختلف تخصصاتها، ولعل إعراض الأكاديمين المغاربة عن الدر المنضد واهتمامهم بـ نزهة الحادي أمر يجد تفسيره بالاهتمام الكبير الذي أولاه الأوروبيون للنزهة، فهذا الكتاب مذكور بالاسم سنة 1824م في مؤلف مورا الصادر ضمن العدد العاشر من مذكرات الأكاديمية الملكية للعلوم ببرشلونة، وتم استغلال معلوماته لاحقا في كثير من الدراسات التاريخية والجغرافية عن المغرب.
ارتبط اسم محمد بن عبد القادر الكردودي (ت 1851م) بكتاب كشف الغمة في بيان أن حرب النظام حق على الأمة، وهو الكتاب الذي غطى على باقي إنتاجاته الأخرى، ولا سيما كتابه عن تاريخ الدولة العلوية الموسوم بــ الدر المنضد الفاخر، بما لأبناء مولانا علي الشريف من المحاسن والمفاخر، الذي خصصه للملوك الثلاثة الذين أنشأوا هذه الدولة، وهم المولى مَحمد والمولى الرشيد والمولى إسماعيل.
استقى محمد الكردودي الكثير من المعلومات التي ضَمَّنها كتابه من الفصول الأخيرة لنزهة الحادي لليفراني؛ لكنه لم يقتصر على هذا الكتاب، بل أضاف إليه ما جاء في مؤلفات أبي القاسم الزياني عن تلك المرحلة التاريخية المبكرة من تاريخ الدولة العلوية، وبخاصة كتاب البستان الظريف. كما أنه استفاد من تاريخ الضعيف الرباطي، واعتمد على مصادر أخرى استقى منها المادة التاريخية لكتابه، خاصة كتب التراجم والمناقب؛ مِمَّا يمنح كتاب الدر المنضد مزيدا من القيمة والأهمية.
نسج الكردودي الدر المنضد على منوال نزهة الحادي، لكنه جمع فيه أخبارا أشمل وأوسع مما تضمنه هذا الأخير، كما تفرد عن اليفراني بمنهجه الخاص في التأليف حيث جمع بين التاريخ والتراجم.
اتّبع محمد الكردودي منهج التأريخ الحولي، إذ رتب الحوادث بحسب السنوات، وحرص على تدوين كل الأخبار التي تضمنتها الكتابات السابقة، وأضاف إليها ما وقف عليه من معلومات جديدة عن تلك المرحلة، فاجتمع فيه ما تفرق في غيره. ولهذا يعد كتاب الدر المنضد أكثر إسهابا في ذكر التفاصيل الدقيقة عن فترة الملوك العلويين الأوائل.
وعن أسباب تأليف الكردودي للدر كتب قائلا: “رأيت أقواما راموا جمعها فَما أتقنوا وضعها، فمنهم من مال إلى جانب الاختصار ميلا، ومنهم من جعلها لمقاصده ذيلا (يقصد اليفراني)، فصيّر العمدة فضلة، وجهل شرف التقديم وفضْله، ومنهم من طال وأسهب، لكنه حاد عن الطريق الأصوب. فجمع بين الغثّ والسّمين، وخلط الجزع بالدرّ الثّمين، وربّما أكل لحما مسموما (يقصد الزياني)، فكان فعله لذلك قبيحا ومذموماً (…) فاقتضى الحال وضع كتاب يكمل ما بقي من الفضائل، ويلحق الأواخر بالأوائل، انْتَدَبْتُ لهذا الغرض وقُمت بواجب حقه المفترض، فوضعت هذا الكتاب الجامع لمحاسن اللباب، الآتي من أخبار الملوك العلويين الأشراف، بما يستحسنه الأواسط من الناس والأطراف”.
بدأ محمد الكردودي كتابه، على عادة المؤلفين في ذلك العصر، بالبسملة، ثم بمقدمة استهلها بحمد الله والصلاة على رسوله الله، قبل أن ينتقل بعد ذلك إلى ذكر سبب تأليفه كتابا في تاريخ دولة الأشراف العلويين، وسمَّاه بخط يده الدر المنضد الفاخر بما لأبناء مولانا علي الشريف من المحاسن والمفاخر.
وأول ما استهل به مؤلفه قوله: ” الحمد لله الذي أطلع في سماء الخلافة بدُورا، وأظهر من أنوَار مجدهم مَا كان بسحاب الفتن مستوراً، وحلاّهم حلى المفاخر، وفضّلهم على ملوك العصر الأول والآخر، ورقّاهم في الكمالات إلى أعلى المراتب”.
وقد اعتمد الكردودي على كتب التاريخ التي ألفت قبله في تاريخ الأشراف العلويين، بالإضافة إلى كتب التراجم، وكان يشير في الغالب إلى المصادر التي ينقل عنها، أما عن منهجه في الكتابة فهو لا يختلف كثيرا عن منهج اليفراني في النزهة، والملاحظ خلو الكتاب من الاستطردات، إذ التزم بالدقة والضبط وفصَّل في ذكر الأخبار الخاصة بالسلاطين العلويين الأوائل، وأتبع سيرة كل سلطان بتراجم العلماء والصلحاء ممن عاصروه.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.