حاورها الكاتب الصحفي: ابراهيم بن مدان
السيدة نزهة بوشارب هي رئيسة مؤسسة التواصل النسائي الدولي، حاصلة على شهادة الدكتوراه في البيئة والتنمية المجالية من المدرسة المحمدية للمهندسين، وعضو في حزب الحركة الشعبية. شغلت منصب وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة سابقا، كما أنها ناشطة في مجالات البيئة والتنمية المستدامة، وخبيرة استشارية لدى العديد من المؤسسات الدولية منها “برنامج الأمم المتحدة الإنمائي” و”الوكالة الألمانية للتعاون الدولي” و “خبيرة في مجال تطهير السائل وتدبير النفايات” إلخ
في هذا الحوار سنتطرق لموضوع وضعية حقوق المرأة في المجتمع المغربي وكذا مدونة الأسرة، ومواضيع أخرى
س: بداية كيف تقيمون الوضع الحالي لحقوق المرأة في مجتمعنا؟
ج: باعتماد النسبية والموضوعية في التحليل، ودون الانطلاق من أحكام قيمية جاهزة، أعتقد أن الوضع الحالي لحقوق المرأة في المغرب ليس بتلك السوداوية التي يروج لها البعض كما أنها لا تمثل منتهى الكمال، بل إن هذا الوضع هو نتاج لمسار حقوقي بدأ من الاستقلال وبناء الدولة المغربية العصرية.
في هذا السياق، لا يمكن إنكار الطفرات المهمة التي حققتها بلادنا في مجال النضال من أجل المساواة، بفضل التقاء إرادة مؤسسة ملكية مواطنة بإرادة أحزاب سياسية ومكونات مجتمع مدني يكتسب قدرة على التأثير يوما بعد يوم.
لقد كان لتعليم الفتاة دور كبير في إبراز القدرات الكامنة لدى النساء المغربيات، اللواتي أثبتن، ليس كفاءتهن فحسب، بل أيضا عن مساهمتهن في حمل وتجسيد ونقل القيم الفضلى، علاوة على صمودهن في وجه كل الأفكار الماضوية التي تسعى إلى اختزال أدوارهن في الإنجاب والطبخ والكنس والغسيل.
اليوم نسجل تنامي الوعي المجتمعي بأن المستقبل سيكون انتصارا لقيم العدل والمساواة والإنصاف. مصلحة الموطن تستلزم ذلك كحتمية تاريخية، لأنه لا يمكن أن تتقدم المجتمعات التي تقصي نصفها.
س: كيف كان تفاعلكم في مؤسسة التواصل الدولي النسائي مع مدونة الأسرة الجديدة؟ وهل ستساهم في تعزيز حقوق المرأة والطفل في المجتمع؟
ج: قبل الإجابة عن سؤالكم، أود التذكير بأن مؤسسة التواصل النسائي الدولي كانت في صدارة المكونات المجتمعية التي تجاوبت مع دعوة جلالة الملك محمد السادس إلى مراجعة مدونة الأسرة بعد 20 سنة من التطبيق. في هذا الصدد، قمنا بعدد من الاستشارات ونظمنا عددا من الأنشطة المفتوحة على كل الأطياف، بهدف الإصغاء إلى نبض المجتمع بكل أطيافه المتنوعة.
كانت مقاربتنا موضوعية وواقعية وغير مستندة إلى أحكام مسبقة أو خلاصات جاهزة، لذلك كانت المذكرة التي قدمناها للجنة المكلفة بمراجعة المدونة وفية لتلك المقاربة. وبالتالي فإن موقفنا الأول بعد اطلاعنا على المخرجات التي تم تداولها كان موقفا إيجابيا يعكس الارتياح لكون بلادنا تسير على الطريق الصحيح للإصلاح، بكيفية تدرجية تراعي كل الحساسيات.
س: ما هي أبرز التحديات التي تواجه تطبيق مدونة الأسرة على أرض الواقع؟
ج: هي ليست تحديات بالمعنى الدقيق، بل هي تحصيل حاصل لطبيعة مجتمع مزيج ومركب بالمفهوم الباسكوني ( نسبة إلى عالم الاجتماع المغربي الراحل بول باسكون)، وهو مفهوم يعكس تنوع المرجعيات والروافد والثقافات، وبالتالي فإن كل السجالات التي ترافق التدافع حول مختلف القضايا المجتمعي هي حالة صحية. ففي نهاية المطاف، نحمد الله على نعمة مؤسسة إمارة المؤمنين، التي ترعى الوحدة الوطنية وتضمن التوافق حتى حول القضايا الخلافية الأكثر حدة.
س: هل تعتقدون أن مدونة الأسرة كفلت المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة؟
ج: ردا على سؤالكم، أحيلكم بداية على أن مبدأ المساواة بين كل المواطنين، ذكورا وإناثا، هو حق مكفول في الوثيقة الدستورية لفاتح يوليوز 2011، وبالتالي فإن أي عودة للنقاش حول المساواة هي أمر مرفوض، لأنه يعيدنا إلى الوراء. حتى في المرجعية الإسلامية التي يحاول البعض توظيفها لتكريس دونية المرأة، فإننا نذكر بأن الحديث النبوي نص على أن النساء شقائق الرجال.
ما هو مطلوب اليوم هو أن تطبق هذه المساواة في كل المجالات بعيدا عن مدونة الأسرة، مثلا في مدونة الشغل وفي الولوج إلى مواقع المسؤولية واتخاذ القرار. هذه هي المساواة الحقيقية التي كانت من أسباب نزول مؤسسة التواصل النسائي الدولي.
س: ما هي أبرز الإنجازات التي تحققت في مجال حقوق المرأة خلال السنوات الأخيرة؟
ج: هي إنجازات عديدة تحققت كما أسلفت سابقا بفضل توحد إرادة ملكية مواطنة مع إرادة تيارات مجتمعية متنورة وحداثية. على سبيل الذكر لا الحصر، هنالك قانون منح الجنسية لأبناء المرأة المغربية المتزوجة بأجنبي، تعيين النساء في مناصب كانت في الماضي حكرا على الرجال كمهنة العدول، تشجيع حضور النساء في المشهد السياسي وفي المؤسسات المنتخبة. اللائحة طويلة والمستقبل أوعد.
س: باعتباركم رئيسة لمؤسسة التواصل الدولي النسائي ما هي مطالبكم لإقرار المساواة بين الرجال والنساء في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والبيئية ببلادنا؟
ج: إن مفهومنا للمواطنة ينطلق من قناعتنا الراسخة بأنها كل لا يتجزأ، وبالتالي فإن ما سميتموه بالمطالب أمر يعتبر متجاوزا CADUC . علينا الآن أن نعبر من مرحلة الترافع إلى مرحلة تنزيل وتطبيق جوهر الدستور المغربي الذي يعتبر من أكثر الدساتير تقدما في العالم .تطبيق الدستور وحده كاف لإقرار المساواة وتخطي حالة الانفصام التي تقف حجرة عثرة في سعي بلادنا إلى التقدم والرقي.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.