تفعيل المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية: واقع معلق وآفاق مستقبلية

abdelaaziz616 فبراير 2025Last Update :
تفعيل المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية: واقع معلق وآفاق مستقبلية

 

الباحثة نعيمة عتماني

تخصص حوار الأديان

 

يعد المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية أحد الآليات الدستورية التي نصّ عليها دستور 2011، بهدف حماية وتطوير اللغات والثقافات الوطنية وتعزيز التعددية اللغوية والثقافية التي تميز المغرب. ويعكس إحداث هذا المجلس التزام الدولة بترسيخ التنوع الثقافي واللغوي كجزء أساسي من الهوية الوطنية، من خلال إطار مؤسساتي يسهم في صياغة سياسات لغوية وثقافية متكاملة.

ورغم الأهمية البالغة لهذه المؤسسة، فإن تفعيلها لا يزال معلقًا حتى اليوم، على الرغم من صدور القانون التنظيمي رقم 04.16 المتعلق بالمجلس في الجريدة الرسمية بتاريخ 30 مارس 2020، والذي مثّل خطوة قانونية جوهرية نحو إرسائه. غير أن هذا التعثر يطرح تساؤلات جوهرية حول العوامل التي تحول دون التنفيذ الفعلي، لا سيما في ظل الحاجة الملحة إلى سياسات لغوية وثقافية قادرة على الاستجابة للتحولات الاجتماعية والاقتصادية وتأثيرات العولمة.

إن غياب التفعيل الفعلي لهذا المجلس قد يعود إلى مجموعة من الإشكالات المؤسسية والهيكلية، بما في ذلك غياب رؤية واضحة حول آليات التنفيذ، أو تحديات ذات طابع إداري وتنظيمي تعيق مباشرة مهامه على أرض الواقع. كما قد يكون هذا التأخير مرتبطًا بالإكراهات المتعلقة بتنسيق عمل المؤسسات المعنية بالسياسات اللغوية والثقافية، فضلاً عن ضرورة توفير الموارد اللازمة لضمان اشتغال المجلس وفق الأهداف التي أُحدث من أجلها.

في الآونة الأخيرة برزت دعوات متزايدة للإسراع في تفعيل المجلس، حيث شدد المجلس الوطني لحقوق الإنسان في يوليوز 2024 على ضرورة التعجيل بإخراج هذه المؤسسة إلى حيز الوجود، معتبرًا أن ذلك سيساهم في تعزيز التعددية اللغوية والثقافية بالمغرب وضمان حكامة رشيدة للسياسات اللغوية والثقافية. كما أن المجتمع المدني والمهتمين بالشأن اللغوي والثقافي يطالبون بوضع آليات عملية تضمن بدء عمل المجلس في أقرب الآجال، خصوصًا في ظل الحاجة الملحة إلى تدبير متكامل وعادل للتنوع اللغوي والثقافي.

وفي ظل هذا السياق، يبقى التسريع بإخراج المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية إلى حيز التنفيذ ضرورة ملحة لتعزيز الانسجام الثقافي واللغوي، وتحقيق الأهداف التي سطّرها الدستور في هذا المجال، إن تفعيل المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية يمثل خطوة مفصلية في تعزيز الهوية الوطنية المتعددة المكونات، ويعكس التزامًا راسخًا بشرعية التنوع الثقافي والانفتاح على التعددية. غير أن المضي قدمًا في هذا الإطار يتطلب بالضرورة التغلب على العديد من العقبات والتحديات التي تواجه المجلس، الأمر الذي يستوجب توفير إرادة سياسية حقيقية، إلى جانب تنسيق مؤسسي بالغ الفعالية، بالإضافة إلى تخصيص الموارد اللازمة لضمان فاعلية أداء هذه الهيئة في تحقيق مهامها الموكلة.

يعد تفعيل المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية ضرورة ملحة لضمان صياغة سياسات لغوية وثقافية متكاملة ومتوازنة، تعكس التنوع اللغوي والثقافي الذي يميز المغرب. ولن يتحقق ذلك إلا من خلال تبني استراتيجيات دقيقة وفعالة، تمكّن هذه المؤسسة من الاضطلاع بدورها كآلية لحماية التعددية الثقافية وتعزيز السياسات اللغوية، بما يضمن استدامتها وتكيفها مع التحولات المجتمعية.

ولا يقتصر دور المجلس على صون هذا التعدد، بل يتجاوزه إلى تطوير سياسات ثقافية قادرة على مواكبة المستجدات التكنولوجية والتحولات الاجتماعية، مما يسهم في دعم الإبداع الفني وتعزيز الإنتاج المعرفي. ويتطلب ذلك اعتماد مقاربة تشاركية تدمج مختلف الفاعلين الثقافيين والمؤسسات المعنية، لضمان انسجام السياسات الثقافية مع التحديات الراهنة. وفي هذا الإطار، يشكل تفعيل المجلس ركيزة أساسية لوضع سياسات لغوية وثقافية مستدامة، تأخذ بعين الاعتبار التعدد اللغوي والثقافي للمغرب، وتستجيب لمتطلبات التنمية الثقافية والمعرفية للمجتمع المغربي في سياق الألفية الثالثة.


اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Breaking News

اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading