ورغم أن عملية تلقِّي اللقاح عن طريق البخاخات تبدو أسهل لتوصيل العلاج، مقارنةً بالحقن التي تؤخذ عن طريق الذراع، فليس هذا هو الحال من الناحية العملية؛ ففي الحقن في العضل، تَنقل الإبرة مكونات اللقاح مباشرةً إلى العضلات، إذ تلتقي تلك المكونات سريعًا بالخلايا المناعية المقيمة، ولكن في المقابل، ينبغي أن تشق البخاخات طريقها إلى تجويف الأنف دون أن تخرج عن طريق العطس، ثم يتعين على تلك المكونات اختراق حاجز مخاطي سميك، وتنشيط الخلايا المناعية المحبوسة بالداخل، لكن هذه العملية لا تُكلل بالنجاح في كل الحالات؛ فمثلًا أوقفت إحدى الشركات -وتدعى «ألتيميون» Altimmune- تطوير لقاح خاص بها لـ«كوفيد» يؤخذ عن طريق الأنف، واسمه «أدكوفيد» AdCOVID بعد النتائج المخيبة للآمال للتجارب المبكرة التي أُجريت على هذا اللقاح.
ويمكن للفيروسات المُضعَّفة أو المُوهَّنة اختراق ذلك الحاجز لإصابة الخلايا بالعدوى، ولذلك بدأ بعض مطوري اللقاحات يلجؤون إليها، فقد استخدمت شركتا «ميسا فاكسينز» Meissa Vaccines و«كوداجينيكس» Codagenix البيولوجيا
التخليقية لبناء نسخة مُوهَّنة من فيروس كورونا الجديد، تضم مئات الطفرات الجينية، التي تقلل بصورة كبيرة من قدرة الفيروس على التكاثر، وفي بيان صحفي صدر مؤخرًا، أفاد الفريق البحثي لشركة «كوداجينيكس» بأن اللقاح الخاص بالشركة الذي يحمل اسم «كوفي ليف» CoviLiv، قد حقق نتائج واعدة في تجارب المرحلة الأولى؛ إذ نجح الرذاذ في تحفيز استجابة مناعية قوية ضد البروتينات المشتركة بين سلالات متحورة مختلفة من فيروس «سارس-كوف-2»، تتضمن سلالة «أوميكرون» الفرعية « BA.2»، وذلك لأن اللقاح يدرب الجهاز المناعي على التعرف على جميع البروتينات الفيروسية، لا البروتين الشوكي فقط، ويقول العلماء إن طرح جميع مكونات الفيروس يجعل اللقاح أقل تعرضًا لتغيُّرات التطوّر المفاجئة، التي يمكن أن تسفر عن تغيير في بعض البروتينات بصورة لا يمكن التعرف عليها، ويقول جيه. روبرت كولمان، عالِم الفيروسات والمؤسس المشارك للشركة: “تكمن الميزة الأساسية للقاحات الحية المُوهَّنة في قدرتها على توفير مناعة واسعة المدى، وطويلة الأمد، داخل وسط يتميز بشدة المقاومة”، وجدير بالذكر أنه من المقرر للقاح «كوفي ليف» أن يمضي قدمًا نحو مرحلة الاختبارات المتقدمة التي تُجرى على الأشخاص، في إطار «تجارب التضامن»، برعاية منظمة الصحة العالمية، وهي تجربة إكلينيكية عشوائية منضبطة تهدف إلى اختبار عدة لقاحات جديدة لمرض «كوفيد».
وفي مقابل اللقاحات المرشحة التي دخلت بالفعل إلى مرحلة التجارب الإكلينيكية، لا تزال هناك أعداد من اللقاحات تخضع لعملية التطوير قبل الإكلينيكي؛ فمن خلال البحوث التي أُجريت على الفئران في جامعة ييل، ابتكرت إيواساكي رذاذًا للأنف يعمل معززًا للجرعات القياسية التي تؤخذ عن طريق الحقن في العضلات، وتبدأ هذه الإستراتيجية، التي تسميها الباحثة «التعزيز الأوّلي والبروتين الشوكي» Prime and Spike، بحَقْن لقاح «كوفيد» يعتمد على الحمض النووي الريبي المرسال أو أي لقاح من نوع آخر يعتمد على البروتين الشوكي، ما يحفز استجابةً مناعيةً أولية، ثم يرش الباحثون مزيجًا من البروتينات الشوكية المماثلة بشكل مباشر داخل الأنف، ما يسهم في تحويل ذلك التفاعل الأولي إلى مناعة مخاطية، وفي مسوّدة بحثية من دراسة لم تُنشر بعد، في دورية علمية تخضع لمراجعة الأقران، وجد فريق إيواساكي أن الجرعة الثنائية التي طبقوها منحت فئران التجربة حمايةً من الأعراض الشديدة لكوفيد، مع إسهامها في الوقت ذاته في إحداث انخفاض كبير في أعداد فيروس «سارس-كوف-2» في الأنف والرئتين.
وعندما أضاف الباحثون إلى الرذاذ بروتيناتٍ شوكيةً من فيروس كورونا، الذي تسبب في وقوع فاشية عالمية عام 2003، والمعروف باسم «سارس-كوف-1»، وجدوا أنه يحفز مجموعةً كبيرةً من الأجسام المضادة، ولدى ذلك المزيج قدرةٌ كبيرةٌ على الدفاع عن الجسم في مواجهة السلالات الأصيلة أو المتحورة من فيروس كورونا الجديد، وتقول إيواساكي: “ثمة دفعة كبيرة نحو التوصل إلى لقاح عالمي لفيروس كورونا، يمكننا تحقيق ذلك، بل يمكننا توفير مناعة مخاطية أيضًا”، منحت إيواساكي شركة «زانادو بايو» Xanadu Bio -وهي شركة شاركت الباحثة في تأسيسها- ترخيصًا باستخدام هذه التكنولوجيا، وتسعى للحصول على تمويل لبدء التجارب على البشر.
وفي الأماكن التي لا تتوافر فيها إبر ولا محاقن، يمكن للقاحات الأنف أن تصل إلى أعداد أكبر من الأشخاص، وقد تكون هذه ميزةً كبيرة، ومع ذلك، يعتقد كوف أن ما سيفصل في هذا الأمر حقًّا هو مدى قدرة الاختبارات والتجارب على إثبات قدرة هذه اللقاحات على وقف العدوى والمرض، ولعل هذه النتائج أكثر أهميةً من مسألة سهولة الاستخدام، ويضيف كوف: “في نهاية المطاف، ستتفوق مسألة الفاعلية على جميع الاعتبارات الأخرى
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.