إلى حاضرة المحيط.. إلى مدينتي “آسفي”

voltus10 مايو 2023Last Update :
إلى حاضرة المحيط.. إلى مدينتي “آسفي”

 

عبد الرحمان الزّْنَادِي

لم يحصل أبدا أن كتبت عن مدينتي ” آسفي” بدون اعتماد على مصدر أو مرجع، لا أعرف لماذا؟ ربما من أجل الدفاع عن شيء ما أعتقده، أو رغبة مني في إيصال نفس الإحساس العميق الذي أكنه لها إلى الآخرين، لكن، ليس فقط من باب العاطفة، بل من باب العقل أيضا.
لقد ارتَبَطْتُ بمدينتي وارْتَبَطَتٌ هي أيضا بي، فأصبح من البديهة أن كل من يتعرف عليّ، يتعرف عليها هي أيضا معي، سواء أكان المُتَعَرِّف مغربيا أم غير مغربي، هذا الأخير الذي يتعرف من خلالي، بالإضافة إلى مدينتي، على بلدي المغرب وعلى ما يتميز به من مؤهلات تاريخية وثقافية وجغرافية وبيئية، التي لا تخدمها كثرتها في أن تأخذ كلها حقها من الترويج، من قبيل احتواء المغرب على أكبر غابات شجر الأرز في العالم. ولأنني، مهما يكن، لست من دعاة التعصب والعصبية أو من دعاة التطرف في الاعتزاز بالانتماءات والهويات الفردية، فإن حبي لمدينتي من صميم حبي للمغرب واعتزازي بمغربيتي، أولا، ومن جوهر اعتدادي بانتمائي إلى ثقافة شعبية عظيمة تمتد من المحيط إلى الخليج، ثانيا، ومن صلب احتفائي بإنسانيتي، ثالثا.
ما زلت أذكر أنه في السنة الثالثة الختامية من سلك الإجازة الأساسية (شعبة اللغة العربية) بجامعة الحسن الثاني، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك-الدار البيضاء، برسم السنة الجامعية 2016-2017، في إحدى حصص مجزوءة “فكر مغربي” التي درسها لنا الأستاذ حكيم الفضيل الإدريسي بالفصل السادس، حيث قمت بتشكيل مجموعة من الزملاء الطلبة، وقمنا بإنجاز عرض حول حاضرة المحيط (مدينة آسفي)، من خلال مادة كتاب “آسفي وما إليه قديما وحديثا” لمحمد بن أحمد الكانوني العبدي ( ت 1938 م)، ذلك العلامة المقاوم الذي اغتاله المستعمر الفرنسي في ربيعه الرابع والأربعين، بجزأيه: الأول الذي يحمل العنوان ذاته، والثاني الذي يحمل عنوان “الجواهر الصفية في تاريخ الديار الآسفية”.
لعلكم تتساءلون عن سبب اختياري لهذا الكتاب بالضبط: فالسبب هو ان هذا الكتاب ليس مُهِمًّا فقط في معرفة تاريخ آسفي وفي حفظ ذاكرتها الثقافية، بل هو كتاب مهم جدا بالنسبة لتاريخ المغرب برمته، حيث تناول تاريخ المغرب بالعرض والتمحيص منذ فترة ما قبل الإسلام، مرورا بكل الدول التي تعاقبت على حكم المغرب، حتى أوائل القرن العشرين، التي شهدت استعمار المغرب من فرنسا وإسبانيا. وما لا يعرفه الكثيرون، وهو ما اطلعت عليه في إحدى الأعداد القديمة للسلسلة المغربية الشهرية “دعوة الحق”، أن هذا الكتاب قد لعب دورا رياديا في تاريخ المغرب المعاصر، وبالضبط في عملية استرجاع المغرب لصحرائه عبر المسيرة الخضراء (9 نوفمبر 1975)، حيث أخذت منه وثيقتين تم ضمهما إلى الملف الذي قدمه المغرب إلى المحكمة الدولية، من أجل إثبات مغربية الصحراء من أعلى مؤسسة قانونية في العالم، حيث أقرّت المحكمة المذكورة، بعد دراستها للملف، مغربية الصحراء، لتنطلق بعدها المسيرة الخضراء، مدعومة بالشرعية الدولية.
لقد قمت بإنجاز تقديم للعرض، استغليت فيه كل المواد التاريخية والثقافية التي استطعت أن أحصل عليها مما أتيح لي العودة إليه من مصادر ومراجع ومقالات، وقلت فيه كل ما كنت أريد أن أقوله، وكل ما كنت أريد أن يعرفه زملائي عن مدينة آسفي، وأظن أنني قد وفقت في نيل ذلك، رفقة زملائي في المجموعة، إلى حد بعيد، وهو ما يُستَدَلُّ عليه من خلال الأصداء الحسنة التي خلفها العرض في أوساط طلبة الإجازة، حتى أن أصداءها وصلت إلى طلبة الماستر والدكتوراه.


اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Breaking News

اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading