أحمد مازوز / كاتب صحفي
لقد سيطرت التفاهة على مجتمعنا و أصبح الحديث عن الثقافة والمعرفة ضربا من العبث العقلي في زمننا ومحيطنا حتى أن المرء وسط هذه الأكمة من التناقضات لا رغبة له في التأمل والتفكير ولا وقت له لذلك فلقد حاصره التافهون من كل حدب وصوب بالمشاهد الجافة المعنى والهدف وحاصروه بالصور السخيفة والاعلام المنحط الاركان إلى أن أصبحت الصورة هي الوسيلة الوحيدة للتفكير وأصبحت الكتابة غريبة في حياتنا الراهنة وغدت الكلمات تائهة ومشردة تبحث لها عن مأوى بين الأنامل فلا تجد مسارا لها ، فقد احتلت الصورة كل واجهات المواقع والصفحات ونادر المنافحون من المسترزقين بحقوق 000چ و اشباه الصحافيين كل جهدهم وبُغْيَهم لنشر التفاهة واطعامها بالسفاهة والوضاعة التعبيرية.
إن نظام الرداءة والتفاهة الذي أبتلينا به وأصبح قدر مجتمعنا يسمح لشخص نكرة معلوم بتفاهته بأن يتاجر بما يملك من رصيد من التفاهة ويعمد إلى تبييض موقعه في أية مسؤولية كانت، فيبني له طبالين ومداحين يُشغل بهم رأي الاخرين فيه ،أو ينشئ له حواريين من مهندسين بارعين في تصميم فن التفاهة وروغانها حد التخدير فيغدو هذا التافه النكرة رمزا وكبيرا في المجتمع المحيط به أو المؤمن بما يكتبه ويصدره من حماقات ليست الا عصارة من الحمضيات التافهة، بل يقدره الآخرون صاحب الرأي والمشورة والسلطة والقول؛ أمرا ونهيا ،كما ذهب إلى تسميته الفيلسوف الكندي المعاصر “آلان دونو “في كتابه ” نظام التفاهة “، أو النظام الاجتماعي الذي تسيطر فيه طبقة الأشخاص التافهين على معظم مناحي الحياة,بل ويصبح أيضا صاحب الحضوة والسيادة ويوجه ثقافة المجتمع مع زمرة من الإعلاميين التافهين حتى يحقق التطبيع بين الفساد والمجتمع لدرجة تصبح فيه الفضيلة خطيئة تستوجب المحاسبة ،اما الخطيئة فعند هذه النماذج فضيلة الفضائل تغدو معها القيم والمبادئ حمقا والخبث عبقرية وذكاء ،الى درجة بالغة من الطغيان والتحكم حتى أنْ لا أحد يقوى أن يجهد نفسه بالتفكير والرأي ،لان الكل يتجنب التفكير مثلما يتجنبوا مرضا خبيثا لا يخطئ من ادركه .
خشية إصابة المجتمع بعدوى التأمل والتفكير في الواقع وضع اهل التفاهة التفكير في الحجر الصحي تحت الإقامة الجبرية لكي تُسَيد التفاهة بجميع الوانها ويجدون من يدود عنها ويغذيها
ويصنع لها ذُبابا من “الحُماق” ممن اشتدت بهم شهوة مقارعة كؤوس التفاهة على موائد السفاهة الفكرية والثقافية .
فالتفكير كالفيلسوف يمثل تهديدا ليقين المجتمع الذي أسسه التافهون وجعلوا منه طوقا يدْرَأ عنهم كل تأويلات ممارستهم وما ينتج عنها من تعثرات اجتماعية وثقافية وسياسية واخلاقية وبدرجة محرجة اقتصادية ناتجة عن تناقص منسوب الثقة في المنتوج المحلي أمام الوثوق بالعلامات التجارية الأجنبية المسجلة على اي منتوج مستورد.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.