مشروع كلمة معالي وزير العدل الأستاذ عبد اللطيف وهبي بمناسبة افتتاح أشغال الدورة العادية (51) للجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان

voltus20 فبراير 2023آخر تحديث :
مشروع كلمة معالي وزير العدل الأستاذ عبد اللطيف وهبي بمناسبة افتتاح أشغال الدورة العادية (51) للجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان

 

الصخيرات، 20 فبراير2023
سعادة السيدة هيفاء أبو غزالة، الأمين العام المساعد للشؤون الاجتماعية بجامعة الدول العربية؛
سعادة السيد طلال المطيري، رئيس اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان بجامعة الدول العربية؛
أصحاب السعادة؛
الحضور الكريم؛
اسمحوا لي بداية أن أرحب بحضراتكم في المملكة المغربية، وأعبر لكم عن سعادتي بثقة جامعة الدول العربية في بلدنا الذي احتضن في أكتوبر الماضي الدورة 38 لمجلس وزراء العدل العرب، ويتشرف اليوم باستضافة أشغال الدورة 51 للجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان. وأغتنمها فرصة لأجدد الترحاب بكل وفود الدول المشاركة، وهي مناسبة، أيضا، لأثمن الدينامية المتواصلة لجامعة الدول العربية، وآلياتها المعنية بحقوق الإنسان، بالخصوص، وفي مقدمتها اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان، من خلال قيامها بأدوار طلائعية لمواكبة الدول الأعضاء في مسار تعزيز وحماية حقوق الإنسان في مختلف أبعادها ومستوياتها، مع اهتمامها المستمر بكل القضايا ذات الصلة بتعزيز العمل العربي المشترك.
حضرات السيدات والسادة؛
يأتي انعقاد دورة لجنتكم الموقرة في سياق دولي وإقليمي مطبوع بآثار أزمة صحية عالمية، وتداعيات حرب مدمرة، وتهديدات أمنية وبيئة، فضلا عن إكراهات تنموية ناتجة عن كل ذلك، والتي تستدعي منا جميعا مضاعفة جهود التعاون والتضامن، لمواجهة تحديات التمتع الكامل بحقوق الإنسان. ولعل الانشغالات المطروحة في جدول أعمال دورة لجنتكم، تعكس تفكيرا جماعيا مشتركا يروم تعزيز فرص وإمكانات تحسين أوضاع حقوق الإنسان في الوطن العربي.
وإذا كانت جهود الدول الأعضاء بجامعة الدول العربية، قد ساهمت وبمستويات مختلفة، في خلق تراكمات مهمة في مجالات متنوعة، فإن انتهاكات حقوق الإنسان بالأراضي الفلسطينية، ما زالت تشكل انشغالنا الأساسي المشترك، من حيث التصدي لها بكل الوسائل المتاحة المشروعة، ولاحاجة لنؤكد لكم كون هذه القضية على رأس أولويات المملكة المغربية وتحظى بدعمها الكامل من أجل نبذ العنف وإحقاق السلم والأمن والتعايش بين الدولتين، علاوة على العناية الموصولة لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، رئيس لجنة القدس، وكذا الأدوار الحيوية لبيت مال القدس لدعم مشاريع تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لساكنة المدينة المقدسة.
حضرات السيدات والسادة؛
لا شك أن المكتسبات العديدة التي راكمتها اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان تعتبر إطارا موجها لكل الدول الأعضاء في سياساتها وتشريعاتها وممارساتها، ومن بينها اعتماد اتفاقية عربية لحقوق الإنسان، تجسدها وثيقة الميثاق العربي لحقوق الإنسان، الذي ترحب بالدعوات الحاثة على الانخراط فيه، ونؤكد، بالمناسبة، أن إجراءات مصادقة بلادنا على هذا الميثاق تأخذ مجراها العادي وتوجد في مراحلها النهائية.
وبنفس الروح، ننوه، أيضا، بمبادرة مشروع المبادئ التوجيهية لتنفيذ الاستراتيجية العربية لحقوق الإنسان التي نعتبرها إطارا منهجيا مساعدا للآليات الإقليمية والدول العربية على حماية حقوق الإنسان والنهوض بها. ومثلما نؤكد على أهمية تبادل الممارسات الفضلى والتجارب الوطنية الناجعة على مستوى التخطيط الاستراتيجي، نعبر لكم عن استعدادنا الكامل للتعاون الفعال لتقاسم تجربة خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان ومخططها التنفيذي.
كما نهنئكم على اعتماد الخطة العربية للتربية والتثقيف في مجال حقوق الإنسان، التي كان لبلادنا شرف اقتراحها وإعداد مشروعها الأولي. وهو العمل الذي يتماشى مع خطة العمل الخاصة بإعمال المرحلة الرابعة للبرنامج العالمي للتثقيف في مجال حقوق الإنسان في أفق 2024 باعتبارها مشروعا وطنيا ذو أبعاد مهيكلة. ونتطلع إلى تسريع الإعلان الرسمي عن إطلاق الخطة العربية للتربية والتثقيف في مجال حقوق الإنسان، والتي نؤكد لكم استعداد المملكة المغربية لاحتضان فعاليات إطلاقها.
