تخلد الطبقة العاملة المغربية بقيادة الاتحاد المغربي للشغل كل سنة ذكرى تأسيس الاتحاد في 20 مارس 1955، ويجسد هذا الاحتفال لحظة تأمل في مسار التجربة النقابية الغنية التي راكمها الاتحاد المغربي للشغل باصطفافه بجانب الطبقة العاملة وعموم الشعب المغربي، وما بصمه من سجلات وبطولات في تاريخ المغرب المعاصر، ومناسبة لاستلهام العبر وتحفيز الشباب على مواصلة النضال…
لماذا نخلد كل سنة هذه الذكرى؟
• لأنها حدث هام وبارز في تاريخ بلادنا وتاريخ الحركة الوطنية والحركة النقابية المغربية، لأنها تشكل لحظة استحضار للتضحيات الجسام التي قدمها الاتحاد المغربي للشعل من أجل استقلال الوطن، وبناء المغرب المستقل.
• ومن أجل أن يتذكر مناضلونا، وخاصة الشباب منهم، هذا الحدث المهم في التاريخ السياسي والنقابي للمغرب المعاصر، ولأجل ترسيخ ثقافة الموروث النضالي للاتحاد المغربي للشغل بكل قيمه ومبادئه وتضحيات مناضليه.
في مثل هذا اليوم منذ 68 سنة، انبثق من رحم الوطنية والكفاح من أجل الاستقلال أول تنظيم نقابي مغربي، حققت به الطبقة العاملة المغربية إنجازا تاريخيا، متحدية كل قيود الحجر والمنع، ومحققة بشموخ وإباء ما كان محظورا عليها من طرف سلطات الحماية الفرنسية. ففي 20 مارس 1955، هذا اليوم التاريخي، اجتمع ثلة من الوطنيين المغاربة في أحد المنازل الشعبية بحي بوشنتوف بالدارالبيضاء، وفي سرية تامة، كانوا يتسللون عبر سطوح المنازل المجاورة، متنكرين في ملابس تقليدية تخفي هوياتهم الحقيقية، حتى لا تكتشفهم أعين البوليس والخونة عملاء الاستعمار المتربص لكل تحركات الوطنيين إذاك.
في مثل هذا اليوم منذ 68 سنة التأم 35 نقابيا من الوطنيين الأفذاذ، بينهم الأخ المحجوب بن الصديق والأخ الطيب بن بوعزة والإخوة عبدالقادر أواب وإسماعيل صدقي ومحمد بنسعيد الحيوي ومحمد التباري والشرقاوي وبلعيد، وغيرهم، وعقدوا اجتماعهم السري الذي خلق الحدث، ونقش على واجهة الساحة الوطنية حروف أول تنظيم نقابي بالمغرب، وفي تحد شجاع للآلة القمعية وللاستعمار الفرنسي، وخلال ظرفية حالكة وصعبة من تاريخ المغرب، أعلنوا عن ميلاد الاتحاد المغربي للشغل. وقد استقبل العمال المغاربة الإعلان عن تأسيس الاتحاد المغربي للشغل يوم 20 مارس 1955 بتجاوب منقطع النظير، وإقبال مكثف على الانضمام إلى صفوف منظمتهم النقابية التي انهالت عليها انخراطات وأفواج العمال والأجراء الذين وصل عددهم بعد أسابيع قليلة إلى 500 ألف منخرط.
وحتى نعرف جيدا أهمية هذا الحدث، خلال فترة الاستعمار، التي كانت من أحلك فترات التاريخ المعاصر لبلادنا، فبالإضافة إلى الظلم والقهر والاستغلال البشع، لم يقتصر المستعمر على فرض الحماية السياسية فحسب، بل فرض الحماية النقابية لمنع العمال والأجراء المغاربة من تأسيس نقابتهم، ومن المطالبة بحقوقهم، وتحسين أوضاعهم المهنية والمعيشية، وذلك لسبب واحد، هو الخوف من الطبقة العاملة، نعم الخوف من قوتها وقدرتها على التنظيم والممارسة النضالية الهائلة، وقد كان لهم الحق في خوفهم من قوتها وقدرتها على التنظيم والممارسة النضالية الهائلة، وقد كان لهم الحق في خوفهم الذي سيؤكده الأحداث فيما بعد.
