التجسس واستراق السمع وخيانة المجالس في حياة الناس

voltus28 مايو 2022آخر تحديث :
التجسس واستراق السمع وخيانة المجالس في حياة الناس

 

*ذ.عبد الله مشنون

انتشرت بيننا -للأسف الشديد- ظاهرة خبيثة؛ هادمة للعلاقات، مفرقة للأسر والجماعات، هي خيانة المجالس؛ ساعدها في ذلك، هذه الطفرة التكنولوجية في وسائل الاتصال التي صارت متاحة لكل الناس أينما كانوا وحيثما كانوا؛ عبر الهاتف بين الأصدقاء أوالمجموعات على الفيسبوك والواتساب وغيرها، ونحن مغاربة العالم لم نسلم من هذه الظاهرة المشينة؛ وأمثلتها عديدة أذكر منها:

• أن تجالس شخصًا تثق فيه؛ ثم تكتشف أنه يصوّرك بجهاز هاتفه أو بجهاز خفي تحت ملابسه أو من خلال نظارته، أو يسجل كلامك دون علمك ودون إذن منك؛ وهو يعلم أن ذلك الفعل من خيانة المجالس.
• ومنهم من يكلمك في الهاتف؛ فيسجّل مكالمتك تلقائيًا دون إذن منك، وهو يعلم أن ذلك الفعل من خيانة المجالس.
• ومنهم من تُرسل إليه برسائل عبر الواتساب، أو الماسنجر، مكتوبة كانت أو صوتية، فيعيد إرسالها ويعممها على آخرين!
• أو ينزلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي من غير إذن منك؛ وهو يعلم أيضا أن ذلك من خيانة المجالس.
• ومنهم من يكلمك عبر الهاتف؛ ويفتح (مكبر الصوت) دون علمك؛ ليُسمع شخصًا آخر يجلس إلى جانبه؛ على الرغم من أن المحادثة قد تتضمن أسرارًا أو تحكمها سياقات خاصة تفضل عدم الإفصاح عنها لغيره، فيكون بمثابة سعي بالنميمة وتفريط بحق الجليس.

وقد قال الله تبارك وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.)
من أجل ذلك؛ حري بنا جميع أن نسعى لحفظ أمانة المجالس، حفظا للعهد وصونا للود، وتخلقا بأخلاق الكبار، قال عز وجل: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ.)

لقد تجاوزت هذه الظاهرة حدود ما هو متحكم فيه إلى درجة تهديد بنية نسقنا الاجتماعي؛ وصارت خطورتها تفوق خطورة ما ذكره القرآن الكريم عن “الكَذَّاب الحَلَّافٍ المهِين، الهَمَّازٍ المشَّاءِ بِنَمِيمٍ، المنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ المُعْتَدٍ الأَثِيمٍ، العُتُلِّ بَعْدَ ذَٰلِكَ والزَنِيمٍ” لأنها تخلق الإشاعة؛ إذ هي أشبه ما تكون بحرب تتسبب بجروح غائرة تنزف بلا دماء، تحتجب تحت مسميات عديدة لتخفي بشاعة التحريض والسعي في الناس بالإفساد.
إنها سيل جارف يعبث بخصوصيات الناس وبأسرارهم، تغذيه روافد الحقد والكراهية وتفاقم أهواله مشاعر الغل والضغينة.
الإشاعة والكذب والنميمة والتجسس؛ هي حروب مغرضة؛ من إنتاج وتأليف شخص خبيث جبان منعدم الأصل؛ “زَنِيمٍ” وسيناريو وإخراج شخص خِسِّيس حاقد، ونشر وتوزيع شخص آخر حقير لئيم؛ وتصديق -للأسف- من إنسان ساذج.
وقد وصفهم الله عز وجل في سورة القلم بالقول: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِين هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ.} صدق الله العظيم.

وهنا لا مجال للحديث عن القيم والأفكار والمعاني، فنحن أمام حرب كل الأسلحة فيها مباحة، تستعين بتقنيات جد حديثة ومتطورة، يوظف فيها الهاتف بشكل رئيسي؛ حرب المعلومات الشخصية، تستهدف بالأساس انتهاك الخصوصية عبر سرقة كلام الناس وأحاديثهم وبياناتهم الشخصية من صور وفيديوهات وتسجيلات، والتجسس على كل ما ينطقون به واستعماله من أجل الابتزاز والتشهير والإساءة لسمعتهم.

استراق السمع والتجسس والنميمة وهتك أعراض الناس: هي إحدى السلوكيات والتصرفات المذمومة عند الله عز وجل؛ قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ. وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوه وَاتَّقُوا اللَّهَ. إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ.)

وقال أيضا: (إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ. وكذلك في قوله تعالى: (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ.)
إن خيانة المجالس في حياة الناس؛ تحيل إلى معنى أنطولوجي للكتاب الناطق بالحق؛ والوجود الفعلي لهذا الكتاب جاء في قوله تعالى: (هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ؛ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ.)
{وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ.} صدق الله العظيم.

قال الحسن البصري – رحمه الله -: ” إنما تُجالسوننا بالأمانة، كأنَّكم تظنُّون أنَّ الخِيانة ليست إلاَّ في الدِّينار والدِّرهم، إنَّ الخيانة أشدَّ الخيانة أنْ يُجالسنا الرجل، فنطمئن إلى جانبه، ثم ينطلق فيسعى بنا “.
رحم الله من نظر إلى عيب فستره؛ وزلة فغفرها، وفضل فشكره، وحفظ عهدنا وأمانتنا عنده، وكان في ذلك كله ناصحا لا فاضحا، فالأمر كله، إنما هو سلف ودين، والحمد لله رب العالمين

*إعلامي وكاتب من مغاربة العالم


اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

الاخبار العاجلة

اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading