إن المتتبع لمسار السياسة الخارجية للمغرب خاصة في ظل وجود فاعلين جدد أوكلت لهم مهمة صناعة القرار المغربي سيلاحظ تغيرا جذريا في أساليب وآليات اشتغال الدبلوماسية المغربية،فبعدما كان المغرب يوظف علاقاته ومصالحه المتشابكة مع القوى العظمى من أجل حشد الدعم لصالح أجندته بخصوص الصحراء،أصبحنا اليوم نراه يحدد معالم هاته العلاقة بناءا على مواقف هذه الدول والهيئات من مطالبه حول الصحراء ، كما لو أن القيمين على الشأن الدبلوماسي بالمغرب ينطلقون من مسلمة مفادها أن المواقف اتجاه الصحراء هي المحرك الاساسي للسياسة الخارجية وليس العكس ،وأن المغرب أصبح في موقع يؤهله للدخول في صراعات ومناوشات دبلوماسية بين الفينة والأخرى بمنطق هجومي و” أن زمن المقاربات الدفاعية ضد هجمات الخصوم قد ولى إلى غير رجعة،والعام الزين، وما عندنا ما انخسروا….
لقد أثرت هذه المقاربات على رؤية الساسة لطبيعة وحجم المكتسبات السياسية والميدانية الثابتة،و على حجم هامش المناورة لديهم من أجل تدبير المتغير من هذه المواقف والمكاسب. فكيف يمكن أن نفهم المواقف السياسية للمغرب بناءا على هذه الرؤية الجديدة لصناع القرار؟ و كيف انعكست بشكل جلي على جودة و مردودية السياسة العمومية للدولة على مستوى الجبهتين الداخلية و الخارجية؟
لقد شيدت المملكة المغربية لمنهج جديد في تعاطيها مع ملف الصحراء عبر التركيز على الساحة الدبلوماسية الدولية،منطلقة من كون الأمر الواقع على الأرض هو المعطى الثابت وأن المواقف الخارجية هي المعطى المتحول،وبالتالي فلا داعي للاهتمام بالساحة الداخلية عبر الانفاق على الصحراويين من أجل تغيير ولاءات انصار البوليساريو من داخل الصحراء لصالح المغرب،و في هذا الصدد يلاحظ المتتبعون المحليون من أهل الصحراء تحول نهج الدولة في تعاملها مع الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لأهل الصحراء عبر إلغاء ما كان يسمى بالتمييز الايجابي لساكنة الصحراء والاستمرار في التشبث بعدم الاعتراف بخصوصية الساكنة الأصلية الموروثة عن الاستعمار الاسباني،حيث أن جميع المقاربات التنموية والميزانيات الضخمة التي تم إنفاقها على المنطقة تغفل عنصر السكان الاصلين في إجراءات تنفيذها وإبرامها على امتداد أربعين سنة.
أما على صعيد الجزء الثاني من السكان الاصلين وهم شريحة العائدين فإن المقاربات المتبعة حاليا توحي بأن الدولة لم تعد تعتمد على هذه الورقة من خلال الإغلاق أو التضييق على محاولات العودة مما يجعل بعض المتتبعين يرون أن العنصر الصحراوي أصبح الحلقة الأضعف في اهتمامات الدبلوماسية المغربية سواءا داخليا أو خارجيا.
إن نهج الدبلوماسية المغربية للسياسة الهجومية ونجاحها في بعض المحطات مثل التهديد بإلغاء المناورات العسكرية المشتركة مع الولايات المتحدة إبان عرض المشروع الامريكي لتوسيع صلاحيات المينورسو و التلويح بسلاح الهجرة و محاربة الارهاب في الازمات مع الاتحاد الاوربي،و توظيف العامل لاستخباراتي للضغط على فرنسا،ليس السلاح الأوحد والناجع في تدبير المرحلة لأن الساحة الدولية هي ساحة المتغيرات بامتياز وأن تغير المعطيات على الأرض وعلى ميدان الصراع هو المتحكم في توجيه بوصلة القرار العالمي،خاصة عندما تدخل لعبة المصالح والتوازنات الجيوسياسية بشكل أقوى في حسابات الفاعلين الدوليين،بلغة أخرى فإن من يفقد التأثير المباشر على الميدان سيفقد القدرة على التأثير في رسم معالم السياسة الدولية.
إن إنتاج السياسة العمومية للدولة بناءا على ما يتمناه ساسة الدولة من معطيات في إغفال تام للمعطيات الحقيقية على الأرض،هو العامل الرئيس في فشل تنفيذ هذه السياسات وانعكاسها السلبي على قدرة الدولة في الاقناع والتأثير على القرارات الدولية لصالحها،و لعل الازمة الأخيرة مع شخص الأمين العام للأمم المتحدة ومن خلاله مع المنتظم الدولي،تضع نهج الدبلوماسية المغربية على أول محك حقيقي لإثبات جدوائية سياسة المبادرات الهجومية على المستوى الخارجي،ومدى منطقية إغفال عنصر الساكنة الاصلية كمحدد أساسي في الصراع على المستوى الداخلي.
أن تنطلق من معطيات حقيقية في بناء سياستك العمومية وإن كانت معطيات لا تخدمك على مستوى التسويق الدبلوماسي،خير لك من إقرار سياسات ترسمها على أساس معطيات عاطفية لا علاقة لها بالواقع الحقيقي وتفشل بذلك جميع سياساتك العمومية في ضمان تحكمك في الميدان و تجعلك تدخل حالة من التخبط على المستوى قراراتك بخصوص السياسة الخارجية.
من أجل هذا كله في الختام نقول :”ليس في كل مرة تسلم الجرة أيها الساسة”
بقلم :محمد سالم بداد باحث في جامعة محمد الخامس الرباط
[email protected]
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.