لذلك لم تكن سلطات الحماية تتهاون في المواجهة العنيفة والدامية، بل والوحشية لكل ما يمكن أن يؤدي إلى تعبئة وتوحيد العمال المغاربة، وذلك بعدما عملت على تجريدهم من كل الحقوق التي متعت بها العمال الأوروبيين المشتغلين بالمغرب، وعلى رأسها الحق في الانتماء إلى نقابة، حيث قامت بإصدار ظهير 24 دجنبر 1936 الذي يحصر الانتماء النقابي على العمال الأوروبيين فقط، ويعاقب بمقتضاه كل عامل مغربي تجرأ على الانخراط في نقابة. ومع تزايد أعداد اليد العاملة المغربية، وبداية ظهور وعي نقابي بين أوساطها، سيتم سنة 1948 إصدار قانون يسمح للعمال المغاربة بالانخراط في إحدى النقابات الفرنسية، مع التنصيص على منعهم وحرمانهم من الوصول إلى أجهزتها القيادية.
في ظل هذه الظروف القاسية، كان النقابيون الوطنيون المغاربة، ورغم التضييق والمضايقات ومصادرة حقوقهم، والمراقبة البوليسية المفروضة عليهم، يتواجدون في طليعة الكفاح الوطني، وضد الحماية السياسية والنقابية، إلى أن أعلنت الطبقة العاملة المغربية بقوة وعنفوان عن وجودها، وعن دورها البطولي والحاسم في العمل الوطني، وعن قدرتها على قلب موازين الصراع مع سلطات الحماية لصالح الجماهير المغربية المتطلعة إلى الاستقلال الوطني، ضاربة أروع مثل في الحس الوطني والوعي النقابي والتضامن المغاربي.
قبل ميلاد الاتحاد، عرف المغرب وبالضبط مدينة الدارالبيضاء، أحداثا بارزة في تاريخ الحركة النقابية المغربية، مجسدة بذلك الشعلة الأولى لهذه الحركة، ألا وهي انتفاضة 8 دجنبر 1952. فما أن وصل نبأ اغتيال الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد يوم 5 دجنبر 1952 حتى دخل النقابيون المغاربة في حركة احتجاجية عارمة، توجوها بإعلان إضراب 8 دجنبر 1952، هذا الحدث التاريخي المليء بالتضحيات والعبر والدروس البليغة، التي جسد بها العمال المغاربة عمليا وميدانيا روح التضامن المغاربي، وأشعلوا بها فثيل الكفاح الوطني الذي لن يخمد إلا بتحقيق استقلال المغرب.
في الخامس من دجنبر 1952، نزل خبر اغتيال الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد كالصاعقة على النقابيين الوطنيين المغاربة، فسارعوا إلى عقد اجتماع يوم السبت 6 دجنبر 1952 من أجل التداول في القرار النضالي التضامني اللازم اتخاذه، معتبرين اغتيال الزعيم النقابي التونسي، اغتيالا لهم أيضا، ولكل المناضلين النقابيين المغاربة. بدون تردد اتفقوا على القيام بإضراب عام يوم الاثنين 8 دجنبر 1952، وللتاريخ، فقد كان النقابيون المغاربة، هم أول من بادر إلى ردة الفعل الاحتجاجية على جريمة الاغتيال النكراء.
إذا كان هذا الإضراب العام تضامنا مع الشقيقة تونس، فقد كان أيضا للمطالبة باستقلال المغرب، حيث تزامن يوم الإضراب مع عرض القضية المغربية على أنظار الأمم المتحدة، وقد كان النقابيون الوطنيون المغاربة يهدفون بذلك إلى دحض وتقويض ادعاءات الاستعمار الفرنسي، الذي كان يروج لأكذوبة رضا المغاربة، وقبولهم بالحماية. فبالإضافة إلى توجيههم للعديد من البرقيات إلى الخارج لحشد الدعم في المطالبة باستقلال المغرب، قاموا بإصدار نداء صاغ نصه الكامل وتكفل بتوزيعه النقابيون الذين سيصبحون بعد ثلاث سنوات من تلك الفترة قادة الاتحاد المغربي للشغل.
أمام القرار الشجاع والجريء الذي اتخذه النقابيون الوطنيون، ستتحرك يوم الأحد 7 دجنبر 1952 سلطات الحماية الفرنسية من أجل ضرب الحركة الاحتجاجية، ومواجهة الإضراب بكل الوسائل والأساليب القمعية، من مضايقات بوليسية، وحواجز أمنية، وتهديدات، وتسخير لأعوان وأذناب الاستعمار، خاصة في الأحياء العمالية الشعبية. إلا أن كل ذلك لم يوقف الحركة الاحتجاجية، ولا أثر في التعبئة الشاملة للمغاربة الذين انخرطوا بتلقائية ووطنية في الإضراب العام.
