دور المغرب الإستراتيجي في تعزيز الأمن والسلم الدولي في الجنوب بمنطقة الساحل
مكتب الداخلة
بقلم د. إبراهيم ليتوس
باحث بمركز بروكسيل الدولي للأبحاث وحقوق الإنسان
المغرب لا يزال و سيبقى حليفا استراتيجيا ليس فقط بين القارة الإفريقية وأوروبا فحسب، وإنما كذلك كشريك أساسي للتعاون من أجل محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة على المستوة الدولي والإقليمي .
يخطأ خطأ فادحا، من يجهل أو يتجاهل الجهود الجبارة التي قام بها المغرب إقليميا ودوليا في السنوات الأ خيرة و التي لا يزال يقوم بها حاليا ، في العمل على إستتباب الأمن والإستقرار ، سواء في سعيه الدؤوب لتكريس عملية السلم والتعاون الوثيق بين دول العالم وبين تنزيل التوجيهات السامية لصاحب الجلالة في خطاباته الملكية. وهذا التنزيل ، نراه اليوم يتجسد عمليا بالسياسات المتبعة من المملكة نحو شمال البلاد وجنوبها دون تفريط في أي شبر من أراضيه ؛ وفي إطارالسيادة الكاملة لوحدته الترابية . الصحراء المغربية – وهي لأكثر من أربع عقود – بين مد وجزر ومنذ خروج الإستعمار الإسباني منها عام 1975 باتت تشكل أهمية كبرى لبسط الحزام الأمني في منطقة الساحل وكهمزة وصل بين إفريقيا وأوروبا .
لن نتحدث في هذا المقال ، كثيرا عن الأحقية التاريخية لبلادنا في الصحراء – لأنها باتت من توضيح الواضحات- وأنها كجزء لا يتجزأ من أقاليمنا الجنوبية والتي تنعكس في العديد من الإتفاقيات والمعاهدات المبرمة منذ قرون. على سبيل المثال الاتفاقيات في القرن الرابع عشر بين المغرب وبين البرتغال وإسبانيا؛ ما بات يعرف بإسم معاهدة الكوسوماس ومعاهدة سنترا . لم يكن الهدف منها آنذاك، هو فقط إسترجاع المغرب لكامل أراضيه وإنما قيامه بواجبه الدولي والإقليمي كذلك ، في المنطقة كلها من أجل إعطاء الحماية والأمان للبحارة والسفن التي كانت ترسي من المحيط الأطلسي في جنوب البلاد.
سنسلط الضوء في هذه الورقة على الأحداث الأخيرة في الكراكات و التي اعتصم فيها قرابة 60شخصا لعرقلة الممر المدني والتجاري بين المغرب وموريتانيا. مع العلم أن هذا الشغب يحدث الآن لأكثر من 3 اسابيع (منذ 21اكتوبر ) وهذا الكيان الانفصالي المسمى بجبهة البوليساريو يحاصر بحماقة و تعمد أكثر من 200 شخص من سائقي الشاحنات على الحدود بغية النيل من الحركة التجارية لمناطق الجنوب . وتتكرر هذه الخروقات الدولية من طرف جبهة البوليساريو مرارا وهي التي تسببت في إنهاء وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ منذ 1991. علاوة على تداعيات بوليساريو التحريضية إذ تعلن من إسبانيا – عبر مكتبها في مدريد – نداءات لفتح لوائح لتجنيد الشباب الصحراوي للقيام بحرب لا مناص منها ضد المغرب . والكلام نفسه يردده من الجزائر من يسمى نفسه بوزير خارجية الكيان الموهوم ؛ الجمهورية الصحراية المدعو محمد سالم والد سالك والذي هو بارع في تزوير الحقائق ضد حق الدفاع الذي تقوم به قواتنا المسلحة والمخول له قانونا في المنطقة العازلة التي تمتد 14كلم لإعادة حرية التنقل وإنهاء عرقلة الميليشيات من البوليساريو
رغم نداءات الأمم المتحدة للكف عن عرقلة الممرات سجل الأمين العام للأمم المتحدة السيد انتونيو كودراس في تقريره السنوي أنه تم إلى حد الساعة تسجيل 53خروقات من جانب جبهة البوليساريو وحذرت الأمم المتحدة الجبهة من انتهاج هذه التصرفات الشنيعة والتي تعوق الحركية المرورية للأشخاص والبضائع في كل مرة بل وتعرقل بذلك البعثات الأممية من أجل السلام في المنطقة. رغم ذلك كله فإن جبهة البوليساريو لاتزال مصرة على تكرار هذه الاستفزازات ضاربة بالاعراف والمواثيق الدولية عرض الحائط و بتحدي صارخ للمجتمع الدولي و على مرأى ومسمع من الناس.
طالبت الأمم المتحدة في اجتماع السنوي للدول المانحين مبلغ 2.4 مليار دولار لمواجهة تحديات الدول الخماسية الساحلية( موريتانيا ، مالي ، نيجر ، بوركينا فاسو، تشاد) لكن لم يصرف منها فعليا على المشاريع سوى 2 في المئة اي مبلغ 27.8 مليون دولار وهذا يبين الوتيرة والحجم الذي يخصص له فعليا من الميزانية المرصودة لتطبيق القرارات على أرض الواقع .
