من مدينة الناضور يوم الخامس من مارس 1962 سيغتني المشهد الفكري المغربي بميلاد مفكر ومؤرخ من العيار الثقيل، ليحلق في رحلة دراسة ومعرفة من الناضور، ووجدة، والرباط، وستراسبورغ محققاً مساراً استثنائيا لمفكر ارتبط وجدانه بالذاكرة الشعبية لبلاده، حيث حبه للمغرب والمغاربة سيجعل كتاباته مخضبة بالكثير من المعرفة، والأمل والاعتزاز بالهوية المغربية.
شغل العديد من المناصب بعد حصوله على الدكتوراه في موضوع العلاقات في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وقد عرف عنه تفانيه في العمل المدني والعلاقات الثقافية في فرنسا التي احتل فيها مكانة فاعل مدني بامتياز، حيث يرجع له الفضل في مشروع بناء المسجد الكبير في ستراسبورغ الذي يعتبر أول منشأة تم تصميمها منذ البداية للديانة الإسلامية.
استطاع عبد الله بوصوف بصفته الرئيس المؤسس لمؤسسة مسجد ستراسبورغ أن يترافع عن الثقافة المغربية بأبعادها المتعددة، وأن يقيم جسور رفيعة المستوى بين مختلف الجاليات العربية الإسلامية من جهة، وعدد من السياسيين والحكومات المتعاقبة في فرنسا في تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة، وهو ما أهله ليكون خبيرا لدى المفوضية الأوروبية ضمن برنامج «روح من أجل أوروبا»، ويترأس لجنة التكوين في المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (CFCM) قبل أن يتم انتخابه نائبا لرئيس المجلس، وأن يصبح عضوا مشاركا في معهد الدراسات الإسلامية في بروكسل. كما أسس وأشرف على إدارة المركز الأورو-إسلامي للثقافة والحوار بمدينة شارلروا بلجيكا.
لقد آمن عبد الله بوصوف، وعبر كل المناصب التي تقلدها، بأهمية الحوار الفكري والثقافي في مد الجسور بين الحضارات والثقافات والمجتمعات، وهو ما دافع عنه، وما يزال عبر عشرات الكتب والإصدارات سواء بالعربية أو الفرنسية، أو باللغات الأخرى التي ترجم إليها، مثل الإسبانية، والانجليزية، والإيطالية. وهو ما تواصل عبر تعيينه من قبل جلالة الملك محمد السادس نصره الله أمينا عاما لمجلس الجالية المغربية بالخارج، مترجماً ثقة جلالته ورعايته لمغاربة العالم. حيث وظف خبرته وعمله الميداني المتواصل في خدمة المغاربة في مختلف دول العالم.
إن عبد الله بوصوف رجل دولة وفكر بامتياز، متعدد ومخضرم، مقيم في الكتابة والفكر، ومترحل بين العواصم والدول، من خلال ما ينشره من مقالات وحوارات في مختلف المنابر المغربية والعربية والأجنبية، مؤمن بالمواطنة الكونية. ولذلك، يعتبر أن ما تفسده السياسة والحروب والصراعات تصلحه الثقافة، وأن الحوار الفكري كفيل بتوضيح صورة الإسلام الحقيقية بعيدا عن التطرف والغلو، وبعيدا عن صناعة الخوف من الإسلام والمسلمين. إن الصورة الرفيعة التي يرسمها المفكر عبد الله بوصوف عن المجتمع الإنساني المأمول تجد صداها في كتبه: “الإسلام والمشترك الإنساني”، و”الإسلام والغرب والإعلام وصناعة الخوف”، وهي كتب صدرت بأكثر من أربع لغات.
إن عشق المغرب حينما يستوي لدى مؤرخ رفيع عقيدة، جعلت عبد الله بوصوف، وهو المتمرس بأدوات البحث والتقصي المعرفي، ينتصر للحضارة والثقافة المغربية، سابحاً في عمق هذا البلد العريق، ليقدم للعالم صورة بهية عن مغرب يخاله بلد لقاء الحضارات وتواصل الثقافات وانصهارها الكوني، خاصة في ظل ما يصطلح عليه هذا المفكر بتمغرابيت، كتوصيف للشخصية القاعدية للمغاربة، والتي خصها بكتاب هام بعنوان: ” تمغرابيت: محددات الهوية وممكنات القوة الناعمة”‘، معتبراً أنها تكونت عبر نموذج خاص في التدين المغربي، حيث إمارة المؤمنين مرجعية روحية للوسطية والاعتدال، وهي قضايا ترافع عنها بوصوف في كتبه الكثيرة، من قبيل: “إمارة المؤمنين، المرجعية الروحية لوسطية الإسلام”، و “في مواجهة المرآة، من أجل سياسة عمومية لصورة المغرب”، و”ملكية في أرض الإسلام”…إلخ، ولأنه يؤمن بأن الحوار تواصل ولغات وثقافات، فهو يكتب بأكثر من لغة، وتسافر كتاباته عبر لغات عدة، مثلما تتعدد ور النشر التي يتعامل معها بين المشرق والمغرب وأوروبا.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.