يوم الاثنين 8 دجنبر 1952، كان الإضراب ناجحا بشكل مثير وهائل، كانت الحركة مشلولة في كل مرافق الحياة العامة، لم تتوقف الطبقة العاملة وحدها عن العمل، بل انخرطت فيه كل الشرائح الاجتماعية المغربية، التجار والحرفيون والباعة، كان الإضراب شاملا، وكانت الضربة جد موجعة للاستعمار اقتصاديا وسياسيا، كما عبرت بوضوح عن موقف المغاربة الرافض للحماية، والمنفذ لادعاءات المستعمر بأن الكل راض على الوضع في المغرب.
في يوم 8 دجنبر 1952، رغم الحواجز الأمنية، والإجراءات الاحترازية، والموانع البوليسية، سيصل أزيد من 3000 عامل إلى المقر النقابي بزنقة لاسال (LASALLE)، التي تسمى اليوم زنقة فرحات حشاد بمدينة الدارالبيضاء، حضروا تلبية لنداء الوطن، ولواجب التضامن. ومع بداية التجمع الخطابي، تكالبت على العمال الحاضرين المئات من العساكر والبوليس الفرنسي المدججين بالأسلحة، وما أن اقتحمت هذه القوات المقر النقابي، في إطار ما سمي بالمصيدة، حتى انهالت عناصرها على العمال بالضرب الوحشي والتعنيف الهمجي. وقد خلفت هذه الأحداث ليومي 7 و8 دجنبر عشرات القتلى.
كما قامت هذه القوات باعتقال القيادات النقابية، وعلى رأسهم المرحوم المحجوب بن الصديق الذي أذاقوه أصناف التعذيب الوحشي، والصور المنشورة في جرائد تلك الفترة ; وفي متحف الاتحاد خير معبر على ما عاناه، وكيف كان وجهه كله كدمات، وجروح، من جراء الضرب، والتعنيف، والتنكيل لحظة استنطاقه من طرف زبانية الاستعمار في أقبية مقرات الشرطة، فكان جوابهم التلقائي والعفوي الوحيد هو: “نــطــالــب بـاســتــقــلال الــمــغــرب”.
إننا ونحن نحيي تضحيات وكفاح وصبر إخواننا، ونترحم على الأموات، نقول لهم أن الأجيال التي ربيتموها داخل الاتحاد المغربي للشغل على حـب هذا الوطن، وعلى الوطنية الصادقة، هي على العهد سائرة، وبالمبادئ متشبثة، نقول لهم : لو أعيد ذلك الأمر مرة أخرى فسنقوم بنفس الشيء، إن رفاقكم داخل الاتحاد المغربي للشغل مستعدون دائما للتضحية من أجل هذا الوطن، وفداء لهذا الشعب، ومن أجل مصلحة وكرامة الطبقة العاملة المغربية.
كما يسجل التاريخ للاتحاد المغربي للشغل موقفه العظيم، وثباته على المبادئ، وتمسكه بالوطنية الحقة والصادقة، على بعد سنة من نفي محمد الخامس، هو والأسرة الملكية، في غشت 1953، ستقدم سلطات الحماية على اعتقال المحجوب بن الصديق وإخوانه النقابيين الوطنيين عام 1952، وتحكم عليهم بسنتين سجنا، وقد كان البعض منهم مهددا بحكم الإعدام على خلفية انتفاضة الدارالبيضاء، وبعد مغادرتهم للسجن بفترة قصيرة، لم تتجاوز الشهر، سيتم اعتقالهم سنة 1954 والحكم عليهم مرة أخرى بالسجن.
وأمام تصعيد الكفاح الوطني، واحتدام المواجهات المسلحة بين المقاومة والاستعمار الفرنسي، عينت فرنسا مقيما عاما جديدا، من أجل إيجاد مخرج لما كان يسمى بالقضية المغربية. المقيم العام الجديد سيستقبل هنا في هذا المكان وفدا عن الاتحاد المغربي للشغل بقيادة الأخ المرحوم المحجوب بن الصديق، وعرض عليهم التصديق والسماح بتأسيس مركزيتهم النقابية، وتكوين حكومة مغربية انتقالية، لكن مع ترك ملك البلاد وعائلته في المنفى لفترة معينة. انتفض إخـوانـنا النقابيون رافضين تلك المقترحات جملة وتفصيلا، معلنين أنه لا حرية نقابية، ولا حكومة انتقالية بدون عودة الملك الشرعي محمد الخامس والعائلة الملكية من المنفى، مما عرضهم مرة أخرى للاعتقال والتعذيب.
