تعتبر تركيا، الحليف الإستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط،منذ إنضمام تركيا إلى الحلف الشمال الأطلسي”الناتو” سنة1952.
لاسيما،و أن دخول تركيا الى هذا الحلف،أعطى بعدا جديدا للعلاقة الثنائية بين البلدين.
غير أن تركيا عرفت عدة إنقلابات عسكرية متتالية،أثرت بشكل كبير في السياسات الخارجية التركية،لكنها في المجمل كانت تميل دائما الى الصف الأمريكي،بحكم توجهات العسكر المتحكم في تلك الفترات.
إلا أن بروز عنصر جديد، داخل المشهد السياسي التركي ،سيقلب الموازين لصالح الإرادة الشعبية و الشرعية المكتسبة من الإنتخابات.
وكان ذلك، بميلاد حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الاسلامية .
هنا، سوف تتغير هوية وقيم، ألاعب الرئيسي في الساحة السياسية التركية، و نظيره الأمريكى الليبرالي،مع الإبقاء على نفس المصالح.
سوف نختصر في هذا المقال، أهم المراحل التي مرت بها العلاقة بين البلدين،مع التركيز على حقبة حزب العدالة والتنمية الذي لازال يتولى السلطة.
الأسئلة المتاحة:
ماهي أهم المراحل التي ميزت علاقة البلدين؟وكيف أصبحت العلاقة بعد أن تولى حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم في تركيا؟وكيف كان ذالك التعاون؟
_ العلاقة التركية-الامريكية قبل وصول حزب العدالة:
شهدت العلاقة الثنائية، بين الطرفين ،خلال هذه الحقبة الممتدة بين (1980/1974) عدة أحداث وتطورات متباينة ،كونها هي الأصعب بين الطرفين.
حيث عرفت العلاقة، نفورا وتعقيدا بين الجانبين،بعد أن فرضت واشنطن، على أنقرة حظر توريد السلاح،وذلك بعد دخول هذه الأخيرة منطقة “جزيرة قبرص” من أجل مساندة الجانب التركي.
إلا أن ذالك لم يدم طويلا، خاصة بعد الإنقلاب العسكري الذي حدث سنة 1980 ، حيث أعاد العسكر، العلاقة بين البلدين الى سابق عهدها.
ومنذ ذلك الزمن،ورغم وقوع عدة إنقلابات عسكرية أطاحت بالسلطة في تركيا (1995،1997،1982).
إلا أن العلاقة بين الجانبين، تميزت بالتماسك ؛خاصة وأن أنقرة كانت في بعض الأوقات، من المساندين لخطط الخارجية الأمريكية، و استراتيجياتها في المنطقة.
لذلك نستنتج من هذه المرحلة ، بأنه رغم وقوع عدة إنقلابات، داخل تركيا ،إلا أن التوجه العام في هذه المراحل،كان يخدم مصالح أمريكا ،ويساندها في عدة قضايا داخل منطقة الشرق الأوسط وخارجها.
_وصول العدالة و التنمية الى سدة الحكم:
غير أن الحدث، الذي كان يمكن أن يربك التعاون بين البلدين ،هو صعود نجم حزب العدالة و التنمية، في سماء الحياة السياسية التركية،وتوليه مقاليد الحكم في إنتخابات ديمقراطية سنة 2002.
لاسيما ،وأن الفكرة، التى طرحت من قبل المحليلين أنذاك،هو إختلاف هوية الوافد الجديد على الحكم في تركيا، مع قيم و هوية الدولة الأمريكية…
كون أن صاحب السلطة في أنقرة، ذو مرجعية اسلامية،ويحكم دولة متشبعة بنظام علماني، تركه لها مؤسس تركيا الحديثة “مصطفي كمال أتاتورك“.
ورغم تلك المرجعية المتناقضة مع الجانب الأمريكيي،إلا أن ذلك، لم يؤثر على العلاقة والتعاون المشترك بين الدولتين،وقد ظهر ذلك جليا من خلال غزو الولايات المتحدة ،و حلفائها للعراق سنة2003.
فابرغم من أن البرلمان التركي، ذا أغلبية الحزب الحاكم ( العدالة والتنمية) ،صوت ضد “غزو بغداد” 1مارس 2003 ،خاصة وأن أمريكا قد أعطت في هذا الصدد، عدة تحفيزات واغراءات، مالية وسياسية للسلطة من أجل القبول بالعرض.
لكن كل ذالك تم قبوله بالرفض،لتغير بعد ذلك أمريكا فكرتها ،بطلبها من تركيا فتح مجالها الجوي، لمرور الطائرات لغزو العراق.
وهذا بالفعل ما حصل ،عندما صوت البرلمان التركي بأغلبية مريحة ، لصالح القرار يوم 19مارس 2013.
وتعززت العلاقات بين البلدين بعد ذلك ،لتسلك طابعا استراتيجيا ،بعد مجئ رئيس جديد للولايات المتحدة الأمريكية “باراك أوباما” سنة 2009 ،و رؤيته المخالفة ل الرئيس الأسبق (جورج بوش )إتجاه المنطقة و العالم الإسلامي.
أيضا ،تقوية حكم العدالة و التنمية داخل تركيا ساعد في ذلك، عندما أصبح” عبد الله غل”رئيس تركيا و رحيل ” رجب طيب اردوغان” رئيس الوزراء سنة2007،وهو ما أعطى أبعادا وتوجهات جديدة للعلاقة بين الطرفين..
لكن، ذلك التعاون لم يستمر بتلك الطريقة الفعالة، بل أضحى هناك صراع مصالح داخل المنطقة .
لاسيما ،وأن تركيا لم تعد “تركيا القرن الماضي” ،فقد أصبحت قوة اقتصادية و عسكرية صاعدة .
