بقلم:-محمد سعد عبد اللطيف ،مصر،
من حسن حظ الروائي انه يستطيع قول وكتابة ما لا يستطيع غيره كتابته، خاصتاً اذا كان محمياً بقانون وعرف وأخلاق وتقاليد صافية ووثاثق.في حادث مقتل” أم فهد” العراقية في بغداد..اعاد الي الذاكرة صديقي الروائي العراقي /حمزة الحسن في مقال له .. عن شخصية” سعيد مهران المصري وسعيد مهران العراقي” ..في بلدان أقدم من التاريخ ..وفي
مجتمعات تنحدر نحو الهاوية على صوت المآذن وأجراس الكنائس ومناحات التاريخ وطقوس الشرف المزيف
والرصاصة الخاطئة”
كتب نجيب محفوظ عام 1961 رواية اللص والكلاب عن سفاح الاسكندرية/
محمود أمين سليمان /عام 1960، وكتب حمزة الحسن هذا الاسبوع عن أم فهد وقارن بين مكان مصرعهما .. سعيد مهران قصة حقيقية .وام فهد واقع حقيقي..
براعة الكاتب
قلب الحكاية كلها لأن الأدب رؤية ذاتية وليس مطابقة مع الواقع، وحول الحدث الفردي الى قضية كبرى، وتم تجسيد العمل الي فيلم سينمائي،
وغاب عن عالمنا العربي رؤية محفوظ الاستثنائية عن ربع قرن من تاريخ مصر الحالي بعد رحيله،
“سعيد مهران في اللص والكلاب” خيره القاتل محمود أمين،
عن الاختيار والحرية وحدود المسؤولية والخيانة والقسوة،
وصراع الإنسان الأعزل والوحيد أمام الشر والخديعة والنذالة.
تبدأ الرواية من خروج “سعيد مهران” من السجن بعد أن تنكر له الجميع،
حتى إبنته “سناء “رفضت تقبيله ولم يقف معه في المحنة غير (الراقصة نور) ،وهنا تتجسد عبقرية محفوظ في قلب كسر النمطية الاخلاقية ،
تقول له بعد أن خانه الجميع:
” أحطك بعيني وأكحل عليك”.
الراقصة”نور” حقاً الشمعه التي تضيء الطريق
في ظلام سعيد مهران.
نجيب محفوظ دقيق في اختيار الاسماء وأدوارها، وتأتي الأدوار مطابقة أو متناقضة مع الأسماء: إبنته سناء : معناها الشرف والرفعة، لكنها تتنكر بلا شرف للأب الضحية.
نور: راقصة، لكنها تقوم بدور الوفاء المشرف.سعيد مهران: وهو حزين، ومهران تعني الذكي والماهر والحاذق،
لكنه مزيج من السذاجة والبراءة.
رؤوف : الرحمة والحنان والرأفة، لكنه إنتهازي ونذل وخائن،
والمفارقة أنه من أسماء الله الحسنى.
بتعبير الشاعر السوري: نزار قباني:
“إن أقبح ما فينا هي الأسماء”.يقرر سعيد مهران الانتقام من صانعي مأساته ومنهم “رؤوف علوان”
المثقف الانتهازي الذي إستغل سعيد مهران لتحقيق المنصب والجاه والثراء،
وفي الوقت نفسه يكتب خطابات منافقة ضد الفساد والباشوات ويدفع سعيد مهران للسرقة وتبريرها له ثم السجن.
خرج سعيد مهران من السجن ووجد أن جميع صانعي مأساته هم أغنياء،
“رؤوف علوان” ورطه في جريمة وصديقه “عليش” يتزوج زوجته وابنته تنكرت له كلص، ورغم محاولات الشيخ” علي الجنيدي” رجل دين وصاحب طريقة في تهدئة قلق سعيد مهران وحثه على الصبر وانتظار انتقام الله،
لكن سعيد مهران يعرف ان صبر الله طويل فيقرر قتل رؤوف وعليش.
يطلق النار على “عليش” لكنه يقتل خطأ شريكه في العمل،
فيستغرق رؤوف علوان الذي صار رئيس تحرير في وصف الجريمة،
مما أثار غضب سعيد مهران وقرر قتله،
ويتربص به ويقول له وجهاً لوجه:
“أنا سعيد مهران ، خذ”.
يطلق عليه الرصاص لكنه للمرة الثانية يقتل شخصاً بريئاً هو الحارس،
وبعد مطاردة في المقبرة يُقبض عليه.
عاش سعيد مهران وحيداً كضحية، وعندما إختار محفوظ المقبرة مكان صراعه الأخير، ليجسد أعنف حالات القسوة عندما لم يجد مكانأ يأويه غير المقبرة.
إنتهى سعيد مهران في الرواية، وقد يقوم روائي آخر،ويقدم رؤيا جديدة لسعيد مهران والكلاب: لعصرنا الحالي من ظهور شخصيات غريبة عن مجتمعنا انشغل بهم رواد /شبكات التواصل الاجتماعي والاعلام /امثال صبري نخنوخ/والعرجاني / وابراهيم عيسي ويوسف زيدان وغيرهم واخذوا مساحه كبيرة من حالات السيجال والجدل ،والكلاب علي حدود مصر الشرقية يقتحمون اليوم رفح أخر معاقل المقاومة ..، إن الضحايا كثر والقتلة كثر وغالباً ما تخطئ الرصاصة.،كان خطأ مهران الفادح هذه المرة قناعته أن الرصاصة التي تقتل
الانتهازي واللص المثقف رؤوف قد تقتل الفساد لأنه منظومة متكاملة
وبنية سياسية واجتماعية،
وأنه أطلق النار على الشخص الخطأ والمكان الخطأ،
ومرة ثانية يظهر نجيب محفوظ ذكاء وعمق وعبقرية الروائي في جعله
يخطيء الهدف مرتين. اشار في نفس السياق الروائي العراقي /حمزة حسن /
يحضر سعيد مهران في قضية ” البلوغر أم فهد” وقتلها باحترافية وسهولة حتى أن القاتل جمع مغلفات الرصاصات القاتلة لاخفاء الرقم وسرق هاتفها.
لكن أم فهد واحدة من منظومة فساد كاملة والرصاصة التي قتلتها لن تقتل الفساد الاخلاقي والسياسي وكانت ترقص مع الذئاب والافاعي بمرح ، هي جزء من نسيج عام للفساد لكنها كانت تعمل بعلانية ووضوح دون اخفاء ودون أقنعة ،
لكن هناك من أخطر منها في الفساد ممن يتنكرن باسماء مستعارة وصفحات.وهمية ومغلقة سرية مخفية..اعتقد .لم تدّع أم فهد انها عاشقة..
بل تصرفت كما تفكر وفعلت كما تقول والرصاصة التي قتلتها لن تقتل نسيج الفساد العام الغاطس في الاسرار والأقنعة.لماذا يراد ان تختفي الأم الشريفة والزوجة المخلصة والفتاة النظيفة والكاتبة الملتزمة، من الواجهات لكي تظهر هذه النماذج الدونية المنحطة؟سعيد مهران قُتل في مقبرة كما قتلت أم فهد في سيارة، لكن سعيد مهران العراقي أخطأ الهدف مرات من قبل وسيخطيء.هذه الحادثة رأس جبل الجليد الغاطس أعظم والصمت تواطؤ صامت ومناخ للجريمة ولا جريمة بلا مناخ ولا لغة تبرره.،،،!!
محمد سعد عبد اللطيف ،كاتب وباحث مصري،متخصص في علم الجغرافيا السياسية ،،
[email protected]
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.