كان هذا هو الموقف الوطني التاريخي لقادة الاتحاد المغربي للشغل إذاك. الذين لم ينل منهم التعذيب، ولا التنكيل، ولا ظروف الاعتقال الرهيبة شيئا، فكيف يمكن لأي إغراء أن يثنيهم عن أهدافهم النبيلة، ومواقفهم الثابتة، هم الذين وضعوا أرواحهم بين أكفهم مقدمينها فداء للوطن، موثرين التضحية على أي شيء آخر غير تحرير الوطن، هذه المواقف التي بقوا صامدين عليها حتى بروز فجر الاستقلال، الذي كانوا هم أبرز صناعه، وكانت الطبقة العاملة الفيصل الحاسم في وضع حد للحماية، وعودة ملك البلاد المغفور له محمد الخامس من منفاه. محمد الخامس الذي حين بلغه -وهو في المنفى- خبر تأسيس الاتحاد المغربي للشغل قال: والآن لنا اليقين بأنه سيعجل باستقلال المغرب.
إذا كانت أحداث دجنبر 1952، قد أعلنت انطلاقة الكفاح الوطني، فهي في الوقت نفسه قد جسدت اللبنة الأولى للنقابيين المغاربة للانخراط عمليا في الترتيب الميداني بكل تحد وإصرار على تأسيس تنظيمهم النقابي الاتحاد المغربي للشغل، الذي خرج إلى الوجود يوم 20 مارس 1955. وقد اقترنت هذه اللحظة بإصدار إخواننا، مؤسسي منظمتنا العتيدة، لأول نداء نقابي يشكل اليوم وثيقة تاريخية، تشهد على تبصرهم، وبعد نظرهم، واستشرافهم للمستقبل النقابي للطبقة العاملة المغربية. ومن بين ما جاء في هذا الــنــداء:
“المؤتمر التنظيمي للاتحاد المغربي للشغل يشعر شعورا عميقا بالقوة والنفوذ اللذين ستأخذهما الحركة النقابية في المغرب، وبالأهمية العظيمة للكفاح الذي يجب أن يقوم به العمال المتحدون، دون أي ميز عنصري في حظيرة منظمة مركزية حرة ديمقراطية”. ومن خلال نفس النداء توجه المؤتمر إلى جميع عمال المغرب “يدعوهم ليتحرروا من بعض التحيزات الوخيمة العتيقة التي هي وليدة نظام سالف، وأن يتحدوا في صفوف الاتـحـاد الـمـغــربـي للـشـغــل، ليتمكن لهم أن يكافحوا من أجــل: – الحق في العمل – القضاء على البطالة – أجور ملائمة – الضمان الاجتماعي – عقود جماعية – توزيع عادل لخيرات البلاد – احترام حقوق الإنسان – نظام ديمقراطي”.
في مثل هذا اليوم 20 مارس، نشأ الاتحاد المغربي للشغل كتعبير عن الوعي والإرادة العمالية، واستجابة لضرورة تاريخية، وكنتاج لمرحلة من النضالات والكفاحات العمالية المجيدة من أجل تحرير الوطن واستقلاله من الاستعمار الغاشم، قدمت خلالها الطبقة العاملة المغربية أروع الأمثال في التضحية والعطاء والــــفــــداء.
الاتحاد المغربي للشغل الذي لم يكن من صنع حكومة أو حزب، والذي عبر بالكفاح العمالي المجيد عن إرادة الطبقة العاملة المغربية في التحرر والانعتاق، وحافظ عبر مسيرته الطويلة على هويته وأصالة الحركة النقابية المغربية من المسخ والتشويه والتسخير. فلم يتركها مطية لأهواء حكومة أو مطامح حزب، أو مصالح أرباب العمل، بل جعلها دائما وفية لأصولها، متشبثة بمبادئها، مدافعة عن تطلعاتها وآمالها، هو نفسه الاتحاد المغربي للشغل الذي ناضل، وسيظل يناضل، من أجل النهوض بالطبقة العاملة المغربية والجماهير الشعبية، ومن أجل الدفاع عن الحق النقابي، والرفع من المستوى المادي والفكري للعمال والعاملات، ورعاية الأعمال الاجتماعية، والنضال من أجل النهوض بالتعليم والصحة، وتشجيع السكن الاجتماعي، والحماية الاجتماعية للعمال والمستخدمين والموظفين وأسرهم، وكل ما يضمن الحياة الكريمة والشريفة للطبقة العاملة المغربية وعموم المأجورين.
