بقلم: أحمد رباص –
“كتابات ماركسية حول المغرب” هذا هو عنوان كتاب لعبد الله ساعف الذي حرره في الأصل باللغة الفرنسية وترجمه إلى اللغة العربية السعيد المعتصم. يتكون هذا الكتاب الصادر عن دار توبقال من مقدمة بقلم الكاتب ومجموعة من النصوص الماركسية الموزعة على ثلاثة عناوين جاءت على الترتيب التالي: 1- ماركس – أنجلز والحرب الإسبانية – المغربية لسنة 1859-1860؛ 2- روزا لوكسمبورغ والأزمة المغربية لسنة 1911؛ 3- الأممية الثالثة وحرب تحرير الريف. في تقديمه لهذا الكتاب يشير بياز سلامة، الأستاذ المبرز بجامعة باريس الثالة عشر، إلى أن من الصعوبة بمكان إجراء بحث في مقالات ماركس وأنجلز البالغ عددها 487 مقالا، وفي دراسات ومساجلات روزا لوكسمبورغ وفي نصوص الممية الثالثة عن كل ما له علاقة بالمغرب في الحقبة التاريخية المشار إليها أعلاه. في بداية مقدمته، يذكر عبد الله ساعف أسماء المنابر الصحافية التي نشر فيها ماركس وأنجلز هذا العدد من المقالات ويصنفها إلى بورجوازية وعمالية وماركسية. ثم يشير إلى ارتباطها بالسياسة الخارجية وكذا بمسألة القوميات والتوسع الاستعماري والتحالفات بين القوى القائمة…إلخ. وفي فقرة موالية، يسوق الكاتب ما يسوغ اهتمام مؤسسي الماركسية بالسياسة الخارجية من خلال هذه الكلمات: “عندما تسعى البروليتاريا إلى الانعتاق فإنها تصطدم بجبهة موحدة من الدول الرأسمالية وحليفاتها ما قبل الرأسمالية. فصراع الطبقات،الدولي جوهرا، يمكن أن يبلغ ذروته أحيانا، حسب ماركس وانجلز في السياسة الخارجية.” في إطار تتبعهما – يقول ساعف- لأطوار الموجة الأولى من توسع البلدان المصنعة في آسيا وإفريقيا وجزء من أمريكا اللاتينية، لاحظ ماركس وأنجلز كيف أن القوى الغربية دخلت في منافسة حامية الوطيس من أجل التوغل في الصين وإيران وأفغانستان والجزائر وبرمانيا وسوريا والمكسيك…من هنا نبع اهتمامهما بالمغرب، إلا أنه يبقى دون درجة انشغالهما بالجزائر بالقياس إلى العدد الكبير من المقالات التي كتباها عنها. في هذا السياق، يخبرنا الكاتب بأن حدث اقتحام الجيوش الإسبانية لشمال المغرب في شهر نونبر 1859 كان مناسبة جعلت ماركس يطلب من أنجلز كتابة مقالات لتغطية الحدث. استجابة لطلب صديقه حرر أنجلز مقالين نشرا كافتتاحيتين في جريدة ( New York Daily Tribune) وهما على التوالي: (Progress of the Moorish War) بتاريخ 19 يناير 1860 ، ( The Moorish War) بتاريخ 17 مارس 1860. بالإضافة إلى قلة كتابات مؤلفي “الإديولوجيا الألمانية” عن المغرب، لاحظ ساعف أنها لا تتطرق لبنياته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية و أنها تقتصر على “وصف العمليات العسكرية استنادا إلى المصادر الغربية وحدها”. غير أن الكاتب لا ينسى أن يعلمنا بأن أنجلز يخضع المعلومات التي استقاها من مصادرها لتقييم نقدي. ويستفاد من مضامين هذه الكتابات أنها اهتمت بسرد مجريات الحرب الإسبانية المغربية التي أبان المغاربة في بدايتها عن مقاومة شديدة للإسبان قرب سبتة إلا أنهم اضطروا للتراجع إلى الفنيدق بعدما تمكن الجيش الإسباني، المدعم من قبل الأسطول والمجهز باسلحة ذات جودة عالية، من احتجاز ( Rio Martin) ثم احتلال مديتة تطوان. فضلا عن هذا المنحى السردي، ينجز أنجلز مقارنة بين الطرفين من حيث عدد الجنود ونوعية الأسلحة ودرجة التنظيم وكذا التكتيكات المستعملة ليخلص إلى أن ” كل شيء في هذه الحرب يضمن للإسبان نصرا سهلا وسريعا.” كما