المغرب في صحراءه يقوم بتعزيز الإستقرار الدولي وزيادة الأمن للتنسيق مع ال 18شريكا بين أنشطة الحلفاء من أجل الساحل الذي استهل عمله بمبادرة فرنسية / ألمانية منذ عام 2017 والذي يقوم بتنفيذ أكثر من 800 مشاريع إنماءية و إنسانية بملغ قدره 11مليار أورو تقريبا للعمل على التماسك الإجتماعي والأمن الغذائي وشبكات الصرف الصحي وطبعا الأمن الإقليمي والدولي. وما نلاحظه دوما ، هو أن الذي لا ينقاد للقواعد هو جبهة البوليساريو بتحركاتها العدوانية وتهربها المستمر حتى لا تحترم إلتزاماتها .
ما علاقة ما يحدث بالجماعات الساحلية؟
من المعلوم أن القاعدة كتنظيم يمكننا القول ، أنها إلى حد ما، تم القضاء عليها بعد مقتل قائدها؛ أسامة بن لادن عام 2011 إلا أن بعض الجيوب والخلايا للتنظيم لا تزال تشتغل بأدبيات وإيديولوجيتها لمحاربة العدو البعيد أو العدوان الخارجي الممثلة بزعمهم في بعض الدول مثل أمريكا وفرنسا وبريطانيا وغيرها من الدول.
من بين هذه الجيوب ، تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي الذي كان فرعا لتنظيم القاعدة وبالأساس تولد عن الجماعات المسلحة في الجزائر في بدايات التسعينات تشكل بحكم التطور والإمتداد منذ 2007 باسم تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي في إفريقيا.
لكن تغييرا بدا يطرأ على الخريطة الأيديولوجية للجماعات المحلية المسلحة. فبعد بروز وإعلان تنظيم الدولة الإسلامية( داعش ) للخلافة في العراق وسوريا عام 2014كانت الإمارة الإفريقية في منافسة شرسة على تنظيم القاعدة تحت إمارة عبد المالك درودكال ، الذين اختاروا بدورهم لإفريقيا إمارة رقم 9.
فاستغلت جماعة أنصار الإسلام والمسلمين هذا الشرخ والانقسام لاسيما بعد ضعف هيبة شخصية أيمن الظواهري بالمقارنة مع أسامة بن لادن ، لصالحها ولتجميع أطياف المجاهدين في القارة السمراء.
جماعة أنصار الإسلام والمسلمين تعد الآن هي حركة الأم للجهاديين و للجماعات الساحلية بقيادة إياد أغ غالي من جماعة أزواد من الطوارق والذي استطاع أن يجمع بطريقة ذكية هذه الجماعات الجهادية الساحلية تحت لواءه وبمنهاجه الخاص للعمل سويا لمحاربة الكفار على حد تعبيرهم.
فانضم معه تنظيم الدولة في الصحراء لعدنان ابو الوليد الصحراوي والحركة الجهادية في شمال افريقيا و أمير تنظيم المرابطين مختار بلمختار وجماعة أنصار الدين لاحمدو كوفي وزعيم إمارة الصحراء ليحيى أبو الهمام وتنظيم القاعدة لعبد الرحمان الصنهاجي وجند الخلافة لخالد ابو سليمان وحركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا وجماعة الموقعون بالدم ….. ورسمت بذلك لنفسها منهجا خاصا بخلاف الجماعات الجهادية السابقة . هنا يأتي بيت القصيد ، لكي نتناول نوعية العلاقات بين الجماعات الجهادية / الثورية / الإرهابية والمهربين للجريم?? المنظمة وكيف يتم التنسيق فيما بينهم ؟ فكان أول نقاط بين الجماعات الساحلية وبين المهربين هو نوع من مذكرة تفاهم على التعاون المسكوت عنه، شريطة ان يكون هناك دعم متبادل للتنقل والتسلح والتمويل وغض الطرف عن تجاوزات بعضهم البعض. فالمصلحة بينهم مستركة وذلك بخلق من الفوضى وعدم السماح لدول مركزية تثبيت سلطتها في تلك المناطق . يركز القائد الحالي لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين على جمع مختلف القبائل على مبدأ النصرة والتأييد ومحاربة المستعمر مع التأكيد على تفادي التصادم الدولي الذي كانت تسير عليه تنظيم القاعدة. ولذا يمكن اعتبار طابعهم الجهادي محلي وإقليمي ، والذي يركز على الساحل بما فيها على الحدود الموريتانية ونخلص في الختام أن دور المغرب حيوي وجد ضروري لضمان حراسة حدوده كبوابة للشمال نحو أوروبا وبوابة للجنوب نحو إفريقيا
ولقد رأينا ذلك في السنوات الماضية، عند تفكيك المغرب لعدد من الخلايا الإجرامية والإرهابية والتي كانت الصحراء هي البوابة المستهدفة عن طريق المليشيات المسلحة التي تم ضبطها مرارا وهي تتعاون مع الشبكات الإجرامية المنظمة والجماعات الجهادية المتشددة.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.