وبعد الاستقلال انخرط الاتحاد المغربي للشغل في معركة بناء وتشييد صرح المغرب المستقل، حيث اجتهد في إنشاء الصناديق الاجتماعية للعمال والمأجورين وعلى رأسها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والتعاضديات والأعمال الاجتماعية، وساهم في إرساء القوانين الاجتماعية، وساهم في المجلس الاستشاري الذي يعد أول برلمان مغربي حيث حظي الاتحاد المغربي للشغل برئاسته إلى جانب المرحوم المهدي بن بركة سنة 1957، وفي تأسيس الشركات الوطنية الكبرى مثل صوماكا ولاسامير والمؤسسات العمومية وغيرها. هذا جزء قليل من الأعمال العظيمة، والخدمات الوطنية الجليلة التي قدمها الاتحاد المغربي للشغل لبلادنا، والتي لن نتوقف أبدا عن تقديم الغالي والنفيس من أجل ازدهارها وتقدمها ومن أجل ضمان العيش الكريم لكل المغاربة.
الاتحاد المغربي للشغل الذي سيبقى وفيا لمبادئه، ثابتا على مواقفه، لن تثنيه المؤامرات، ولا الدسائس على مواصلة النضال من أجل الرقي بالطبقة العاملة المغربية. ولن يوقف مسارنا النضالي شيء، فبوصلة مسارنا هي هذا التاريخ العظيم لمنظمتنا النقابية، هي تلك المواقف المشرفة والبطولية لإخواننا الذين أسسوا الاتحاد المغربي للشغل، ونحن على دربهم سائرون، بمبادئهم، ومواقفهم الوطنية متشبثون.
ورغم تعرض مناضليه لكل أصناف القمع، فقد قدم الاتحاد المغربي للشغل سجلا حافلا بالأمجاد وناضل من أجل أن يكون للطبقة العاملة المغربية دورها ومكانتها داخل المجتمع، محافظا على استقلاليته متشبثا بهويته ومبادئه، صامدا أمام كل محاولات التدجين من قبل أطراف كانت تعمل على احتواء وتسخير العمل النقابي، وفرض وصايتها عليه. وظل الاتحاد المغربي للشغل يناضل من أجل ديـمـقـراطـيـة حـقـيـقـيـة، لا ديمقراطية شكلية، تضمن الكرامة الإنسانية، مشكلا ميزان قوى، في طليعة القوى التقدمية، قوة اجتماعية منظمة في سنوات كان العمل من أجل الديمقراطية والتعبير عن الرأي يعد من قبيل المخاطرة، كما احتضنت منظمتنا الفئات المحرومة والمقموعة داخل المجتمع، من مطرودين ومعطلين ومعاقين وعائلات المعتقلين السياسيين، في وقت ركنت فيه العديد من القوى السياسية إلى التهافت على المناصب والكراسي الحكومية.
ولم تثنه عن تشبته بالديمقراطية، حملات القمع والتآمر، والتقسيم، وضرب الوحدة النقابية بتفريخ نقابات تابعة للحكومة وللأحزاب السياسية، وحملات البهتان والتضليل الإعلامي بواسطة الأقلام المأجورة والمنابر المتآمرة. كما ناضل الاتحاد المغربي للشغل من أجل السيادة الوطنية، والوحدة الترابية، والاستقلال الاقتصادي، والتحرر من التبعية والهيمنة الأجنبية، وساند حركات التحرر العربية والإفريقية والعالمية، وكافح من أجل حركة نقابية وحدوية في المغرب العربي وفي العالم العربي، واحتل مكانته بكل جدارة واستحقاق في الساحة النقابية الدولية.
إذا كان من حق شبابنا ومناضلاتنا ومناضلينا اليوم، الاطلاع على هذا الرصيد الهائل من الأمجاد والأحداث الكبرى التي ساهم الاتحاد المغربي للشغل، كفصيل أساسي من فصائل حركة التحرر الوطني، في صنعها، وفي كتابة تاريخ بلادنا مخضبا بدماء العمال وتضحيات مؤسسي الحركة النقابية المغربية، فمن حقهم علينا، مع حلول كل مناسبة لتخليد تلك الأحداث، أن نتواصل معهم، ونمدهم بكل ما يضمن مواصلة المسير على نفس الدرب، مستلهمين هذا الرصيد التاريخي الهائل والمجيد.