وهو ماجعلها تبتعد عن ظل الغرب وتدافع عن مصالحها بنفسها، وخطط لهذا فعليا بخطى ثابة من طرف الحزب الحاكم في تركيا .خاصة عند تولي “رجيب طيب اردوغان” رئاسة البلاد سنة 2014.
وهنا ،سوف نعطي أهم الخلافات والتحديات التي ظهرت في الساحة بين البلدين، في عهد حزب العدالة والتنمية وهي كتالي:
_تصويت أنقرة ضد قرار أمريكي سنة 2010 في مجلس الأمن يفرض عقوبات ضد إيران.
_اختلافات بين الجانبين عند حدوث الثورات العربية .
_انتقادات أمريكا لتركيا حول خرقها للحريات العامة في مظاهرات 2013.
_الخلافات إتجاه الثورة السورية وخاصة إتجاه إسقاط بشار .
–معارضة تركيا الشديدة للدعم الذي تقدمه واشنطن لحزب الاتحاد الديمقراطي،والتي تعتبره أنقرة ” حزب إرهابي” حيث ينتمي إلى منظمة “حزب العمال الكردستاني“.
كل هذا خلق صراعا جيوسياسيا، بين البلدين داخل منطقة الشرق الأوسط،بل طال عدة قضايا وأزمات تهم المنطقة.
تركيا، أصبحت تنظر إلى عمقها الإستراتيجي، بعيدا عن المصالح الأمريكية،بل باتت تعارضها ،
وتناقضها في عدة قضايا و أزمات إقليمية و دولية.وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على الرؤية التي يمتاز بها الحزب الحاكم ،والتي تختلف عن رؤية الحكومات السابقة، التي مرت على الدولة العلمانية ..
_إفشال الانقلاب وتداعيات ذلك على علاقة الدولتين:
يعتبر فجر 16 يوليوز 2016 ،حدثا تاريخيا ؛ بالنسبة لتركيا،منذ تولي حزب العدالة و التنمية ،زمام السلطة في داخل البلد .
وذلك ،من خلال محاولة فرقة من الجيش بقيادة العقيد “محرم كوسا”؛الإنقلاب على الحكم، بقيادة الرئيس “رجب طيب اردوغان”ّ
حيث قامت المجموعة “الإنقلابية”، بمحاصرة عدة مؤسسات، داخل الدولة وإطلاق النار عليها ….
لكن، التمرد على السلطة لم يدم طويلا ،وقد أرجع جميع المراقبين، والمحللين ذلك، إلى “الوعي الشعبي”، والذي يظهر جليا من خلال نزوله إلى الشوراع ،ومناهضة الإنقلابين، والتصدي لهم ،بالشعارات ورفع العلم التركي.
لاسيما، وأن هذا الفعل الحضاري،قد خلق ردود أفعال داخل و خارج تركيا ،وأكد أن زمن نجاح الإنقلابات ،و تغيير السلطة الشرعية جراء قبضة العسكر في تركيا،قد ولى وحل محله “إرادة واختيار الشعب“.
والا ننسى هنا ،الدور الذي لعبه،إتصال الرئيس “اردوغان” في نزول الشعب إلى الشارع.
وأيضا ،تفاعل الإعلام في إيصال ذلك النداء.. وهذا يؤكد شيئين أساسيين: الشعبية التي يحظى بها الرئيس “أردوغان”داخل البلد ،والدور الكبير للإعلام ،الذي لا غنى عنه داخل البلدان ،التى تطمح إلى بناء دولة “ديمقراطية“.
وبالعودة إلى المواقف المتباينة التي ظهرت خلال ساعات الإنفلات الأمني،والتي كان من أهمها الموقف الأمريكي،
حيث لوحظ ،أن هناك تناقضا في الموقف الأمريكي، عند بداية الإنقلاب وبعد فشله،وطرحت عدة إستفهامات وإستفسارات إتجاه ذالك؟!..
لكن تركيا الرسمية ،وبرئاسة “أردوغان “وجهت أصابع الإتهام، في محاولة الإنقلاب أساسا ،الى معارضها “فتح جول” الذي لجأ إلى أمريكا سنة 1999ويقطن الآن في مدينة “سلفانيا”،حيث طلبت “أنقرة” من “واشنطن” ،تسليمه لها .
لاسيما، وأن هناك معاهدة بين الطرفين، تخص نوعية هذه القضايا،و قد قدمت تركيا بعد ذلك ،معلومات لأمريكا، تثبت تورط الزعيم المعارض في محاولة الانقلاب.
في الختام ،يستقيم القول بأن تركيا، لم تعد حبيسة العوامل السابقة.
فاتركيا اليوم، تمتلك شعبا لديه من الوعي ما يكفي ،و سلطة قوية مكنتها من أن تصبح ،أحد أقوى الدول الاقتصادية و الصناعية في العالم.
كما أكدت أنها ليست دمية، تتلاعب بها الدول الكبرى،بل هي قوة إقليمية، يمكن أن تجاري الدول العظمي.
لذلك نرى أن تركيا، تريد أن تحبس علاقاتها مع أمريكا ،عن طريق المصالح المشتركة فقط.
وفي نفس الوقت، تربط علاقات أخرى مع دول عظمى، تتعارض مع الحلف الأمريكي،والعلاقة القائمة مع روسيا خير شاهد.
هذا يبين ،أن أنقرة أصبحت تتعامل مع الدول الكبرى بالمثل و المصالح.
ليبقى السؤال المطروح هو:هل ستسلم “واشنطن” “فتح الله جولن” إلى “اردوغان” ؟وإذا لم يتم التسليم كيف اذا ستكون العلاقة بين الطرفين مستقبلا؟ وما طبيعتها؟.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.