سؤال لا شك أنه يراود كل من يحاول فهم ما يجري في قضية الصحراء المغربية التي توتر العلاقة بين المغرب والجزائر وتعطّل بناء الاتحاد المغاربي كقوة اقتصادية تستجيب لمطامح أبنائه في الدول الخمس .
اذا السوءال المطروح :
لماذا تراوح هذه القضية مكانها دون حل ، مع أن مبررات وجودها قد انتهت وأن الأطراف المعنية بها تتمنى أن يتم هذا الحل في أقرب فرصة؟
ليس هناك شك في أن الاستعمار الغربي قد ترك نقاط خلاف قابلة للاشتعال بين مختلف البلدان التي احتلها، لكن الكثير من هذه النقاط تم حلها ، لأن البلدان المعنية بها قد فكرت بمنطق العقل والمصلحة المشتركة، إلا قضية الصحراء التي تم تدويلها بفعل الحرب الباردة الباءدة سنة 1975 تاريخ تسليم الأقاليم الجنوبية الى المغرب من طرف إسبانيا .
ورغم أن كل الدلائل التاريخية والقانونية تقول إن هذه المنطقة تتبع المغرب، فإن القوى العالمية التي كانت طرفا في الحرب الباردة عملت على إدامة الأزمة وتعقيدها بدفع الجزائر لأن تكون طرفا في قضية ليس لها فيها ناقة ولا جمل.
وبما أن الحرب الباردة قد انتهت بتفكك الاتحاد السوفييتي والمعسكر الشرقي الذي كان يديره في لعبة لي الذراع مع الولايات المتحدة، كان من المفروض أن تُحل هذه القضية منذ بداية سنة 1988، أي مع إبرام عقد “اتفاق المبادئ” بين المغرب والبوليساريو الذي حسم خيار المواجهة العسكرية لفائدة الحل السلمي الحواري في هذه القضية.
وبما أن الجلوس إلى طاولة التفاوض وقتها كان ضرورة، ولو عبر وسيط، فإن الدولة المغربية قدمت مبادرات عملية لإنجاح الحوار والوصول به إلى نتائج عملية، لكن الأطراف الأخرى ظلت تناور ليس لقناعة في عدالة موقفها وإنما حتى لا تظهر في موقف المنهزم.
لكن المثير أن الأمم المتحدة، التي هي وسيط في عملية التفاوض بين المغرب والبوليساريو، جنحت بدورها إلى التمطيط وأكثرت من الزيارات التفقدية والاجتماعات وكأنها لا تريد لهذا الملف أن يُغلق حتى يجد “خبراؤها” مجالا يتحركون فيه بعد أن انتهت نقاط التوتر والأزمات إلى حل في مناطق كثيرة من العالم.
فهل يبحث هؤلاء “الخبراء” عن إدامة الأزمة كي يوفروا مبررا لوجودهم ورواتبهم العالية والامتيازات التي يحصلون عليها، بدل أن يعجلوا بإغلاق هذا الملف سريعا كما تفترضه مهمتهم؟
سؤال يجد له مبررا حين نقرأ تفاصيل التقرير الذي أصدرته البعثة الأممية الخاصة بالملفين سنة 2013 وبعده زيارة الأمين العام السابق الى المخيمات والاشارات التي استعملها و التي كانت سببا في تقويض المسار الاممي الشي الذي جعل المغرب حين ذاك يطرد المكون المدني وشق من المكون العسكري وكادت ان تسبب في مشاكل الكل في غنى عنها . كما ان تركيزه على التفاصيل والشكليات كما جاء في الرد المغربي على التقرير. وبقطع النظر عن الجهة التي تحاول أن تؤجل إغلاق الملف وقدرتها على ممارسة التعطيل، فإن كل المؤشرات الموضوعية تقول إن هذه القضية حان أوان حلها بشكل دائم بمراعاة المعطيات التاريخية والموضوعية.
ومن هذه المعطيات هو أن الجزائر التي تدعم البوليساريو لم تعد قادرة على تحمل هذا العبء لسنوات أخرى، وأن “الطبقة الحاكمة في الجزائر تعرف اختلافات داخلية بشأن هذا الملف، بين من يتعاطون معه في ظل غايات مضمرة وأفكار مسبقة، ومن يتعاطون معه بواقعية ويسلّمون بمغربية الصحراء ولا يرون مصلحة للجزائر في تركيز كيان ضعيف بالمنطقة يكون سهل الاختراق على قوى خارجة عنها”. (انظر مقال زهير دراجي بالعرب أونلاين: كلمة السرّ “ممنوع الحل”: الرباط ترد بهدوء على اهتزاز الموقف الأممي من مشكل الصحراء ).
ومن المهم الإشارة إلى أن ملف الصحراء في الجزائر لم يكن منذ انطلاقه بيد السياسيين، بل بيد جنرالات العسكر ومخابراتها ، وهؤلاء منهم من بلغ به الكبر عتيا ومنهم من ذهب إلى ربه، وبالتالي يضعف منطقيا صف دعاة التمسك بهذه القضية التي تكلف البلاد الكثير من المال ومن المعارك السياسية والدبلوماسية ومن الاستنفار الأمني والاستخباري على الحدود.