ثمانية وستون (68) سنة مضت ولا زلنا في طليعة النضال من أجل استكمال وحدتنا الترابية، والنهوض بالجماهير الشعبية، مبادئنا ثابتة، لا نساوم في مصلحة الوطن، وسيظل الاتحاد المغربي للشغل قوة تحررية ملتزمة بمواطنة العمال والشعب المغربي، وبالممارسة الحرة للحقوق الديمقراطية، وباحترام الحريات الأساسية في العمل وفي المجتمع.
بنفس الروح والعزم نواجه محاولات التراجع في مجال تشريع الشغل والتقاعد والتفاوض الجماعي، ونحن مستمرون في نضالنا لإفشال المحاولات المتربصة بحق الإضراب، الذي يعتبر حقا أساسيا ودستوريا انتزعته الطبقة العاملة بفضل كفاحها وتضحياتها.
ثمانية وستون (68) سنة من الالتزام بالدفاع عن قضايانا المغاربية والعربية، وفي مقدمتها حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته الوطنية وعاصمتها القدس، واسترجاع جميع الأراضي العربية المغتصبة.
ويشهد التاريخ للاتحاد المغربي للشغل بالدور الطلائعي الحاسم للطبقة العاملة المغربية في معركة الكرامة والتحرر واسترجاع السيادة الوطنية، والقضية الوطنية بالنسبة للاتحاد هي أكبر من موقف سياسي، إنها جزء من هويته المترسخة والضاربة في عمق الشعب المغربي. حيث عبر عنها في كل المحافل الإقليمية والقارية والدولية، وعمل على فضح ومواجهة كل مناورات خصوم وحدتنا الترابية، فحيثما حلت وفود الاتحاد المغربي للشغل في كل بقاع العالم، إلا وكانت قضية وحدتنا الترابية في مقدمة اهتماماتها ومداخلاتها ونقاشاتها، مقدمين الحجة والبرهان على عدالة ومشروعية قضيتنا الوطنية، مع التذكير دائما بضرورة استكمال وحدتنا الترابية لتحرير الثغور الشمالية للمغرب.
أكثر من ستين سنة على الاستقلال، ولا زال المغرب يعاني من الفوارق البنيوية، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الموروثة من قرون الاقطاعية، والتي تكرست خلال نظام الحماية الفرنسية، من فوارق بين المدن والقرى، وبين المغرب النافع والمغرب الهامشي، وبين الأقلية المحتكرة للخيرات والأغلبية الشعبية المحرومة، وبين ثقافة الاحتكار والامتيازات وتطلع الشعب إلى مجتمع متحرر، يضمن المساواة في الفرص، والعدالة الاجتماعية، والممارسة الحرة للحقوق الاجتماعية الأساسية، وللحريات المدنية والسياسية.
بالرغم من توفر المغرب على ثروات طبيعية وبشرية هائلة، فإن مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في تراجع باستمرار، وتتجه بشكل خطير نحو مؤشرات البلدان الأقل تقدما في العالم، كنتيجة حتمية لسوء تدبير مختلف الميادين.
اليوم تواجهنا تحديات كبيرة، سواء على صعيد التماسك الاجتماعي، أو مصير بلادنا التي تعاني من الانعكاسات السلبية للعولة، وسوء النمو، والتوزيع الغير العادل للخيرات.
لمواجهة هذه التحديات، والدفاع عن الحقوق الأساسية وكرامة العمال، ولمواصلة النضال من أجل المواطنة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية، فإن الاتحاد المغربي للشغل يهيب بكافة مناضلاته ومناضليه، وجميع العاملات والعمال، المستخدمات والمستخدمين، الموظفات والموظفين وعموم الأجراء، في كل المدن، وكل الاتحادات، وكل القطاعات، إلى تعزيز الوعي، وتقوية التضامن، والتمسك بالوحدة النقابية، والعمل على تكوين جيل جديد من المناضلات والمناضلين القادرين على تحمل نفس الدور والمسؤولية النضالية، مخلصين لأرواح شهداء التحرير الوطني، وفي خدمة الوطن والمواطنة.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.