تجمع بين المغرب والاتحاد الأوروبي علاقات تاريخية وطيدة في عدد من المجالات وأبرزها السياسية والاقتصادية والأمنية التي جعلت من المغرب شريكا أساسيا للاتحاد الأوروبي بحكم قربه الجغرافي وموقعه الاستراتيجي الذي يحظى به المغرب في شمال إفريقيا .
ولكن إن هذه الشراكة التي تجمع بين الاتحاد الأوروبي والمغرب تتخللها بعض الخلفيات السياسية وأساليب الضغط من أجل تحقيق المصالح الأحادية من قبل هذا الاتحاد.
وفي هذا الصدد سنبرز أهم الخلفيات السياسية لاتحاد الأوروبي في تعامله مع المغرب.
أولا: التعامل بمنطق الاستعمار الذي ما يزال في مخيلة بعض الدول الأوروبية .
ما تزال بعض الدول في الاتحاد الأوروبي تتعامل مع الدول الإفريقية بالأسلوب الاستعماري ،خاصة مع الدول التي كانت خاضعة لها إبان الاستعمار ،وتظن أنها سيدة لها ونسيت أن زمن الاستعمار لقد انتهى وكل دول لها سيادتها المستقلة و قادرة في تسيير شؤونها الداخلية، كما هو منصوص عليه في قرارات وتوصيات منظمة الأمم المتحدة والقانون الدولي .
وعلاقة بهذا لقد أصبح المغرب يحظى بسيادة كاملة منذ حصوله على الاستقلال سنة 1956 وله دبلوماسية واقعية بدورها لها أهمية كبيرة في المنتظم الدولي، والتي أضحت تعطي ثمارها على المستوى الدولي من خلال حضوره في المحافل الدولية وترأسه لبعض اللجان الدولية ،دون أن ننسى الدور الريادي الذي يلعبه في القارة الإفريقية من الناحية الدبلوماسية الاقتصادية والسياسية والأمنية والثقافية .
فالدور الريادي الذي يتمتع به المغرب أصبح يزعج بعض الجيران و بعض الدول في الاتحاد الأوروبي ،لأن القوة الإقليمية التي يتميز بها المغرب تثير قلقا للدول التي تريد أن يبقى المغرب حبيس النمو والتقهقر في الاقتصاد.
فالدبلوماسية المغربية لقد تغيرت نبرتها اتجاه محيطها الإقليمي والدولي ،وعندما وقعت الأزمة المغربية الإسبانية والألمانية ،نستشف أن التعامل المغربي تغير مع هذه الدول التي كانت تحاول المساس في شؤونه الداخلية ،التي دفعت المملكة المغربية بفرض سياسة الأمر الواقع مع الدول المعاكسة لمصالحه بعبارة مخاطبة إياها” المغرب الأمس ليس بمغرب اليوم ، وعلى بعض الدول الأوروبية أن تتجاوز فكرة تعامل الأستاذ بتلميذه.
ثانيا : استعمال بعض الدول في الاتحاد الأوروبي قضية الصحراء المغربية لخدمة مصالحها.
كما هو معلوم أن قضية الصحراء المغربية تعتبر من أولويات السياسة الخارجية ،والمغرب حريص بشكل كبير للدفاع عنها في المنظمات الدولية والاقليمية ،ولكن للأسف إن بعض الدول خاصة في الاتحاد الأوروبي ما تزال تسعى أن يبقى النزاع مطول وأن يبقى بدون حل بغية تحقيق مصالحها.
وفي هذا السياق لقد قامت محكمة العدل الأوروبية بإصدار قرار لإلغاء اتفاقية الفلاحة والصيد البحري التي تجمع بين المغرب والاتحاد الأوروبي ،في حين صدرت حكما ابتدائيا نفسه الذي كانت قد حكمت به في سنة 2015، قبل أن تراجعه في منطوق الحكم الاستئنافي، بخصوص اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي.
ولقد جاء هذا الحكم الابتدائي بناء على طعن تقدم به الكيان الانفصالي المزعوم في سنة 2019. رغم ذلك يبقى هذا القرار دون أي أثر فوري على الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، لأنه حكم ابتدائي لن يغير من الواقع شيئا حاليا، في انتظار مرحلة الاستئناف.