كما نؤكد لكم أيضا، ترحيب المملكة المغربية بإعداد الضوابط والمعايير والإجراءات الخاصة بمنح صفة مراقب للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان لدى اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان، متمنين أن يتم اعتمادها من طرف لجنتكم الموقرة خلال هذه الدورة بما يسهم في فتح قنوات تعاون جديدة وآفاق رحبة تمكن من مشاركة هذه المؤسسات الوطنية في دورات اللجنة.
حضرات السيدات والسادة؛
رغم ما تحقق من تقدم ملحوظ للنهوض بحقوق المرأة وحمايتها، والذي ما فتئ يتقوى بعد اعتماد الإعلان العربي لمناهضة جميع أشكال العنف ضد المرأة والفتاة، فإن كثيرا من التحديات ما زالت تطرحها قضايا من قبيل الزواج المختلط، الذي يجعل الطفل، في حالة الانفصال، عرضة لمجموعة من المشاكل النفسية والاجتماعية والاقتصادية والعراقيل القانونية، مما ينعكس سلبا على مصلحته الفضلى وحياته بشكل عام، كما لا تزال ظاهرة زواج القاصر المتداخلة الأبعاد الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، تؤرق ضميرنا الحقوقي المشترك، وتستلزم تظافر جهود كل الدول العربية لمكافحتها.
في هذا الإطار، وبقدر ما نرحب بمقترح تنظيم مؤتمر دولي رفيع المستوى حول موضوع تعزيز التنوع الثقافي وحماية وصون مؤسسة الأسرة والزواج، تحدونا رغبة قوية لاعتماد اتفاقية عربية خاصة بحماية حقوق المرأة والمصلحة الفضلى للطفل، آملين من كل دول المنطقة التفاعل إيجابا مع مقترحنا، كما نعلن، بالمناسبة، أننا منكبين على الإعداد لتنظيم مؤتمر دولي سيتمحور حول تقاسم التجارب الدولية للتعاطي مع ظاهرة زواج القاصر.
حضرات السيدات والسادة؛
إذا كانت مختلف أصناف حقوق الإنسان تجد مرتكزات إعمالها في الالتزامات الدولية والإقليمية للدول العربية على اختلاف مستويات الانخراط فيها، ومحددات السياقات الوطنية، كما تترجمها معظم الاستراتيجيات والسياسات المعتمدة، فإن عديدا من القضايا الضاغطة والناشئة أضحت تسائل مقاربات اشتغالنا ونظامنا الإقليمي لحقوق الإنسان، كما هو الشأن بالنسبة للعنف والتطرف وخطاب الكراهية والإرهاب والاستعمال غير السليم للتكنولوجيات الحديثة، وقضايا الهجرة واللجوء والاتجار بالبشر وتجنيد الأطفال واستغلالهم في الأنشطة المحظورة، والتي ما فتئت تزداد مخاطرها في وطننا العربي بفعل الصراعات والنزاعات الإقليمية والداخلية ومعضلة التغير المناخي وما تشكله من تهديد حقيقي، حال ومستقبلي، للحقوق الأساسية الذي تواجهه البشرية.
ووفق نفس المنظور، تبقى بعض القضايا الإشكالية المرتبطة بالهوية والمرجعيات الثقافية والاجتماعية للبلدان العربية، كما هو الأمر بالنسبة للتعايش وقبول الآخر والحريات الفردية والحياة الخاصة، محط إشكالات مرتبطة بمعادلة التوفيق بين العالمية والخصوصية.
ومثلما تقتضي كل هذه القضايا تكثيف جهود التعاون والتضامن وتنويع أشكال الشراكة والتنسيق بين كافة الدول، والمساهمة في تعميق النقاش الدولي حول ضرورة مراعاة التكامل بين حقوق الإنسان وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، تبرز الحاجة المؤكدة إلى إعادة طرح موضوع الكونية والخصوصية للتفكير الجماعي بفتح نقاشات وحوارات مجتمعية عميقة، حول القضايا الإشكالية بالنظر لمميزات منظومات القيم الاجتماعية والثقافية. وهو التفكير والحوار العمومي الذي يمكن أن تشارك فيه كل الفعاليات، ليس فقط على مستوى أجهزة جامعة الدول العربية المكلفة بحقوق الإنسان، وإنما الحكومات، والبرلمانات، والمؤسسات الوطنية، ومنظمات المجتمع المدني، والقادة الدينيون، والخبراء والأكاديميون، من أجل بحث محاولات التوفيق بين المرجعيات الدولية وبين التقاليد الوطنية والقيم الثقافية والمجتمعية ومنظومة القيم المتعارف عليها عالميا، بما يساهم في إغناء التنوع والتعدد الحضاري وحمايته.
ولا شك أن هذه الدعوة ستجد صداها في الأنشطة والفعاليات المبرمجة لاحتفال المنتظم الدولي بالذكرى 75 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تمتد فعالياتها إلى غاية 2023، والتي نرحب بها ونؤكد انخراط بلادنا فيها.


