- بقلم: نورا الفواري
ما زالت “ماما” فرنسا عاجزة عن استيعاب أن المغرب، الذي تتعامل معه بوصاية الأم على ابنها، بدأ يكبر ويرغب في الخروج من جلبابها والحصول على استقلاليته بعيدا عنها، مثلما تتطلبه سنة الحياة والطبيعة. كما يرفض عقلها الباطن أن يعي أن المملكة لم تعد مستعمرة قديمة تابعة لها، تأتمر بأوامر مقيمها العام الجديد إيمانويل ماكرون، وتسهر على تنفيذ جميع رغباته وتلبية أهوائه ونزواته.
لقد أصبحت فرنسا، التي فقدت الكثير من قوتها وعظمتها، تنزعج من المغرب، بعد أن شب عن الطوق، وفهم أن من حقه أن ينوع شركاءه الاقتصاديين والعسكريين والإستراتيجيين، وينفتح على التعاون مع بلدان أخرى وفق ما تتطلبه مصلحته، بل إنها أصبحت تحقد عليه مثل عجوز شمطاء لا تتوقف عن “النكير”، تركها رفيق العمر، الذي لا يزال في ربيع العمر، ليستكشف آفاقا أخرى أكثر تحررا من عقد الماضي، وتنضح ب”الشبابية” والحيوية والنشاط.
جن جنون فرنسا وهي ترى المغرب يتألق خارج الحدود التي رسمتها له. وغاضها أنه نجح في التخلص من سيطرتها وتحكمها، خاصة بعد أن بدأ يطالبها بموقف واضح من قضيته الوطنية، لكنها ظلت تماطل وتتهرب و”تطنز” رغم أنها أعرف الدول بمغربية الصحراء، بحكم أنها استعمرت المملكة عقودا طويلة، وفضلت سياسة اللعب على الحبلين من أجل أن لا تفقد مصالحها الحيوية مع الجزائر، وهي اللعبة التي لم تعد بلادنا راغبة في التعامل معها ب”عين ميكة”، وقررت القطع معها نهائيا، بعد أن وصلت مرحلة الحسم في نوعية علاقاتها مع الشركاء والأصدقاء المفترضين.
ولأنها تسعى إلى المال وتحب الاستغلال، وجدت فرنسا في كارثة الزلزال فرصة ستفسح لها المجال لتهدئة التوتر القائم بينها وبين المغرب، وفي الوقت نفسه يكون “صبعها تما” في جميع الصفقات الممكنة، التي لها ارتباط بالفاجعة التي دمرت منطقة الحوز، فعرضت مساعداتها على المملكة، التي كانت حاسمة في رفضها، مكتفية بقبول مساعدات أربعة بلدان فقط. لكن “الماما”، التي اعتادت من المغرب “oui oui béni”، لم تتقبل أن يكون سيد قراراته، فسلطت عليه وسائل إعلامها، التي بدل أن تتعامل مع الكارثة التي دمرت البيوت وأزهقت الأرواح، بمهنية وروح إنسانية، شنت حملة بئيسة استهدفت شخص الملك، وتحركت وفق منطق “مالك مزغب”، خلافا لباقي بلدان العالم، التي عبرت عن مساندة صادقة ودعم حقيقي، رغم أن عددا كبيرا منها لم يشارك في حملة المساعدات الإنسانية التي قبلتها مملكة محمد السادس.
ووصل الأمر بساكن قصر الإليزي، إيمانويل ماكرون، أن تجرأ ووجه خطابا إلى الشعب المغربي، في خطأ بروتوكولي صارخ، الهدف من ورائه إثارة الفتنة بين الشعب المغربي الذي لقنه درسا عظيما في اللحمة والتضامن، بمن في ذلك مغاربة فرنسا، المستقرون فيها منذ عقود والمتجنسون بجنسيتها، الذين أشادوا بحكمة المغرب وملكه في تدبير تداعيات الزلزال والتعامل الرزين الوازن مع سياسة “التبرهيش” و”كوي وبخ”.
لقد نسيت فرنسا، “نكارة الخير”، أن المغاربة ضحوا بدماءهم من أجل تقدمها، وأن ازدهارها كان بفضل خيرات المملكة التي نهبتها. لقد حافظ المغرب على علاقة طيبة معها رغم التوترات التي كانت تطل برأسها بين الفترة والأخرى، حسب التوجهات السياسية لرؤسائها، ومكّنها من الصفقات الكبرى التي “لهفت” من وراءها ملايير الأوروهات، ومنحها الأولوية في أغلب مشاريعه الكبرى وعلى رأسها “التي جي في”، لكنها أصرت على نظرتها الاستعلائية تجاهنا، واستكثرت علينا أن نرتقي ونصعد، ووضعت لنا “العصا في الرويضة”، مستغلة قضية الصحراء من أجل ابتزاز المغرب وملكه وشعبه.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.