يشدد على أهمية المدفعية باعتبارها رمزا للحداثة في القرن التاسع عشر مشيرا إلى أنها خولت للجيوش الأوربية الاستقواء على الشرقيين الذين أوكلوا أمر تشغيلها للمرشدين الأوربيين! غير أن أنجلز يلاحظ بحس الخبير أن المدفعية أعاقت تقدم الجيش الإسباني الذي كان عليه الاستغناء عنها والاكتفاء بما في حوزته من أسلحة نارية فتاكة. في خضم هذه المقارنة بين الجيشين المتحاربين، يلتفت أنجلز إلى التفاوت الكبير بينهما من حيث النظام والانضباط اللذين يتميز بهما الأول وغيابهما عند الثاني المشكل من “الفلول غير النظامية”؛ أي محاربي القبائل. بهذا الصدد، يثير مسألة الإصلاح في المجال العسكري التي انطرحت على السلطة والنخبة في المغرب في الفترة التي كتب فيها أنجلز مقالاته ومنذ معركة إيسلي. لقد تيقن المغاربة بمناسبة حرب تطوان من عجزهم عن تحديث النظام العسكري على الطريقة الأوربية ؛ الشيء الذي رأى فيه ماركس وأنجلز مؤشرا على “انحلال إمراطوريات الشرق الذي لا مرد له.” فالنسبة إليهما لا يحتاج التنظيم العسكري في البلدان “المتوحشة” إلى تقسيمات أو تجهيزات جديدة أو تدريبات على الشاكلة الأوربية، بل الأمر يتطلب إنشاء سلك الضباط وضباط الصف. وعلى العموم، فإن أنجلز يقر بأن تحديث الجيش المغربي يتطلب إصلاح الحياة المدنية بأكملها. بالعودة إلى العمليات الميدانية، يعترف أنجلز بتفوق المغاربة على أعدائهم بفضل الاستنزاف و الكمائن التي نصبوها لهم لدرايتهم بشعاب منطقتهم وتمكنوا بالتالي من فرض طريقتهم في القتال “حيث كان التفوق الفردي للمغاربة في هذا الشكل من القتال يضاهي المزايا الهامة للجيش الإسباني الأكثر عددا وعدة بل والمتميز بتنظيمه.” غير أن أنجلز لا يفوته تسجيل الخطإ الذي ارتكبه المغاربة وأدوا ثمنه غاليا ذلك “أنهم تركوا حرب العصابات وشنوا معارك المواجهة المخططة.” على المستوى التكتيكي، استغرب أنجلز من البطء الاستثنائي الذي طبع تحركات الإسبان على الميدان حيث اكتفوا بالدفاع وظلوا حبيسي وضعية قارة امتدت من نونبر إلى دجنبر 1859. وهكذا نجده يكتب: “وحينما نرى القائد (الإسباني ) يتردد ويلتزم وضعا دفاعيا، فإننا لا يمكننا أن نكن تقديرا كبيرا للجيش الإسباني.” وصولا إلى روزا لوكسمبورغ، يفيدنا ساعف بأن المغرب ورد ذكره في الفقرات التي خصصتها للاستعمار في مؤلفاتها التالية: “مدخل للاقتصاد السياسي” و “تراكم رأس المال” و “نقد النقد”. يقول ساعف بهذا الصدد: “(…) إذا كانت قد استطردت كثيرا حول سياسة التوسع الاستعماري الألماني في الرأس الشمالي الغربي من القارة الإفريقية في “أزمة الاشتراكية- الديمقراطية”، فإن المغرب قد استرعى انتباهها السجالي لمدة قصيرة نسبيا وذلك بمناسبة النزاع الفرنسي الإسباني لسنة 1911. لقد تطلبت هذه القضية من لوكسمبورغ كتابة عدة مقالات من أهمها مقالا “الأزمة المغربية واللجنة القيادية للحزب”. يعود السب الرئيس في هذه الأزمة إلى أن الرايخ الألماني، انطلاقا من أطماعه في المغرب بمقتضى معاهدة الجزبرة الخضراء، أعطى أمرا للبارجة الحربية (Panther) بالتوجه إلى ميناء أكادير بدعوى حماية المصالح المحلية لمواطنيه. وبما أن التدخل الألماني أثار حفيظة فرنسا التي سارعت إلى استنفار قواتها لشن حرب على ألمانيا، سارعت سكرتارية المكتب الاشتراكي الدولي إلى الاتصال بكل الأحزاب الأعضاء طالبة منهم الرد على خطر المواجهة. بالطبع استجابت هذه الأحزاب لهذه التعليمات ما عدا الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني الذي كان على أبواب انتخابات الرايخستاغ وهو يمني النفس بتعويض الهزيمة الانتخابية التي تجرع مرارتها سنة 1907. في ارتباط بهذه الحيثيات، يذكر ساعف أن لوكسمبورغ، التي كانت أحد أعضاء المكتب الاشتراكي الدولي، اتهمت من قبل هذه الهيئه بإفشاء البواعث السرية للجنة المسيرة للحزب الاشتراكي الديمقراطي. والواقع أنها عمدت إلى نشرها عنوة حتى تبرز سلبية قيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وتبين ضعف بواعثه الدولية وتتسبب في حدوث ردود فعل في ألمانيا. وبجرأتها الثورية بالمقارنة مع ليونة القيادة الاشتراكية الديمقراطية ، تؤكد لوكسمبورغ في كتاباتها على أن من واجب الاشتراكية تحريك الرأي العام وتعبئته وتحذيره من المخاطر الكامنة وراء أية مغامرة للساسة الامبريالية الحالية على شاكلة المغامرة المغربية. وبرفضها قبول اتخاذ الانتخابات مطية لتبرير تردد وتناقض قادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي، تريد روزا لوكسمبورغ بذلك أن تبين العلاقة المتينة القائمة بين السياسة العالمية والوضعية السياسية الداخلية للبلدان الرأسمالية. ولا تبرز هذه العلاقة عند لوكسمبورغ من جانب وظيفة الانتخابات فقط، بل أيضا من جانب طبيعة النظام السياسي للدولة الرأسمالية وعواقب الأزمة على هذه الأخيرة. فمن جهة، ليس من الصدفة في شيء أن تنشب الأزمة بالضبط خلال العطلة البرلمانية، مبعدة الممثلين الساميين للشعب الألماني عن القرارات الحبلى بالعواقب الوبال عليه. ومن جهة أخرى، كيفما كانت عواقب المغامرة المغربية، فإن وضعية ألمانيا التي تكاد تتورط في حرب، ستتغير بشكل قوي. فالحرب ستتسبب ليس فقط في الأزمة بل أيضا في نهاية الرأسمالية. وعلى الرغم من كون الأهمية التي تفردها روزا لوكسمبورغ للمغرب أهمية ثانوية، فإنه لم يفتها أن تشير إلى الطابع الشكلي لاستقلال المغرب منذ عقد الجزيرة الخضراء. ففي مقالها ” السياسة العالمية: سياسة بورجوازية صغيرة أم سياسة بروليتارية؟”، اعتبرت بأن الإبقاء على سلطان المغرب ما هو إلا واجهة للتظاهر باستقلال ووحدة الدولة المغربية والواقع على حد تعبيرها أن تقسيم المغرب لم يكن متأتيا في تلك الحقبة. وجاء عقد الجزيرة الخضراء ليجسد التسوية بين فرنسا والقوى الأخرى التي كانت تتردد في الدخول في نزاع بخصوص المسألة المغربية. ثم تضع من خلال ما سطرته من فقرات صورة متناقضة لدولة مغربية يأخذ فيها الملك ملامح “دمية” في أيدي القوى الأوربية وتصبح فيها القبائل الخائضة لحرب مزمنة مع الأجانب المالكة الحقيقية للشرعية. أخيرا، لابد من كلمة قصيرة عن النصوص الخاصة بالأممية الثالثة والمرتبطة بحرب الريف. أول هذه النصوص عبارة عن نداء من المكتب الشرقي للجهاز التنفيذي للأممية الشيوعية، وثانيها كتب بقلم ستالين حول الجبهة الموحدة الوطنية، أما ثالثها فقد كتبه زينوفيف حول موقف الاشتراكيين. رابع هذه النصوص ورد في الكتاب تحت عنوان: “الحزب الشيوعي الفرنسي: ضد المأزق المغربي من جديد”. هذا، وقد اختير للنص الخامس كعنوان: لجنة عمل الشبيبتين بفرنسا وإسبانيا – التآخي مع عبد الكريم. النص السادس كتبه علي كمال فولادي بعنوان “يقظة الشعوب المضطهدة في آسيا وإفريقيا، ام النص السابع والأخير فقد كتبه سان جاك تحت عنوان: نقد النزعة “الكريزمية”لدى الحزب الشيوعي الفرنسي.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.