حضرات السيدات والسادة؛
أمام التحديات المتعاظمة التي يطرحها الوفاء بالالتزامات الدولية والإقليمية في مجال حقوق الإنسان، ولاسيما إشكالات إنفاذ المعايير الدولية وإدماجها في القوانين الداخلية، بما في ذلك تدبير الإشكاليات المرتبطة بالتعارض أحيانا مع المنظومات المرجعية للدول وتوابثها الوطنية، علاوة على إكراهات البنيات الاجتماعية المرتبطة ببعض القوالب والصور النمطية السائدة، والتي قد تتعارض مع مبادئ وقيم حقوق الإنسان؛ صار الرهان مؤكدا على إصلاح وتأهيل النظام الإقليمي العربي لحقوق الإنسان لمواكبة ومسايرة النظام الدولي، وتنويع مداخل الحوار والتواصل بينهما، مثلما تأكدت، توازيا مع ذلك، الحاجة أيضا إلى الانكباب على بلورة واعتماد معايير عربية موحدة حول قضايا محددة، ووضع مؤشرات قياس خاصة.
ختاما، وإذ نجدد الشكر، إلى كل من ساهم في الإعداد لدورة لجنتكم الموقرة، ولاسيما الأجهزة المختصة بجامعة الدول العربية والمندوبيات العربية الدائمة لديها ومختلف ممثلي الوفود العربية المشاركة في الأعمال التحضيرية، نتمنى لأشغالكم كل النجاح والتوفيق، ونرحب بما ستسفر عنه نتائجها، مؤكدين لكم استمرار انخراط المملكة المغربية في كل المبادرات الجادة الهادفة إلى خدمة قضايا حقوق الإنسان على المستوى الإقليمي والدولي، واستعدادها الدائم لتقاسم تجربتها في هذا المجال.
أتمنى لكم مقاما طيبا ببلدكم الثاني المملكة المغربية.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

الاخبار العاجلة