ولماذا أصدرت محكمة العدل الأوروبية هذا القرار في هذه الظرفية بالضبط؟
كما هو معروف أن الجزائر أصبحت تعمل ليلا ونهارا لمعادة المغرب في وحدته الترابية بعدما اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء ،غير هذا الاعتراف منحى الدبلوماسية الجزائرية وزعزع كيانها (البوليساريو) ، فالتقرب الأخير الذي لعبته الجزائر خاصة مع أحد الأجهزة داخل الاتحاد الأوروبي ،بحيث لم تجد ملاذا لها غير هذا الجهاز لكي تنقذ أزمتها الدبلوماسية التي على وشك الانهيار ،وتتظاهر أنها حققت انتصارا بغطاء الدفاع عن الكيان الوهمي ،وفي الحقيقة أن هذا الأخير ليست له الصفة الشرعية لكي يتقدم بالطعن فهو غير معترف به من قبل منظمة الأمم المتحدة .
إضافة إلى ذلك إن هذا القرار يتعارض مع الشراكة الاستراتيجية الأوروبية المغربية ، بمعنى هل يمكن اعتبار أن هناك تعارض في الأهداف بين أجهزة الاتحاد الأوروبي أم أن التقارب الأخير الذي جمع بين المغرب مع مجموعة من الدول مثل أمريكا وبريطانيا وإسرائيل أزعج الاتحاد الأوروبي .
ثالثا: الخوف الأوروبي من إشكالية بناء الاتحاد المغاربي .
من خلال منظور العلاقات الدولية إن بناء الاندماجات الإقليمية بين الدول تكون في زوبعة التنافس والصراع من قبل القوى الكبرى ،حيث أن معظم التكتلات خاصة في الدول النامية تتعرض للضغوطات والعرقلة حتى لا تنجح في مسارها .
وفي هذا الخضم إن بناء الاتحاد المغاربي يواجه مجموعة من التحديات سواء داخليا أو خارجيا ،فمن الناحية الداخلية إن الجزائر تعاكس بناء هذا الاتحاد بغية تحقيق مصالحها وبقاء المسؤولين الحاكمين في الجزائر في قبضة الحكم ،لأن الجزائر يحكمها النظام العسكري ،فمن الصعب تحقيق التكامل المغاربي مادام العسكر يؤمن بالأفكار الاشتراكية والعسكرية الاستبدادية ،والاندماجات تحتاج إلى دول ديموقراطية تؤمن بحرية الأخرين ومواطنيها لكي تتوافق الأهداف المسطرة داخل التكتلات، مع العلم أن الجزائر تدعم الانفصال في الاتحاد المغاربي ،فكيف يمكن تحقيق التكامل ؟
وأما من الناحية الخارجية هنا تكمن الإشكالية الكبرى كما نعلم أن الاتحاد الأوروبي يعتبر من أقوى التكتلات في العالم ،حيث يضم دولا تعتبر من القوى الكبرى(ألمانيا،فرنسا) ،وإن بناء الاتحاد المغاربي جنوبه سيشكل له تحديا إقليميا ،فمن المفترض إن وضعت سكة هذا الاتحاد في مساره الصحيح سيعتبر من أقوى الاتحادات في العالم، لأنه يحتوى على دول لها دين واحد ولغة واحدة وموارد طبيعية كثيرة يمكن تحقيق من خلالها الإنتاج والأسواق المفتوحة بين الدول الأعضاء، مما سيساعد كذلك على تحقيق الرفاهية للشعوب والاستمرار بالصمود والمنافسة أمام التكتلات الاقتصادية الشرسة العالمية.
إذن ، فالاتحاد الأوروبي لا يريد أن يكون الاتحاد المغاربي جنوبه لأنه يهدد مصالحه الاستراتيجية ،مما سيدفعه إلى خلق أساليب يسعى بها إلى إضعافه أو دفن هذا المشروع المغاربي .
خلاصة
وصفوة القول إن الاعتبارات السياسية التي أصبحت يعمل بها الاتحاد الاوروبي، يعرفها المغرب جيدا على سبيل المثال: استعمال أوراق الضغط كحقوق الإنسان ،مسألة الهجرة ،قضية الصحراء المغربية و إلغاء الاتفاقيات .
فالمغرب يعي جيدا أن أمامه تحديات مستقبلية ، سيسعى جاهدا لتجاوزها من أجل تنويع الشركاء والبحث عن الأسواق الجديدة وجلب الاستثمارات متجاوزا الشريك التقليدي – الاتحاد الأوروبي- الذي أصبح تتضح حقيقته في تعامله مع المغرب .
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.