إن الجزائر تحتاج الآن، وأكثر من أي وقت مضى، إلى حسم هذا الملف لتتفرغ إلى معالجة قضاياها الداخلية المتعلقة بالتنمية والديمقراطية وقضاياها الأمنية في مواجهة المجموعات المسلحة وشبكات الاتجار بالسلاح على حدودها الجنوبية.
وشعور الجزائر بثقل التزامها تجاه البوليساريو بدأت تظهر علاماته في الجانب الدبلوماسي، حيث لم تعُد قضية محورية تسعى لجذب الأصدقاء لها، وكذلك في حالات الإرباك والنرفزة على قيادات البوليساريو التي تحولت أحيانا إلى صراع أجنحة وتصفيات جسدية، ونشير هنا إلى انشقاق فاتح أحمد ولد محمد فاضل ولد علي سالم، القيادي في الجبهة وذهابه إلى المغرب، وكذالك سفيرهم بفينيزويلا الذي التحق موءخرا بالمغرب دون ان تعطى تفاصيل عن ذالك ، اضافة الى الكم الهاءل من المعطيات التي فجرها فاتح احمد حول “اختطافات وسقوط موتى وضحايا بطريقة لا يمكن تصورها وبدون أي محاكمة” في تندوف، كما جاء في تصريحاته وقتها.
ولا يقف ضيق الجزائر بجماعة البوليساريو عند الأعباء المالية بل يتعداها إلى المصالح الاستراتيجية حيث يستمر إغلاق الحدود بين المغرب والجزائر لسنوات طويلة، ما يعيق استفادة البلدين من عائدات التجارة البينية والسياحة وغيرها.
ولا بد من التذكير بالاستعداد المغربي الكبير لفتح الحدود والتعاون بعيدا عن قضية الصحراء، ونستعيد هنا تصريحات وزراء خارجية المغرب السابقين بداية من سعد الدين العثماني رءيس الحكومة الحالي حين أكد خلال مؤتمر صحفي مع وزير خارجية فرنسا ألان جوبيه أن “مسألة الصحراء المغربية ليست عائقا أمام تحسين العلاقات بين المغرب والجزائر”.
ويضاف إلى الانعكاسات السلبية للعلاقات الثنائية الفاترة بين المغرب والجزائر تعطيلها لمؤسسة اتحاد المغرب العربي التي كانت ستوفر للبلدين ولبقية بلدان الاتحاد فرصا كبيرة من حيث التعاملات الاقتصادية والاستثمارات وتوظيف العمالة وتسهيل التنقل، فضلا عن أن هذا الاتحاد أصبح مطلبا أوروبيا ملحا وشرطا لإنجاح خيار الشراكة مع الدول المغاربية الخمس.
وهنا معركة لا تقل أهمية تحتاج إلى تعاون مغربي جزائري أوثق هي المعركة مع الإرهاب والجريمة المنظمة التي تهدد أمنهما وأمن المنطقة وعلى ضوئها تتحدد درجة الشراكة مع أوروبا.
وفي هذا السياق أكد تقرير حول “الأمن المستدام في المنطقة المغاربية”، صدر مؤخرا عن معهد توماس مور الأوروبي، تنامي الخطر الإرهابي المهدد للمنطقة من الجماعات المسلحة الناشطة في منطقة الساحل والصحراء، ما يجعل المستقبل الأمني للمنطقة مفتوحا على جميع الاحتمالات.
وقد ازداد الوضع تأزما بعد سقوط نظام القذافي وتسرب الأسلحة التي كان يمتلكها إلى مجموعات مسلحة متشددة عابرة للصحراء أو لمجموعات محلية قريبة منها، وأبرز دليل على خطورة مخلفات ملف الأسلحة الليبية ما جرى في مالي من سرعة سيطرة المجموعات الانفصالية المسلحة على أجزاء من البلاد.
وهناك حديث يدور في بعض وسائل الإعلام عن كون البوليساريو ساعدت في حصول المجموعات المسلحة المتشددة أو الانفصالية على السلاح المهرب من ليبيا لما كان لبعض قياداتها من علاقة مع نظام القذافي وحصولها على الدعم المالي والتسليحي والتدريبي منه طيلة عقود.
هذه الأوضاع الصعبة تجعل من التنسيق المغربي الجزائري أمرا مهما جدا لمنع انزلاق المنطقة إلى وضع لا يمكن التحكم فيه، خاصة أن هناك تنسيقا في الجهة المقابلة بين مختلف شبكات الجريمة المنظمة (المجموعات الإرهابية السرية، الاتجار في السلاح والمخدرات، الهجرة السرية وتهريب العمالة إلى أوروبا ).
كل هذه المعطيات وغيرها تجعل من حل قضية الصحراء أمرا ضروريا وعاجلا على أن تتخلى الجزائر عن فكرة توظيف البوليساريو كمجموعة انفصالية مسلحة لإيصال رسائل إلى المغرب، رسائل كان حريا أن تصل عبر القنوات الدبلوماسية وعبر المؤسسات المشتركة التي تدير الحوار الهادئ حول نقاط الخلاف وسبل التطوير والتنسيق.
وقراءة دقيقة لمنظومة العلاقات الدولية ومساراتها تجعلنا نجزم بأن قضية الصحراء ستنتهي خلال سنوات بعودة الفرع إلى الأصل، فهذه المنظومة لم تعُد تحتمل التفتت والتشظي بل تشترط التكتل.
ابو نعمة نسيب – كريتيبا – البرازيل
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.