دهس غيثة يُفجّر غضب الشارع: “عندي فلوسي” تستفز مشاعر المغاربة

abdelaaziz64 ساعات agoLast Update :
دهس غيثة يُفجّر غضب الشارع: “عندي فلوسي” تستفز مشاعر المغاربة

النهار نيوز المغربية – ع الرزاق توجاني

 

 

 

 

حادثة مأساوية هزّت شاطئ دار بوعزة وأوجعت قلوب المغاربة، بعد أن تعرضت الطفلة غيثة لحادث دهس مروّع وهي تلعب على مقربة من البحر. نُقلت الصغيرة في حالة صحية حرجة إلى المستشفى، حيث تخوض اليوم معركة للبقاء، وسط تضامن شعبي واسع ودعوات لا تنقطع بشفائها.

 

تفاصيل الواقعة زادت من هول الفاجعة، بعد تأكيد شهود عيان أن السيارة التي تسببت في الحادث من نوع “توارك” رباعية الدفع، وقد كانت تسير وسط الرمال في منطقة مخصصة لمرتادي الشاطئ، دون حواجز أو رقابة. هذا التساهل في فرض القانون داخل فضاءات عمومية موجهة أساسًا للعائلات والأطفال، يعكس خللاً لا يمكن تجاهله.

 

لكن ما صعّد من حالة الغضب الشعبي، ليس فقط فداحة الحادث، بل العبارة الصادمة التي نُسبت إلى المتهم بعد الواقعة، حين قال ببرود واستعلاء: “عندي فلوسي”. كلمات استفزت مشاعر المغاربة، وأعادت إلى الأذهان سؤالاً مؤرقاً: هل أصبح المال فعلاً جدار حماية لمن يخرق القانون؟ وهل يشعر بعض الأشخاص أن ثروتهم تخول لهم النجاة من أي مساءلة؟

 

المفارقة أن هذه العبارة نفسها كانت قد صدرت في وقت سابق، في سياق سياسي مختلف، على لسان وزير العدل الحالي حين قال: “عندي لفلوس وكنقري ولدي في كندا”، وهو ما جعل البعض يربط بين الحادث وبين انطباع عام مفاده أن المال يشتري المواقع، والتعليم، وربما العدالة أيضاً.

 

تزامن الحادث مع اقتراب دخول قانون العقوبات البديلة حيّز التنفيذ، وهو مشروع قانوني يروم تقليص العقوبات السالبة للحرية في الجنح البسيطة، وتعويضها بخدمات ذات نفع عام أو غرامات مالية. لكن الخطير في الأمر أن تأويلات شعبية بدأت تنتشر، ترى في هذا القانون فرصة جديدة لإفلات “أصحاب الفلوس” من العقاب، ما يهدد بإفراغ القانون من مضمونه الإصلاحي، وتحويله إلى أداة للتمييز بدل أن يكون آلية للعدالة الترميمية.

 

قانون العقوبات البديلة، من حيث المبدأ، لا يُطبق إلا بعد استيفاء كل مراحل المحاكمة، ولا يُسقط المتابعة أو المسؤولية الجنائية، ولا يشمل الجرائم الخطيرة أو القتل العمد. لكن غياب الشروحات الرسمية والتواصل المؤسساتي مع المواطنين جعل القانون عرضة للفهم الخاطئ، وساهم في زرع الشك في نوايا تطبيقه. وهنا تبرز مسؤولية وزارة العدل في تنظيم حملات تواصلية واسعة لتفسير مضامينه وفلسفته، ومواجهة التأويلات الخطيرة التي قد تُستخدم لتبرير الجريمة أو الإحساس بالحماية الطبقية.

 

من جهة أخرى، تُحمل هذه الحادثة أيضًا المؤسسات الأمنية والسلطات المحلية مسؤولية واضحة في ما يتعلق بحماية المواطنين داخل الفضاءات العمومية، وعلى رأسها الشواطئ. كيف يمكن السماح لعربات بالوصول إلى مناطق يرتادها الأطفال والعائلات؟ وأين هي التدابير الوقائية الضرورية في ذروة الموسم الصيفي؟ دهس غيثة ليس مجرد حادث معزول، بل مؤشر صارخ على اختلال أمني وتنظيمي يستوجب المحاسبة والإصلاح.

 

الطفلة غيثة، التي ترقد في صمت مؤلم على سرير المستشفى، تحولت إلى رمز لمعاناة آلاف الأسر المغربية التي تخشى أن تُدهس أحلامها في وضح النهار، ليس فقط تحت عجلات سيارة طائشة، بل تحت صمت القانون وغطرسة من يعتقد أن المال يعفيه من العقاب.

 

العدالة لا يجب أن تخضع لميزان الثروة، ولا أن ترتجف أمام “عندي فلوسي”، ولا أن تُختبر في كل مرة يصطدم فيها الفقراء بامتيازات الأقوياء. ما وقع يستوجب تحقيقًا شفافًا، ومحاسبة صارمة، ورسالة رسمية واضحة تقول إن لا أحد فوق القانون، وأن دماء الأطفال وكرامة أسرهم ليست موضوع مساومة أو صفقات خفية.


اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Breaking News

اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading